يدفعون الثمن مضاعفاً ويزداد عددهم يومياً
الأشخاص المعوقون: أسنبقى هكذا... مهمشين؟

تصوير عماد الدين رائف - خاص إيلاف

عماد الدين رائف : تمر المناطق المنكوبة من لبنان بفرصة تاريخية لإعادة بنائها وفق معايير هندسية تحفظ للأشخاص المعوقين كرامتهم وحرية حركتهم. لم يحظ الأشخاص المعوقون في لبنان، وهم يشكلون 10 بالمئة من عدد السكان، ببيئة مجهزة على الرغم من أن الدستور اللبناني حفظ لهم هذا الحق، وأتى القانون 220/2000 ليؤكد على ذلك. لكن هذا القانون لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ وقد مرعلى إقراره أكثر من ستة أعوام. إن إعادة بناء 15000 وحدة سكنية دمرت بشكل كامل، وحوالي 26000 وحدة سكنية متضررة بشكل جزئي، وكذلك أكثر من 200 ألف وحدة عمل منتجة بين مصنع كبير ودكان صغير، وكذلك عدد كبير من المدارس والمرافق العامة ودور العبادة...

لا بد له أن يأخذ في الحسبان المعايير الهندسية التي تتلاءم وجميع أصحاب الإعاقات؛ مما يضمن مشاركة الأشخاص المعوقين في كل ما يعنيهم انطلاقا من المنزل وتأثيثه إلى المدرسة إلى الدائرة الرسمية إلى مكان العمل.

البعد المفقود

ليس ببالغ الأهمية إن كان السبب في التهجير والتدمير في القرى والمدن هو العدوان الإسرائيلي أو كارثة طبيعية كزلزال مدمر أو تسونامي، المهم أن تكون البيئة التي تستقبل النازحين متلائمة وكافة الاحتياجات. ولما كانت الحكومات قد تناست وتجاهلت تجهيز المرافق العامة والمدارس حتى بعد إقرار القانون 220/2000 لذلك، فقد أتت النتيجة كارثية، أقل ما يقال.

تزيد معاناة الأشخاص المعوقين عن معاناة غيرهم في مراكز النزوح غير المجهزة في العاصمة والمناطق التي استقبلتهم، وذلك بفضل العوائق التي وضعتها في سبيلهم السياسات المتجاهلة لحقوقهم. إذ انه كان على المعوقين حركياً أن يبقوا محتجزين في غرف المدارس، تحول بينهم وبين الشارع عوائق من أدراج وحافات وعوارض معدنية للبوابات. وللقارئ أن يتخيل مدى معاناة النازح المعوق في الوصول إلى غرفته ومن طلبه من هذا وذاك أن يمدوا له يد المساعدة ليحملوه من الغرفة وإليها. quot;إن أي حافة ترتفع عن الأرض أكثر من 3 سم تشكل عائقاً وبعداً لا يمكن تجاوزه، إننا نعيش ضمن بعدين اثنين الطول والعرض، أما الارتفاع فهو مفقود بالنسبة إليناquot;، كما يقول فادي (لديه شلل رباعي). ناهيك عن كيفية الوصول إلى المرحاض أو الحمام غير المجهز وكيفية الدخول إليه. أمثلة كثيرة لا يمكن حصرها عن آلام إضافية لهذه الفئة من الناس تسبب بها عدم تحمل الحكومة لمسؤولياتها، وما زالت تصر على تهميشهم رغم أن الحرب الأخيرة زادت عددهم بشكل كبير، وكذلك الألغام والقذائف الموقتة مازالت تسهم بذلك يومياً.

quot;أسنبقى هكذا؟quot;

اضطر وليد (لديه بتر في الرجلين معاً تحت الركبة) أن ينزل حَملاً من الطابق الثالث في ثانوية رينيه معوض (رمل الظريف) إلى الطابق الأرضي وأن ينام مع أسرته في العراء في ملعب الثانوية بسبب عدم قدرته على استعمال حمام الطابق المذكور، وكذلك بسبب عدم تقبل النازحين الآخرين له في الغرفة كونه معوقاً. أما الطفل عبد (10 سنوات، تشنج عام وشلل رباعي) فقد أصيب بتقرحات حادة نتيجة عدم توفر المياه في المدرسة ليستطيع أهله استعمال فرشة ماء توزع ضغط الجسم على نقاط متعددة، وتقلل بالتالي من تمركز الضغط على نقاط التقرح، وكذلك لم يغادر غرفته طوال فترة النزوح حتى بعد تأمين كرسي متحرك له، إذ إن الأدراج تحول بينه وبين أن يرى الشمس.

تصوير عماد الدين رائف -خاص إيلاف
أما الحاجة نصر الله (كسر في الورك نتيجة إصابة، وخضوع لعملية) فقد كانت تنتظر في كل مرة يحين موعد مراجعة الطبيب أن ينقلها شباب النجدة الشعبية محمولة في سيارة إسعاف إلى مستشفى بيروت الحكومي، التي لم تستقبلها لتؤمن لها سريراً على الرغم من تدخل اتحاد المقعدين اللبنانيين وطلبه أكثر من مرة من د. وزان رئيس المستشفى المذكور.

في حديقة الصنائع كان محمد المولى (38 عاماًن لديه بتر وربو مزمن)، وهو أب لثلاثة أطفال، كان يضطر أن يسير بعكازيه إلى الحمام مسافة 70 متراً، وكان يصب بضيق تنفس حاد استدعى نقله إلى طوارئ مستشفى الجامعة الأمريكية مرتين.

أما أصحاب الإعاقات الذهنية فقد عوملوا وعومل ذويهم بشكل غير لائق نتيجة جهل المجتمع بطبيعة الإعاقة، ذلك على الرغم من أن القواعد المعيارية وضعت على عاتق الحكومات والدول عملية توعية المجتمع تجاه الإعاقة فيما كانت حكوماتنا تلتهي بمناوشات سياسية ومناكفات ما أنزل الله بها من سلطان. ومن ذلك، فتاة لديها تثلث صبغية 21 (داون سيندروم)، كانت قد تركت بدون استحمام في متوسطة القماطية الرسمية لمدة 21 يوماً، ولا أدري إن كان قد قدر لها الاستحمام بعد معاينتي لها، لكنها لم تغادر غرفتها طوال مدة النزوح. ومن صور غياب الوعي لدى الأهل وبعض المؤسسات التي استقبلت النازحين حالة في إحدى مهنيات صيدا، وهي فتاة في التاسعة من عمرها لديها إعاقة ذهنية ربطها أهلها إلى باب الحمام بسلسلة معدنية ذات قفل حديدي، حاولنا أن نتحدث إلى الأهل والقيمين على المدرسة معاً، فهدد الهل بترك المدرسة وعدم السماح لبرنامج الإغاثة بتقديم مساعدات إلى الطفلة، ووضع اللوم على الجهة السياسية القيمة على المدرسة، فما كان من القيمين على المدرسة إلا الطلب إلينا بالمغادرة وعدم تحريك ساكن تجاه تعاملهم الوحشي مع هذه الطفلة.

وكذلك بسبب عدم توفر سيارات إسعاف، وفي ظل غياب تام للهيئة العليا للإغاثة ووزارة الشؤون الاجتماعية طوال الأزمة، وصل شاب لديه تشنج عام، وشلل دماغي إلى مبنى بلدية صيدا، بعد ثلاثة أيام من انطلاقه من بلدته عيترون في صندوق سيارة أخيه، وكان في حالة يرثى لها بدون طعام وغارق في الأقذار، ولولا أن أعلم شباب الدفاع المدني، الذين لم يجرؤوا على الاقتراب منه، المتطوعة دلال مروة (برنامج الإغاثة) بحاله مما استدعى نقله وتأمين سرير له في دار السلام في المدينة لكان فارق الحياة على حاله.

كل ذلك كان يمكن تفاديه، وأكثر منه وأفظع لو كانت البنى التحتية والمرافق العامة والمدارس مجهزة تجهيزاً هندسياً يتلاءم وحاجات الأشخاص المعوقين، وبالتالي لو كانت كل فئات الشعب تحظى بأدنى مقومات العيش والتحرك والاستمرارية. دورنا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن نرفع الصوت لنطالب بحق المعوقين الطبيعي كمواطنين ببيئة مجهزة تخلو من أي عائق يحبسهم في المنزل أو ضمن جدران مؤسسات رعوية. لنحتفل معاً بالتنوع وبالدمج التام في المجتمع.

إعادة الإعمار

مرت على لبنان حروب مدمرة، منها الحرب الأهلية التي طالت كل الأراضي اللبنانية، وكذلك عدوان 1993 وعدوان 1996، من قبل آلة التدمير الإسرائيلية... لكن الأشخاص المعوقين الذين عانوا من ويلات هذه الحروب وكان يزداد عددهم باضطراد لم يحظوا ببيئة مجهزة. ألم يحن الوقت بعد لذلك؟ وقد حظيت الحكومات المتعاقبة بوقت طويل للعمل على التوعية وفق ما كان مطلوبا منها من خلال ما يعرف بـ quot;القواعد المعيارية بشأن تحقيق تكافؤ الفرص للأشخاص المعوقينquot;، وكذلك بوقت أطول للعمل على تجهيز أو تكييف المدن والقرى بما يتلاءم وحاجات جميع أصحاب الإعاقات، لكنها للأسف لم تقم بمبادرات فعلية لتحقيق ذلك. فيما تقوم القوى السياسية الآن بالخوض في مناكفات سياسية ما أنزل الله بها من سلطان متناسية أن عدد الجرحى جراء الحرب الأخيرة زاد عن 4500 شخصاً يحتمل أن يكون حوالي 20 بالمئة منهم من ذوي الإعاقات.

تصل الأخبار اليوم عن مساعدات قادمة لإعادة بناء لبنان من الأشقاء العرب وغيرهم، وكذلك تصل أخبار عن تبني بعض الدول العربية لإعادة بناء مدن وقرى بعينها، أليس المطلوب أن يوضع المعوقون على أعلى سلم أولويات إعادة الإعمار؟ أم على الأشخاص المعوقين الذين يزداد عددهم يومياً بشكل مضطرد بسبب القنابل العنقودية والموقوتة والصواريخ غير المنفجرة أن يدفعوا الثمن مضاعفاً وأن يبقوا الحلقة الأضعف في وطن تكثر فيه الحلقات الضعيفة.

[email protected]