احمد ديركي :اسهل ما يمكن عمله في اية عملية تخريب هو توجيه اصبع الاتهام قبل ان ترفع جثة أو جثث القتلى من موقع ارتكاب الجريمة. فالدول تتهم الارهاب والارهاب يتهم الدول بالارهاب وهكذا دواليك فالكل يتهم الكل.واذا ما ضيقنا الحلقة قليلا وصولا الى بلد لا تتعدى مساحته 10452كلم2، رغم عدم الاتفاق على هذه المساحة، وتعداد سكانه الذي لا يتعدى 4 ملايين نسمة_ ايضا الاحصاء السكاني فيه ممنوع_ ما ان تقع اي عملية "تخريب"، بمعنى تنافي مع القانون الطائفي، اول ما تتوجه به الاصابع الى الدولة واجهزتها ومن يدعمها الى الخارج – والمقصود بالخارج هو سورية – في حين ما تقوم به الدولة هو عملية قمع ضد من منهم معادين لها. وبهذا تكون الاصابع دائمة التوجه بطريقة معاكسة لبعضها البعض.

الجدير ذكره في هذه الحالة المتعاكسة بأنها تتشابه جدا مع ما تعكسه المرآة فمن يتهم الآخر هو في السلطة ومن يتهم السلطة هو السلطة وما يقود الى السلطة ضد السلطة لدعم السلطة.
اغتيل رفيق الحريري، طبعا هناك اخرون تم اغتيالهم قبله، وبعد عملية الاغتيال بلحظات في وقت كانت تنقل فيه الاشلاء الى المستشفيات ظهر الاصبع ليقول بأن من قام بهذا العمل "الاجرامي" هم اجهزة الدولة والمخابرات السورية، مستغلا هذه العنصرية- الطائفية والتي تشكل جوهر فكر المجتمع اللبناني اللامتجانس وتركيبته السلطوية ليحقق منها انتصارا سياسيا كان يحلم به منذ زمن.
زحف من زحف الى الشوارع يحملون رموزهم الدينية في ايديهم ومرفوعين على الاكتف ليقولوا نحن شعب لا تحكمه الطائفية بل الطائفية هي نتيجة الحكم المخابراتي السوري الذي شرذمنا.

دفن المرحوم مع من معه واصدر القرار 1559 الذي دعى من ضمن ما دعى الى انسحاب القوات السورية واجهزتها من لبنان. وصعد شعار الموسم ليقول "وحدة وحرية واستقلال" مزيلا برمز الجبل الهاتفي 05. وعاد المنفي من منفاه وحكمت عليه المحكمة ببرائته من الخيانة كونه القى خطابا في الكونغرس الاميركي معارضا لسياسة الدولة المتبعة.

القى المشيع المحمول على الاكتف من يده احدى رموز الطقوس الدينية وابقى باليد الاخرى ما يمثله من رمز ديني. وطافت العنصرية- الطائفية على السطح وطافت الطوائف على بعضها البعض كل منها من خلال ممثلها الطائفي المتواجد في السلطة الطائفية يحاول ان يحظى بحصة الاسد ليرضي شعور طائفته ويحقق سلطته ومصلحته.
دفن الاب فكان ابنه الوريث الشرعي له واصبح هو الزعيم السني بلا منازع مطالبا بالتحقيق الدولي لكشف من قتل ابيه وأصبح الاب مثله مثل قضية "قميص عثمان" بالتراث الاسلامي. اتت اللجنة الدولية وبدأ التحقيق من ثم تبعها "الانتربول" واجهزة المخابرات العالمية "سي.اي.ايه" ومن لف لفهم كلهم اتوا لحل قضية "قميص عثمان" ومازال حتى تاريخه لم تنجز المهمة.

فكان الاصبع اول ما توجه الى سورية ومن ثم في ظل هذه المعمعة والبعد الطائفي اغتيل "سمير قصير"، ذاك الصحفي الشبه يساري والذي يعده البعض معاد لسورية – المقصود هنا هو السياسة السورية – وكالعادة ظهر اصبع الاتهام ليتوجه لسورية رغم كونهم خارج البلد فهم رحلوا قبل الاغتيال. الا ان الاصبع مازال موجها بذات الاتجاه (لعلها هواية).
بعد فترة وجيزة اغتيل مطلق جبهة المقاومة اللبنانية والامين العام سابقا للحزب الشيوعي اللبناني. ظهر الاصبع مرة اخرى لكنه فقد الاتجاه. فالرفيق جورج كان صديقا لسورية فكيف لها بأن تقتل صديقها؟ فأشار اليها الاصبع بنوع من الخجل الذي للمرة الاولى يتعرف عليه.
ومن ثم كان هناك محاولة اغتيال الياس المر، ظهر الاصبع بالمضروب على رأسه فالياس المر ليس من اصدقاء سورية بل من داعمي سورية. فأين لهذا الاصبع بأن يشير؟
الاشارة الاولى تبدو موجهة نحو المخيمات الفلسطينية حيث المتهم الآن هو شخص متواجد داخل "المخيمات الفلسطينية". بعد طبق الشق الاول من قرار الامم المتحدة رقم 1559 – وهو انسحاب القوات السورية من لبنان – يبقى الشق الآخر والمسمى – الشق الداخلي- والمتعلق بسلاح حزب الله ومسألة "المخيمات".
وباشارة الاصبع الى "المخيمات" يبدو ان هذه المسألة بدأت تطفو على السطح اللبناني بغية حلها على طريقة من يدير ويوجه الاصبع.
مادام هناك شعار "سياسة عدم الاستقرار" فالاصبع سوف يبقى يشير الى الهدف المنوي تحقيقه من خلال كل عملية اغتيال او عدم استقرار تحدث في لبنان.
بهذه الطريقة يكون الاصبع يحقق هدفين في آن واحد. الهدف الاول هو تحقيق اهدافه من خلال لفت الانظار الى من يتهم وتعبئة الرأي العام ضده والهدف الثاني وهو الاخطر تمرير ما يريد تمريره من مشاريع على مستوى اكبر مثل الانتهاء من بناء الجدار الفاصل العنصري في فلسطين المحتلة من دون اي ردة فعل دولية مؤثرة القضاء على الشعب العراقي وتكريس احتلاله واخيرا وليس آخرا عدم ممانعة "السلطة الفلسطينية" بتجنيس "اللاجئين الفلسطينيين" بجنسيات عربية بديلة عن "الجنسية الفلسطينية".

ومازال الاصبع قائم يشير الى من يشاء من دون عقبات تذكر ومازال هناك من يدعم هذا الاصبع في الداخل ليصول و يجول وفقا لاهواء صاحب شعار "سياسة عدم الاستقرار".