quot;ربيع الديمقراطيةquot; أمquot; خريف الغضبquot;
حقا .. لك الله يا أرض الكنانة

أحمدعبدالمنعم : في وقت يموج فيه الشارع المصري بتيارات سياسية معارضة رفعت من حدة صوتها خلال الاسبوع الفائت رافضة الاستسلام للأمر الواقع الذي يحاول النظام المصري فرضه علي الجميع جاء الاعلان عن الزيارة السرية التي قام بها جمال مبارك - نجل الرئيس المصري والمرشح لخلافة والده- الي البيت الابيض لتكون بمثابة الطعنة الغادرة في ظهر المراهنين علي الادارة الأميركية باعتبارها طوق النجاة للخلاص من نظام ظل جاثماً علي صدور المصريين ربع قرن من الزمان.

حقاً كانت طعنة غادرة لكل من آمنوا بمبادرة الشرق الأوسط الكبير واعتبروا الولايات المتحدة المخلص القادم من السماء للقضاء علي الظلم ونشر العدل ..حقاً كانت صفعة على وجه كل من قال ان الادارة الاميركية لن تقبل بالتوريث وانتقال الحكم في أكبر دولة عربية من مبارك الأب الي مبارك الابن.. فالديمقراطية التي تتشدق بها القوة العظمى الوحيدة في العالم لا تعنيها من قريب أو بعيد.. والحرية التي جعلت منها ستاراً لشن حروب ظالمة ليست سوى شعاراً كاذباً ومخدراً لشعوب مسكينة تعاني ظلم حكامها.

كان مشهداً مروعاً ذلك الذي شهده وسط القاهرة صباح الخميس الفائت ولا يكفي وصفه laquo;بالخميس الاسودraquo; كما أطلقت عليه الصحف المصرية. آلاف الجنود يتراصون كالبنيان في شارعي رمسيس وعبد الخالق ثروت منذ بزوغ فجر هذا اليوم الحزين.

فهو اليوم المحدد لاستكمال الجلسة التأديبية للمستشارين هشام البسطويسي ومحمد مكي.. مئات الاشخاص قدموا من كل حدب وصوب لمناصرتهم وهم يرددون هتافاً واحداً laquo;شدوا حيلكوا يا قضاه.. خلصونا من الطغاةraquo;.. اختلط العامل بالمثقف واجتمع اليسار مع اليمين.. حركة كفاية والاخوان المسلمين.. جميعهم رددوا هذا الهتاف ليدوي في سماء وسط القاهرة قبل انطلاق الجلسة التأديبية. لم يحتمل الطغاة وقفة المصريين مع القضاة فجاءت الأوامر واضحة وصريحة.. اضربوا بيد من حديد كل من أتي ليساند القضاة. دقائق معدودة وتحولت الشوارع الى ساحة نزال بين المتظاهرين وقوات الشرطة. اعتداءات بالأيدي وركل بالأرجل وquot;سحلquot; على الارض وقبل كل ذلك شتائم للأب والأم.. واخيراً الاعتقال .250متظاهرا ألقي القبض عليهم وأودعوا غياهب السجون لا لشيء سوى انهم رفضوا الاستلام لنظام فشل في توفير الحد الأدنى من الحياة الطبيعية لشعب حرم منها لعقود طويلة.

نظام لا يرى حلاً لمشاكله سوى القمع وسياسة العصا الغليظة. أمطرنا بكلمات معسولة ووعود براقة ..تحدث عن ربيع الديمقراطية ثم فاجأنا بخريف الغضب. بلى لم تكن مفاجأة بالنسبة للكثيرين هذه الدرجة من التهور التي تعاملت بها قوات الشرطة مع المتظاهرين. فهم في النيابة مجرد أدوات في يد النظام.. تهدأ بهدوئه.. وتتهور بتهوره.. وهو بالتأكيد يعيش حالياً اقصي لحظات التهور !!

المثير للدهشة حقاً كان رد الفعل الاميركي السريع علي أحداث laquo;الخميس الاسودraquo; والذي اعلن عنه المتحدث باسم الخارجية مساء اليوم نفسه.. كانت كلمات الادانة واضحة وصريحة وجاءت عبارات الانتقاد جلية فانشرحت لها قلوب البعض. فالادارة الاميركية ستضغط علي الحكومة المصرية حتي لا يتكرر هذا المشهد المأساوي ثانية. لم يستمر هذا التفاؤل طويلاً.. ساعات قليلة وكان جمال مبارك في البيت الابيض ليتلقي كبار المسؤولين الأميركيين!

بهذا اللقاء أخرجت الادارة الاميركية لسانها لتيارات المعارضة في مصر وأعلنت بطريقة غير مباشرة أنها لا تعارض التوريث طالما اتى لها بمزيد من التنازلات.. فمصر مائدة تداعى عليها الأكلة.. الكل يسعي لالتهام النصيب الأكبر غير عابىء بشعب مسكين وأمة مطحونة.. حقاً.. لك الله يا ارض الكنانة!!