نسرين عزالدين : يتدلى عنكبوت من السقف.. يتأرجح الى إلأمام والى الخلف.
تحدق به ولا ترى سوى مؤخرته..هل للعنكبوت مؤخرة يكمن رؤيتها بوضوح ام انه يهيء لك انه يدير مؤخرته.
ما الهم ..يدير مؤخرته او ظهره .المهم انه يتجاهلك .
تنتظر إشارة منه. كلمة او حركة او التفاتة يبلغك انه يراك ، يعلم بوجودك وانه يحاول معرفة اخبارك بين حين واخر.
يرتفع العنكبوت الى السقف ويمارس هرولته اليومية..وانت تحدق.
ثم يختفي في ثقب ما .
تسارع الى سرقة بعضا من خيوطه .وتعود لتسلقي على السرير وتنتظر..
تقلب تلك الخيوط بين يديك. تحدق بها تحاول فك الغازها ، تشتمها ..تحاول ان تستنج ان فيها ما يعنيك ..وتفشل.
فتعود وتنتظر.
لا تعرف تماما متى بدأت قصتك مع هذا العنكبوت. لقد ظهر من العدم واستوطن على سقف غرفتك.
تخافه لكنك اعتدت على وجوده.

لا تحبه لكن يزعجك انه لم يلتفت اليك يوما.
يستفزك تباهيه بقدرته على السير على السقف وحركاته البهلوانية التافهة ..يستفزك وجوده المتابهي بقدرته على تجاهلك .
يستفزك كونه عنكبوت ..وأنت..حسنا ما انت. انت ما كنت عليه دوما.لم تتغير يوما ..تغير شكلك قليلا و ما عدا ذلك ما زال كل شيء فيك على حاله.لعلك غبي لانك لم تتبدل وتتلون وتتغير..ما الجدوى من البقاء كما انت طوال حياتك .

..ها قد عاد العنكبوت. يتدلى امامك متابعا ارجحته .لم لا تمد يدك وتسحقه ، اقتله .
وفر على نفسك عناء الانتظار اليومي كي يتتبه اليك. اقتلع عينيه الصغيرتين من مكانهما وارغمهما على النظر اليك.

...الهاتف يرن ، عليك بجر نفسك بعيدا عن هوسك العنكبوتي والعودة الى واقعك قليلا.تحدق في الهاتف وتتساءل ..أي خبر يحمله هذا الرنين المزعج.تسحب نفسك رغما عنك وترتدي ملابسك ..تحدق في العنكبوت الابله وتهدده بالعودة لاحقا والانتظار مهما تطلب الامر كي يأتي هو اليك .

في الخارج تبدو الامور مشابهة لما هي عليه في الداخل.ضجة تلتف على بعضها البعض، عناكب تزحف هنا وهناك.خيوط كثيرة بعضها يعنيك وبعضها الاخر لا دخل لك به لكنك عالق في تلك الشبكة اللامتناهية .تصارع طوال حياتك لتجازوها خيطا خيطا ..قد تتجاوزها كلها وقد تتجاوز بضع خيوط فقط ، وفي كلتا الحالتين سواء ظفرت بالسباق او اعتكفت في مكان ما فان المصير واحد. فلكل عنكبوت خيط يلتف حول عنقه ..يضيق احيانا ويتسع في احيان اخرى بانتظار الاختناق الاخير والغاية المؤجلة من وجودك .. الموت وانت معلق بهذه الخيوط .

..يُحكي عن عنكبوت quot;النونوquot; الذي صعد الى السطح ثم عاد الى اسفل بعد ان رمته الامطار الهاطلة ليعاود صعوده مجددا حين quot;طلعت الشمس ونشفت المياهquot; . لا بد ان quot;النونوquot; قد خرق عرفا عنكبوتيا ما كي تغنى قصته الازلية..لا بد انه يحب الشمس ويحب الهواء ويحب مساحات الحرية التي يجدها على السطح .هو لا يقبع في زاوية في غرفة ما او تحت سرير ما..هو حر .لعله كان قائد تمرد في زمن ما .لا سبيل الى معرفة اصله وفصله فكل ما نعرفه عنه هو ما ترويه تلك الاغنية .

..عنكبوتي ما زال يتمتخر على سطح الغرفة .لا يبدو كقائد او زعيم تمرد او اي شخص ذات شأن .مجرد حشرة مزعجة تتجاهل وجودي ..وتجاهلها هذا جعلها ذات شأن لا اكثر. وهكذا مرت الايام والشهور وما زلنا على صراعنا ذلك . انا انتظر وهو يتجاهلني.وفي هذا الانتظار تعاظم كبريائه وباتت يتفنن في تجاهله ..حتى سقط .وها هو امامي ..يحدق في عيني مباشرة.قليل من الذل وقليل من الخوف ..وكثير من المناورات .

غريب هذا العنكبوت المتجبر..حتى في سقوطه لا ينفك يمارس بعضا من شره.اجل انه شرير..لقد عاش في غرفتي لسنوات وتسلى باستفزازي وتجاهلي ..سرق ساعات طويلة ينسج حولي خيوطه حتى جعلني مهووسة به.وها هو الان يسقط .
يلتفت نحوي ثم يتلفت حوله كي يتأكد ان احد لم يراه..
هناك هجرته ..
وهناك رحل ..
يعود بين حين واخر ..ليسترق النظر .
يعود كما هو هذه المرة ..بلا ادعاءات
مجرد عنكبوت يقطن في زواية سقف غرفة .