نسرين عزالدين : لا أعرف لما اختنقت بحزن مفاجئ..ولا اعرف لما شعرت برغبة بالبكاء .
أردت لدمعة ان تنساب وتخلصني من هذا الثقل الجاثم فوق صدري..لكنها لم تنهمر .
لقد توفي محمد الماغوط.
ومن انا من محمد الماغوط لاحزن كل هذا الحزن.
لست سوى دخيلة قرأته متأخرة جدا .لست منه شيئا مما يستدعى كل هذا الحزن .
لكنني حزينة ، وحزينة جدا.

..هو مني اكثر مما انا من نفسي .هو بضع ابيات من قصيدة اربع عيون مغمضة فتحت اربع عيون انهكها البكاء والموت والذل على حياة جديدة.
أتذكر ذلك اليوم ؟اتذكره يا صديقي؟. انا اذكره بوضوح

.كان يوما صيفيا حارا وكنت قد وصلت الى مرحلة ثتير الغثيان من الشفقة على الذات والانهزام .سحقت نفسي وفتحت الباب امام كل من يريد سحق ما تبقى من كرامتي.


وانت ..صديقي المخلص الذي يستقبلني بذراعين مفتوحين .مكاني الآمن من تلك الشرور التي تملكتني وأبت ان تترك ذرة حياة في جسد انهكه تعبي وتعب غيري.
هناك على الكورنيش البحري موعدنا اليومي.
هرعت اليك في ذلك اليوم فرحة على غير عادة .تخليت عن quot;مخزوني من الكلينكسquot; وتجاهلت روتيننا اليومي من روايات عن حوادث غريبة كان يخيل الينا انها لا تحدث سوى في الروايات التي نقرأها .
حملت اوراقي وهرعت اليك.
هاي هي ، انها قصتي القصيرة الاولى .سيئة اعلم لكنني احبها .
ولانك صديقي اكثر مما ينبغي ، احببتها أيضا.صمت قليلا كعادتك ثم وابتسمت .
quot;خذ فتاتك الخجولة وراء الغدير
تمد لها فراشا من العشب والخرز وصرر الطعام
وتنبض بين ذراعيك حتى الصباح
دون ان تلتقي عيناك بعينيها
قد تنال منها حتى احشاءها
دون ان تلتقي عيناك بعينيها!!quot;.

اتذكر ما قلت. quot;هذه الخاتمة المثالية .إنها للماغوط
..يبدو ان عيون الماغوط الاربعة المغمضة كُتبت انتقاما لكِquot; .

وهكذا كانت..خاتمة لقصة طالت .
ومضينا ..ومضت السنوات .

حاولت كثيرا ان اكتب لك قصة .قصة تكون خاتمتها المثالية هذه المرة أمل كتبه الماغوط لاجلنا.
وموعدنا هذه المرة لن يكون على الكورنيش البحري او في أي من اماكن الحزن تلك.سيكون في مكان جميل ، في غرفة صغيرة ملونة الجدران .
في زاويتها تمثال لإمرأة إفريقية تكشف عن ثدييها ..وفي الزاوية الاخرى عامود اضاءة.سنجد مكاننا على الكنبة الزيتية اللون بحذر.
على الارض يجلس طفل صغير مبتسم يبعثر العابه هنا وهناك..
سأسألك عن احوالك قليلا وتسألني عن احوالي . ساقول لك انني حاولت ان اكتب لك قصة ..ولم اتمكن .
أردت ان أهديك شتاء الماغوط ، لانه جميل كصيفنا ..صيفه ..وعيونه الاربع المغمضة .
لذلك يا صديقي لن اكتب قصة . ساهديك قصيدة الشتاء .
انها الحياة المثالة .الحب المثالي وكل ما هو جميل في حياة بخلت علينا طويلا بأملها .
اعطيتني بداية حياة جديدة باربع عيون مغمضة..وها انا اعطيك ذراعي ممدوة quot;على امتداد الكون quot; منزل لك حين تبحث عن منزل .

quot;كالذئاب في المواسم القاحلة
كنا ننبت في كل مكان
نحب المطر ونعبد الخريف
حتى فكرنا ذات يوم
ان نبعث برسالة شكر الى السماء
ونلصق عليها
بدل الطابع ..ورقة خريف
كنا نؤمن ان الجبال زائلة
والحضارات زائلة ام الحب فباق ..
وفجأة: افترقنا
هي تحب الارائك الطويلة
وانا احب السفن الطويلة
هي تعشق الهمس والتنهدات في المقاهي
وانا اعشق الفقر والصراخ في الشوارع
ومع ذلك ..
فذراعاي على امتداد الكون
بإنتظارها..quot;