سعيد الحسنية: الحب وما أدراك ما الحب ؟؟ سؤال طرحته على نفسي ألاف المرات ، وفي كل مرة أجد جزءا من الجواب ولا أجد الجواب كلاما .
ولكني في يوم العيد أدركت معناه ومدى حاجتي إليه ..كيف لا وأنا اقضي العيد يتيما وحيدا في غربتي القاحلة. لم أشعر قبلا بهكذا ألم.
كم احتجت تلك الليلة إلى حضن أمي أوي إليه وإلى يد أبي تربت على كتفي . كم احتجت فيها ليد حبيبتي تمسح دموعي وهي تقول أحبك..بعد أن تطبع قبلة على شفتي .. تلك الليلة أدركت معنا آخر للحب ذلك المعنى الذي عرفته في المطار ..في ذلك اليوم الذي قلت فيه لحبيبتي إلى اللقاء.
يومها أدركت أن الحب هو أن تتجاهل الرجولة قليلا وتفك أسر دموعك وتتركها تنساب حرة على خديك.
حينها أدركت أن الحب لا رجولة فيه ولا نون نسوة..أيقنت أنه لا يميز بين الجنسين ..ومع ذلك أنكرت معرفتي به وتجاهلت الأمر وقلت: ماذا سيقول الناس عندما يرونني أبكي؟


ولكن تلك - ليلة العيد- خلعت رجولتي وبكيت شوقا لحبيبتي وأهلي..أجل أعترف الآن أنني رجل يبكي ويجهش في البكاء ..لماذا ؟لأنني أحب وأعشق وأحن والشوق يطعنني ألاف الطعنات.
لا يمكن لأحد أن يتصور مدى دهشة أصحابي عندما شاهدوا الدموع في عيني .وكم كانت دهشتهم أكبر عندما عرفوا أن الحب هو من أبكاني.عندها شعرت بحرج شديد ودفنت نفسي في الفراش متذرعا بالبرد القارص والنعاس الشديد.لم أستطع أن أقول لهم أنهم لم يولدوا بعد لأنهم لا يعرفون الحب.
وفي صباحية العيد تملكتني الجرأة ووجدت نفسي منتصبا أمام أصحابي .. منتقما لرجولتي التي هزمها الحب لأقول لهم :quot;يا لكم من تعساء ..وستبقون تعساء طالما لم تجربوا الحب أو تعترفوا به.
ما هو الحب ؟ سؤال طرحه جميع من كان في الغرفة وفي نفس اللحظة..الحب..لا أعرف ما هو..إنه..تلعثمت وأحسست بالوهن والغباء في الوقت عينه، ووجدت الصمت هو سبيلي الوحيد وتقليب قنوات التلفاز خياري الوحيد لمنع دموعي من التسلل.واليوم أقول لأصحابي وللجميع ..الحب لا يحتاج إلى متفلسفين لكي يفهموه أو يعيشوه..إنه شلال من المعاني يتدفق فوق أحاسيس القلب ليملأه بالحنان والعطف والأمان والأمل والتفاؤل..هو شعور غريب لا يشعر به إلا من يعيشه .الحب كلمة تحمل حرفين ولكنها تتضمن الكثير من المعاني. فهو الشوق واللهفة والحنان والعطاء والتضحية التي لا حدود لها فمن يحب يشعر انه في عالم آخر من الحياة، يفكر ويحلم فقط فيمن يحب ويكون الحبيب هو الشخص الذي يعيش من اجله ..الحب عذاب جميل ممزوج بالألم والجروح ومع هذا المحب يستمر بحبه وعطائه .. أنه نعمة إلهية فهو الحياة ولا حياة من دونه .
اليوم أقول لهم ولكم الحب هو الذي اجتاحني وزلزلني واخترق عظامي وعروقي وسكن أحلامي وما زال يجوب في صحاري حياتي فيحولها إلى جنان خضراء . هو الذي يجعلني أصارع قلمي الحزين ، اخنقه في قبضة يدي ، وأعصره فتتسرب نقاط حبره نقطة نقطة ويسطر ما سهرت له ليالي طوال لأكتشف بعد ذلك أن ما في داخلي أعمق وأقوى مما سطره قلمي ...الحب كما أعيشه هو الشعور بالقوة والضعف في نفس الوقت ، وفي كل ليلة أجد أنه ليس بوسعي سوى التنهد العميق والقول اه عالياً.
طبعا ndash; ومنعا لأي إلتباس ndash; لا أقصد الحب المطلق الذي يتفلسف به الكثيرون ويحاولون التبجح بوصفه وعرضه.أنما أقصد العشق والغرام ..أقصد الحب بين الرجل والمرأة..أجل المرأة ..ذلك المخلوق الذي نتغنى به وننظم الشعر والخطب حولها طيلة النهار ، وفي المساء عندما نعود إلى مخادعنا نفرغ فيها شهواتنا وغضبنا ونجعل منها إناء لملذاتنا وquot;فشة لخلقناquot; ..هذا الأمر الذي يفعله الكثيرون من أشباه الرجال الذين تأبى رجولتهم إلا بسط سطوتها على أجساد نسائهم ..فيغزونها تحت جنح الظلام ..وينهضوا بالنهار ويحضر أجسادهم وكراماتهم وحريتهم ليغزوها الطواغيت من حكامنا الذين يدسون على أعناقهم..هذا هو مفهوم الكثيرين من الذين التبس لديهم الأمر بين مفهوم الرجولة والذكورة.
لأولئك الذكور أعترف وأقول أنني رجل يبكي ويجهش بالبكاء ..أني رجل يعبد الله ويقدس الأمهات والحبيبات..أقول لهم يا ليتكم تعرفون أن المرأة هي الشيء الجميل في الحياة ،إنها البلسم الشافي والقلب الدافئ ، قلبها كالوردة ألوانها مختلفة فهي عاطفية بلونها وغيورة برحيقها وعظيمة بأنوثتها ، وثورية متلهفة بحبها غامضة بجمال روحها ومحيرة بفطنتها وصافية برومانسيتها.. هي حديقة ألوان تحتاج إلى من تمتعه بألوانها وأن تسحر بعطرها من يعرفها حق المعرفة ويدرك إحساسها الفياض وبساطتها الندية فهي الحب والعاطفة والقلب.. المرأة هي الوردة و الحب معا.
لهم ولكم أقول لا طعم للحياة دون حب ولا نكهة للحب دون ألم ودموع وسهر ليالي، ولأولئك الذكور المستأسدين فقط على نسائهم، وعلى الرغم من أهمية العشق والغرام إلا أنه يبقى الحب المطلق هو أسمى الشعور ولذلك أقول ما قاله ميخائيل نعيمة : quot;لو جندنا كل ما في الإنسان من ذكاء وعبقرية لما استطعنا أن نصنع من القرد أنسانا لكن الحب إذا ما تربع في القلب فأستطاع في طرفه عين أن يغير ما في الناس عاداتهم وتقاليدهم quot;. الحب هو الحل للكثير من مشاكلنا، وهو سيظل ويبقي اللحن الجميل الذي نستمع إليه بأعيننا ونراه بكل أحاسيسنا ،وستظل الكلمة عاجزة عن وصفه ويظل الصمت عاجزا عن التعبير عنه وتبقي لغة العيون تائهة في النظر إلى الحب.وسيبقى الكثيرون يبحثون عنه في كل مكان وزمان .
أني أعترف الآن لقد وجدت الحب وأعيش معه ويسكن في دمي وجدته في الغروب ..في الصمت، في الحروف التي تصنع الكلمات وفي الكلمات التي تساهم في وصف العشق والجمال ..لقد وجدته وتأكدت من هويته بعد أن أبكاني وجعلني أتباهى بأنني الرجل الذي يحب ويبكي.!