ربيع ديركي : بات من المعروف أن نظام الحكم في لبنان هو نظام طائفي يعمل على ترسيخ الطائفية في المجتمع وبث ثقافتها، ومعروفأيضا أن مفهوم الانتماء في لبنان هو الانتماء الى الطائفة وليس الى الوطن، وأن الصراع الاجتماعي فيه ، نتيجة للنظام السياسي ndash; الطائفي ، يظهر بشكل صراع طائفي . هذا ما كنت قد عرفته مسبقاولكن تبين لي أن معرفتي قديمة ومتخلفة عن ركب quot;التطورquot; وquot;التقدمquot; المحصورة في البنية الفوقية للمجتمع لا علاقة لها بأرض الواقع وبالحراك الحاصل عليها . كيف توصلت الى هذا الاستنتاج الذي وعلى ما يبدو تأخرت كثيرا بمعرفته .
توصلت الى ما توصلت اليه من خلال واقع أن الشركات والمؤسسات في لبنان قد تجاوزت الطائفية بأشواط وأشواط ، تجاوزتها نحو المذهبية ... نعم المذهبية. فمثلا ، والمثال حقيقي ، اذا أراد أي شاب او شابة التقدم الى عمل يجب معرفة أولا ، ليس طائفة رب العمل ، بل أيضا مذهبه. وذلك لمعرفة ما اذا كان بالامكان التقدم الى العمل أم لا . ففي جولة من جولاتي ، التي بيدو أنها لن تنتهي ، على الشركات والمؤسسات بهدف الحصول على عمل ، قصدتشركة عريقة ورائدة ومعروفة.
ذهبت الى مركزها الرئيسي ، بكل ثقة ، بناء على ورقة ملصقة على باب أحد فروعها في وسط بيروت فكان أن قابلت ، في المركز الرئيسي ، مسؤولة شؤون الموظفين وأخبرتها عن الملصق ، فما كان منها الا أن أعطتني طلب التوظيف ، وهنا كانت المفاجأة فمن ضمن المعلومات التي يجب الاقرار بها ضرورة تحديد ليس الدين وحسب ، بل أيضا ضرورة تحديد المذهب ، أي بالعامية quot; شو مذهبك quot;،تخيلوا ، يحفظكم ويرعاكم الله ، شركة تطلب موظفين ولكن مقياسها لاختيار وقبول الموظفين ليس الكفاءة بل المذهب .
توقفت عند السؤال لأبدأ صراعا مع نفسي، هل اجيب عليه مستندا الى قناعاتي الرافضة للطائفية والمذهبية ، قناعاتي القائمة على أن الانسان قيمة بحد ذاته وأن مقياس قبول الموظف محصور بالكفاءة فقط ، أم أكتب جوابا ينسجم ومذهبية شركة الجمال والعناية به . هنا كان الصراع الذي لا هوادة فيه ، ولكنه صراع غير متكافئ ، صراع بين طالب للعمل لا يملك سوى القابع فوق كتفيه الرافض لأي انتماء طائفي أو مذهبي ، وعارض للعمل شرطه ضرورة الانتماء الى مذهب قبل كل شيء.
أنه الصراع بين أن يبقى المرء عاطلا عن العمل يحارب العوز والفقر لا لشيء سوى لانه يؤمن بالانسان وأن الوطن للجميع ، وبين أن يقبل بذل الانتماء الى الطائفية والمذهبية للحصول على عمل .
فعن أي وطن نتحدث وعن أي فرص عمل نبحث ، وأي مستقبل ينتظرنا . نتحدث عن حيتان الطوائف والمال القابعين في قبحهم الطائفي والمذهبي ، نتحدث عن شركات ومؤسسات لا تقل قبحا ولا تقل ظلامية عن النظام السياسي ndash; الطائفي الذي ننعم بالعيش في ظله .
بالأمس القريب صدقنا أننا كلنا للوطن وسررنا بترداد النشيد الوطني بحناجر واضحة واعدة فاستبشرنا خيرا ، أما اليوم فكلنا للمذاهب علينا ترديدها quot; الصبح والضهر وعشية quot; كي نعيش على أمل الحصول على وظيفة بمرتب شهري يؤمن تجديد قوة العمل فقط لا غير ، وظيفة تفرض على الانسان أن يتخلى عن انسانيته لصالح المذهبية والا مصيره أن يخسر شبابه ويضيع عمره بحثا عن عمل . ولكن وأيا تكن النتائج سوف نبقى نردد كلنا للوطن ضد أمراء الطوائف والمذاهب ، ضد شركات ومؤسسات قابعة في قبحها الطائفي والمذهبي . كلنا للوطن...
التعليقات