نسرين عزالدين : لا يمكن تجاهل عنصرية التعليق ـ لا سبيل الى ذلك - فهو ابشع من ان يتم تجاهله .كل هذه الفوقية التعصب والطائفية في جملة واحدة، quot;يمكن ان نتوقع اعمال مشابهة لما حصل في الاشرفية نظرا لطبيعة وانتماء معظم العناصر المشاركة في تظاهرة العاشر من أيارquot;. وهذا كان الحد الفاصل في المعركة الاعلامية بين المشاركين في quot;التظاهرة النقابيةquot; وبين الرافضين لها ..هكذا باتت محطات التلفزة اللبنانية تعبر عن وجهات نظرها.

الهاتف لا ينفك يعلن عن استلام الرسائل التي تحذر الشعب اللبناني من مغبة الخروج من المنزل في العاشر من ايار لان السوريين سيملأون الشارع .
وبين هذا الكم الهائل من الرسائل تصل رسالة اخرى، من الحكومة اللبنانية هذه المرة، تسألك ان كنت تعمل في مكانين مختلفين ..فان كنت كذلك عليك الابلاغ عن المكان الاخر الذي تتقاضى منه معاشا اضافيا. في هذه الحال يمكن للمواطن ان يقوم بأمرين. الاول ان يضحك لحس فكاهة حكومته ويتجاهل طلبها الغريب ، والثاني ان يتصرف بغباء ويرد على الرسالة.ولماذا سيكون غبيا .. حسنا .. فهو ان ارسل رده سيكون بالمقام الاول quot;ينفعquot; الدولة بتكلفة الرد وبالتالي ادخال المزيد من المال الى قطاع الخليوي _ وهو القطاع الشهير بالفضائح والسرقات والمحسوبيات والاستفادة على حساب الشعب _ وثانيا سيكون قد ابلغ عن وظيفته الاخرى وبالتالي منح الحكومة فرصة اغلاق باب رزقه quot;الثاني quot; كون وضعه قانوني _اي مسجل لدى الحكومة وضمانها كموظف_ في الاولى وغير قانوني في الثانية _لانه غير مسجل .. فهذا اللبناني الذي يعمل في مكانين مختلفين لم يقم بذلك من اجل المتعة او لانه يشعر بالملل وانما لان المعاش الواحد لا يكفيه لتسديد ضرائبه وفواتيره والحد الادنى من المتطلبات الحياتية. وفي حال اعترافه لحكومته quot;بسرهquot; غير الخفي على احد سيكون قد جلب العقوبات عليه وعلى صاحب العمل، وكما يقول المثل اللبناني الشعبيquot; لا تجلب الدب على كرمك quot;.

..كل هذا الاهتمام بالوضع الاقتصادي مربك وكل هذا الاهتمام بأحوال الفقراء مفاجئ فالتدهورالاقتصادي ليس بالامر الجديد والسرقات ونهب خزينة الدولة عادة سياسية متوارثة كما ان كل انواع الفساد الاداري والسياسي مستشرية في كل الوزارات والمؤسسات العامة والخاصة منذ الازل .فما جديد اللبنانين هذه المرة ..جديدهم هو الورقة الاصلاحية.
ولو سلمنا جدلا ان تظاهرة العاشر من أيار هي حصريا من اجل الورقة الاصلاحية والمطالب المعيشية فان ذلك حق مشروع لانها لا تستدعي التظاهر فحسب بل تستدعي ثورة تقلب من ابتكر خطة الاصلاح هذه على رأسه ورأس من دعمه .

لكن تسيس الوضع برمته لم يترك مجالا للتأييد او المعارضة، فقوى 14 شباط اتهمت المتظاهرين بالعمالة لسوريا وقوى 8 اذار مع التيار الوطني الحر والحزب الشيوعي استعملوا الحجة نفسها للرد وانما العمالة هذه المرة للغرب.

وبما ان لبنان بلد غير لبناني ، وبما ان قراراته برمتها تأتيه من الخارج ..لا يبدو التحرك النقابي المسير سيئا الى هذا الحد في حال ادى الى نتيجة .وبما ان الاجنبي يحكم لبنان فرفض الورقة الاصلاحية والسعي لتحسين الوضع المعيشي لا يبدو سيئا ايضا استنادا الى واقع ان قرارات هذا البلد مستوردة من الخارج وان كل كلمة تصدر عن السياسيين هي ترجمة لما تم تلقينهم .


رئيس الحكومة فؤاد السنيورة صرح من لندن انه لا داع للتظاهر كون موضوع التعاقد الوظيفي قد تم سحبه من التداول، وان كنا _كما قال _quot; سنصل اليه في النهاية، ولو بعد عشرين سنةquot;.

لكن المعضلة هنا ان المصائب لا تكمن في التعاقد الوظيفي فحسب، بل بالورقة الاصلاحية بشكل عام وهي وان لم تصبح ورقة حكومية بعد لكنها كارثة تنتظر التحول .تنقسم الورقة الاصلاحية الى عدة محاور، في محور التصحيح المالي تقترح الورقة تقليص النفقات والعجز وزيادة الايرادات ...واستنادا الى تجارب سابقة للشعب مع حكوماته فانه عادة ما يتم زيادة الضرائب وتجاهل تقليص النفقات .
اما فيما يتعلق بالورادات فذلك يعني زيادة الضريبة على الفوائد من 5 الى 7 %وزيادة الضريبة على ارباح الشركات.وتأتي زيادة الـ tva من 10 الى 12 % عام 2006 و15% عام 2008 ..وهذه الضرائب ستقع على رؤوس الطبقات الفقيرة .

اما محور السياسة النقدية فيقترح بيع حصص مصرف لبنان في شركة طيران الشرق الاوسط وانترا وكازينو لبنان خلال 3 سنوات ، اضافة الى خصخصة شركتي الخلوي .والغريب في الخصخصة في لبنان ان كل شركة تنهكها ادارتها _والتي تكون عادة تابعة لجهة سياسية ما _ سرقة ونهبا يتم خصخصتها على ان يمتلك هذا quot;السارقquot; الحق بمتابعة مهمته وانما بشكل غير مباشر.
ثم تأتي الاصلاحات الاجتماعية التي من شأنها تحول حياة الاف المرارعين الى جحيم ، اما الاصلاحات الهيكلية فما زالت تدور في دائرة الشعارات الرنانة لمكافحة الفساد . .واخيرا تنبري خطة اصلاح الانظمة التقاعدية التي تنص على جعل المعاش التقاعدي 50 و60 % من أساس الراتب، مع زيادة الاشتراك من 8.5 % والتي كان يدفعها صاحب العمل إلى 17.5 % موزعة بين 12.5 %على صاحب العمل و5 %على العامل.

هذه هي سيداتي سادتي مقتطفات من الورقة الاصلاحية ، بإستثناء طبعا التعاقد الوظيفي الذي يجرد الموظف من اي حصانة او حقوق من المفترض ان يتمتع بها .

ولرفض هذه الاصلاحات المريبة خرجوا الى الشارع ..ولرفض تحرك هؤلاء خرجت قوى 14 شباط طوال الاسبوع الفائت للتجيش الاعلامي ضدهم . وما سبب هذا الانقسام ..هل سمعتم يوما بشعب ينقسم حول رفض فرض ضرائب جديدة. لا بأس هناك دائما المرة الاولى ، ولبنان من ارباب المرات الاولى .

تظاهروا ورفعوا شعاراتهم وهتافاتهم ورحلوا الى منازلهم . البعض اعتبره يوم مفصلي في تاريخ التظاهرات النقابية والبعض اعتبره 8 اذار معدل . لكن هل ستحقق التظاهرة هدفها ، على الارجح انها لن تحقق شيئا . وهل ستحقق قوى 14 شباط هدفها بإقرار هذه الورقة ..على الارجح انها ستقوم بذلك عاجلا ام اجلا او على الاقل ستحصل على تسوية ما بتمرير ما تريد تمريره .فمنطق المال وتقسيم من سيسرق اي قطاع غالبا ما يتم اقراره في لبنان ..ولو بعد حين .

لكن المثير للضحك في كل هذه المعمعة الغبية جدا ..ان الشعب اللبناني انقسم حول ورقة وضعتها حكومته من اجل تجويعه وسرقته .كل هذه الضرائب التي لن يعلم يوما الى اين ستذهب ، ومن المؤكد انها لن تذهب لتسديد الدين العام .. وكل تعبه سيضيع سدى لانه لن يملك حق تعويض نهاية الخدمة ..ورغم كل هذا واكثر انقسم اللبنانيون بين quot;رافض ومؤيدquot; للورقة الاصلاحية .
والانكى من هذا كله ان قوى 14 شباط لوحت بتظاهرة مضادة ..مضادة لماذا ؟

مرة جديدة .. انها المرة الاولى التي قد تخرج فيها مظاهرة لدعم قانون لفرض الضرائب.لكنها وبالمنطق اللبناني لن تكون هكذا ، بل ستكون ردا على quot;تحرك ريف دمشقquot; في بيروت _والتوصيف يعود الى الاغلبية الحاكمة في لبنان.ولتتويج التبعية العمياء نسي بعض من خرج في تظاهرة 10 أيار سبب خروجهم واخذوا يرددون شعارات الولاء لزعمائهم ونسي من قاطع هذه التظاهرة انه حين يتم اقرار هذه الورقة فان الضرائب وسلب الحقوق ستطاله هو أيضا.

تقسيم لن يرصد سوى في لبنان، لان الشغل الشغال للزعماء هو إبتكار شتى الاساليب والتبريرات للحفاظ على مصالحهم ومصالح من يدعمهم سواء ولتحقيق ذلك على الشعب ان ينقسم والا يجتمع ابدا حول مطالب تصب في مصلحته .لنفترض ان تظاهرة العاشر من ايار لم تقتصر على فئات واحزاب لبنانية محددة ..لنفترض ان الشعب برمته خرج وطالب بتحسين اوضاعه المعيشية ..من سيكون الخاسر في هذه المعادلة . ليس الشعب اللبناني طبعا .
ان جميع الزعماء _من دون استثناء _ صناعة غير لبنانية ..اما الشعب والذي من المفترض انه صناعة لبنانية منقاد انقياد الاعمى الى مصيره الاسود .
وكما يقول وزير الصناعة في اعلانه quot;المبتكرquot; .. quot;بتحب لبنان ..حب صناعتهquot;.