نسرين عزالدين: ..ومر كل شيء بسرعة فائقة. ساعات وأيام وسنوات كضجيج لا سبيل لإسكاته.
تلاشى ذلك الخيط الرفيع من النور الفاصل بين الليل والنهار.. اختلطا. باتا مجرد ساعات تمر ولكل واحدة منها مهمة يجب انجازها.
كيف وصلنا الى هنا. لنتوقف قليلا.. للحظات فقط نلتقط فيها انفاسنا.
لنتعارف مجددا. اخبرك من انا وتخبرني من أنت.
لننسى ان اليوم هو 14 شباط. لنجلس هنا ولا نشاهد الاخبار ولا ننزعج.
لننسى كل شيء..
لكننا لا نستطيع. لقد انجرفنا معهم وذنبنا الوحيد اننا ولدنا لبنانيين.
اليوم هو الـرابع عشر من شباط. يوم كغيره من الايام لكنهم أرادوه عيدا للحب. اي حب سنحتفل به.
تقول الاسطورة ان الانسان يحب أخاه الانسان.. ويقول الواقع ان الانسان لا يوفر طاقة كي يقتل ويسجن ويعذب ويذل ويسرق أخاه الانسان.
وتقول الاسطورة نفسها ان الحبيب يحب حبيبته.. ويقول الواقع نفسه ان هذا الحبيب - او الحبيبة - لا يفوت فرصة للخيانة والكذب والاستغلال وتفسير النزوات كما يناسبه.


وتقول الاسطورة أيضا أن اللبنانيين في 14 شباط سيحيون ذكرى رفيق الحريري الذي اغتيل العام الماضي.

دعني اخبرك ماذا حدث.
في ذلك اليوم المشمس حمل اللبنانيون العلم اللبناني والقواتي والاشتراكي وآخر فرنسي وبضع يافطات مهينة لمن قرر ان يمارس حقه الديموقراطي ويخالفهم الرأي ونزلوا الى ساحة الحرية.
اليوم هو لإحياء ذكرى رفيق الحريري وشعار المهرجان التكريمي هو لبنان اولا.
لن نشارك معهم ولن ننزل الى ساحة الحرية.. فنحن لا ننتمي الى 14 اذار وهم اعلنوا مسبقا ان 14 شباط هو يوم رد الاعتبار لهم.
سنصنف تلقائيا اننا ننتمي للاخر..لا بأس سنقبل هذا التصنيف هذه المرة وان كنا لا ننتمي الى 8 آذار. بات الاخر مقبولا جدا بعد هذا اليوم.
لقد اخبرتك بالامس ان عليك ان تتمنى ان يكون غدا آخر يوم في هذه المعمعة وان تصلي كي نتمكن من العيش بسلام.
احتشدوا بكثرة.. بأعداد هائلة. تفرح للوهلة الاولى..هم اتوا من اجل رفيق الحريري. اتوا دفاعا عن لبناني قتل ظلما. ونحن لا نحب الظلم.. ولهذا سنفرح بهم.
..حسنا بدأت الخطابات. بعضها بدأ برفيق الحريري ثم تناساه وعرج على سوريا وحزب الله والجنوب والرئيس لحود.
جعجع قرر ان البحر امامه والصحراء ورائه.. وجنبلاط لا هم له سوى اسقاط الرئيس ومهاجمة حزب الله وبشار الاسد.. والباقون على خطاهم.
اين رفيق الحريري.. لقد اختلطت الامور علينا.
لقد بدأنا نشعر بالقرف الشديد من كل هذا.
اين quot;لبنان اولاquot; في هذه الفوضى.. فهناك اسقاط لحود وسورية وحزب الله وميشال عون المغضوب عليه وتحريض الطوائف على بعضها وربما بضع امور اخرى ثم يأتي لبنان ولا فكرة لنا اين يقع رفيق الحريري في ترتيب هذه الاولويات.
كان الاجدى بهم اطلاق شعارquot;نحن اولاquot;. هم لا يكترثون. هم يجيشون ثم ينقلبون ثم يتحالفون ويتخاصمون ويفصلون اوطانا على مقاسهم .
لكن لا ذنب لهم.. هو ذنب هذا الشعب الذي جزء منه يشترى بالمال وجزء منه ينساق خلف طائفته انسياق الاعمى وجزء منه يعتكف عاجز عن فعل شيء وجزء منه يهرب الى بلاد اخرى.
ونحن لمن ننتمي. نحن اعتكفنا عاجزين وسنهرب من كل هذا القرف قريبا.
سننسى ما قاله جنبلاط وما قاله جعجع وغيرهم.
فليحاربوا وحدهم ويقيموا حواجز الموت وحدهم.. لن ندعهم يقتلونا مجددا.
سندعي ان كل هذا الحشد اتى من اجل رفيق الحريري لانهم خائفون على وطنهم. وسندعي ان البحر امامنا لنتمتع به والصحراء خلفنا لنأنس بها.
لن نسمع الهتافات الطائفية ولن نقرأ اليافطات المهينة.
سندعي انهم لم ينساقوا خلف شعارات زعمائنا الطائفية.. سندعي اننا نحب بعضنا البعض.
وسنحتفل انا وانت للمرة الاولى بهذا العيد الغبي.
اتعلم لماذا؟ لاننا نحب بعضنا البعض.
انت بشهورك الثمانية وانا بسنواتي السبعة والعشرين.
انت لا تعرف دين ولا طائفة ولا حقد ولا كراهية ولا يحزنك شيء ولا يبكيك سوى جوع او نعاس.
تبتسم وابتسم ..
رجل عجوز وزوجته يتحدثان الى احدى محطات التلفزة، هو يضعنا في خانة quot;خونةquot; الوطن وهي تنصحنا بتغيير هويتنا لاننا لم نشارك في هذه المظاهرة.
علينا ان نشكرها يا صغيري لانها ذكرتنا بما كنا قد نسيناه .
نحن نملك حق الحصول على جنسية اخرى ولم نستغل ذلك حينها. اما اليوم فسنفعل ذلك.
غدا سنذهب الى هناك وسنحصل على جنسية غير لبنانية.. اي بقعة في الارض ستكون اجمل من لبنان الحالي الذي لم نعد ننتمي اليه...
وان كان عدم انتمائي لهذا او ذاك يصنفني في خانة الخونة.. فانا وبكل فخر خائنة جدا.