ربيع ديركي : يتميز لبنان بطبيعته الرائعة ومناظره الخلابة، جبال وبحر، سهول ووديان اضافة الى تعاقب الفصول الأربعة والفاكهة اللذيذة ... وكرم الضيافة . انه واحة سياحية في المنطقة تجذب المصطافين اليه وخاصة العرب منهم حيث يجدون فيه، اضافة الى طبيعته الرائعة، امكانية التكلم باللغة العربية.. وما تتضمنه هذه الامكانية من مفاتن . والدولة في لبنان تولي قطاع السياحة اهتماما كبيرا وتعمل على التحضير لموسم الاصطياف لتأمين جميع متطلباته، لأن قطاع السياحة، بحسب المعجزة الأقتصادية ، ركن الإقتصاد في لبنان ، أما القطاعات الأخرى، باستثناء القطاع المصرفي، فلا ضرورة لها ولا ضرورة لإضاعة الوقت والجهد في الإهتمام بها .
ولكن موسم الإصطياف هذا العام تعكرت صفوته باطلاق صواريخ مجهولة الهوية من لبنان على فلسطين المحتلة ونتج عنها قصف متبادل بين المقاومة الاسلامية في لبنان وجيش الاحتلال الاسرائيلي ووصل الى حد تهديد اسرائيلي للبنان بتدمير بنيته التحتية اذا تكرر قصف الصواريخ من أراضيه على فلسطين المحتلة . مما استدعى تحرك جميع الأطراف اللبنانية وتناقضت مواقفها ، فلرئاسة الجمهورية موقف ولرئاسة الوزراء موقف آخر ، وبينهما مواقف متناقضة للأحزاب السياسية بين مؤيدة ورافضة . في ظل quot;خبريةquot; المواقف المتناقضة تقدم لبنان بشكوى الى الأمم المتحدة وتقدمت ، أيضا ، الدولة المحتلة بشكوى مماثلة الى الأمم المتحدة ، فما كان من صندوق الشكاوى/الأمم المتحدة ، الذي يتساوى فيه المحتل والمحتلة أرضه ، الا أن طالعنا بموقفه الذي بتنا نحفظه عن ظهر قلب : على الطرفين التحلي بأقصى درجات ضبط النفس . وكالعادة شكلت لجنة تحقيق لمعرفة مصدر وهوية الصواريخ المجهولة وما زال التحقيق مستمرا ، ولكن تم التوصل الى هدنة بين الطرفين .
وبما أن موسم الاصطياف من الأمور المقدسة في لبنان ويجب المحافظة عليه، تدخل على خط المواقف من اطلاق الصواريخ المجهولة بعض رجال الدين عبر التأكيد على ضرورة احترام الجميع للقوانين وأنه من غير المسموح اطلاق الصواريخ عبر الحدود على اسرائيل في ظرف دقيق جدا يمر به لبنان ، لأن هذه الصواريخ تتجه الى لقمة الفقير الذي ينتظر موسم الصيف ، والى أصحاب المطاعم وسائقي سيارات الأجرة والى أصحاب الفنادق والبيوت في المصايف اللبنانية اضافة الى الأسواق اللبنانية التي تنتعش في موسم الصيف والتي ينتظرها اللبنانيون دائما بفارغ الصبر . والموقف هذا لا يختلف عن مواقف معظم رجال السياسة في لبنان .
من المؤكد انه لايجوز لأي شخص كان عدم احترام القوانين وعليه التقيد بها في أي موقع كان . ولكن اذا ربطنا اطلاق الصواريخ باتجاهها نحو الفقراء بموسم الصيف الذي ينتظرونه بفارغ الصبر ، كما مر معنا أعلاه ، يمكن استنتاج انه يجوز اطلاق الصواريخ ، سواء كانت مجهولة أو غير مجهولة ، في غير موسم الاصطياف ، وبالتالي على من أطلقها أخذ عطلته السنوية بموسم الأصطياف ليستمتع بها من جهة ، وليسمح ، من جهة ثانية ، للمصطافين بالاستمتاع باجازتهم واستفادة الفقراء من موسم الصيف . وبعد انتهاء الموسم وعودة المصطافين الى بلادهم تنتهي اجازة مطلق الصواريخ ويعود الى عمله . خاصة وأن الفقراء يحصدون أرباحا طائلة من موسم الاصطياف الى حد اصابتهم بالتخمة التي تمنحهم اكتفاء ذاتيا يخولهم البقاء بدون عمل الى أن يبدأ موسم الصيف المقبل .
هذا بالنسبة للفقراء ؛ أما بالنسبة للمصطافين فانهم في فترة وجودهم في لبنان يستمتعون بعد quot; الجور quot; وهم في طريقهم الى عكار، مثلا ، ويستمتعون فيها بالاجواء الرومانسية على ضوء الشموع بانتظار أن تزورهم الكهرباء لساعات معدودة مقننة كل 24 ساعة ، يستمتعون بالمنظر الخلاب لصهاريج المياه ، وبعد الإنتهاء من فترة الاستجمام في عكار يتوجهون الى البقاع حيث يذهلهم مدى اهتمام الدولة المتزايد ، عاما بعد عام ، بقلعة بعلبك ، مثلا ، وتنمية المدينة وتنمية ، أيضا ، الهرمل وعرسال وبقية المناطق البقاعية ، ورومانسية السهر على ضوء الشموع والإحتفال بالطلة البهية للكهرباء بعد طول غياب لا تفارقهم ، أيضا في البقاع ؛ وبانتهاء الاستجمام البقاعي يتوجه المصطافون الى الجنوب حيث يندهشون بمدى اهتمام الدولة بالمناطق المحررة والتعويض على سكانها عن سنوات الاحتلال والحرمان وتأمين فرص العمل ...الخ .
وعليه ، لماذا لا نفكر بتطوير موسم الاصطياف عبر دعوة جميع المصطافين للقيام بسياحة سياسية في لبنان حيث يمكنهم مشاهدة الفدرالية الطائفية في نظام غير فدرالي. كيف ؟! . بسيطة يمكنكم أيها المصطافون مشاهدة دولة حزب ممتدة من الجنوب الى البقاع الى الضاحية الجنوبية لبيروت تشاركه فيها حركة سياسية من طائفته والمسؤليات مقسمة بينهما للحزب الأمن والمقاومة وولحركة الاعمار والتنمية ، ولهذه الدولة قوانينها الخاصة بها ، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يتم نصح أصحاب المقاهي والمطاعم بعدم تقديم المشروبات الروحية ، نصيحة فقط لاغير ، quot; واللبيب من الاشارة يفهم quot; . بعد الانتهاء من الجولة السياحية السياسية هذه يمكن للمصطافين القيام بالجولة نفسها على مناطق/ دول أخرى فيشاهدون فيها ، مثلا ، مظاهر الأمن الذاتي لكل زعيم سياسي في منطقته / دولته . وأحد القواسم المشتركة بين الدول quot; عريضة quot; ولكنها ليست واحدة ففي الدولة الأولى هناك لجان شعبية مهمتها توقيع عرائض مؤيدة لبقاء رئيس الجمهورية في منصبه وفي الدولة الثانية هناك حملة quot; فل quot; مهمتها ، أيضا ، توقيع عرائض ولكنها عرائض غير مؤيدة لبقاء رئيس الجمهورية في منصبه . وبين الدول المتعددة ضمن الدولة اللبنانية هناك دولة غير لبنانية على أراض لبنانية يرى قادتها أن طريق تحرير القدس يبدأ من تلال الناعمة والسلطان يعقوب . والقيام بهكذا سياحة سياسية ليس متعذرا حيث يمكن quot; برم quot; لبنان من شماله الى جنوبه بـ 24 ساعة .أيها المصطافون quot; عن جد quot; ان قمتم بسياحة سياسية في لبنان سوف تشاهدون ما لا يمكن أن تشاهدوه في أي بلد من بلاد العالم جربوها .
التعليقات