في عالم السياسة، يستخدم العديد من الأنظمة أدوات للحفاظ على قوتها وبقاءها قد تكون ضارة بمصالح شعوبها. النظام الحاكم في إيران هو أحد هذه الأنظمة، الذي بالرغم من معاناته من مشاكل داخلية كبيرة، لا يزال يصر على توسيع نفوذه في المنطقة. مرشد النظام، علي خامنئي، يعتمد بشكل خاص على سياسة التوسع والعدوان في دول الجوار، حيث يسعى من خلالها للحفاظ على نظامه عبر الفوضى والحروب، مما يساعده في منع أي انتفاضة شعبية ضد النظام.

التوسع العدواني لخامنئي
منذ بداية حكم الملالي في إيران وبعد الثورة الإسلامية عام 1979، كان خميني وخليفته خامنئي يؤكدان دائمًا على أهمية التوسع الإيراني في المنطقة. هذه السياسة التوسعية، التي أثرت بشكل كبير على العديد من دول الجوار الإيراني، ازدادت وتيرتها في السنوات الأخيرة، حيث تدخلت إيران بشكل مباشر في الحروب والأزمات في سوريا، العراق، واليمن.

كان خامنئي يولي اهتمامًا خاصًا بسوريا، باعتبارها حليفًا رئيسيًا للنظام الإيراني في المنطقة، وكان يسعى جاهدًا للحفاظ على هذا البلد ضمن دائرة نفوذه من خلال الدعم العسكري والمالي. ولكن بالرغم من هذا الدعم، فإن الهزائم التي لحقت بإيران في سوريا، خاصة سقوط نظام بشار الأسد، كانت ضربة قوية لاستراتيجيات خامنئي.

المؤامرات والتخطيطات بعد الهزائم
مع ذلك، لم يتوقف خامنئي وأجهزته العسكرية عن مؤامراتهم في سوريا. تصريحات بعض قادة الحرس الثوري الإيراني، مثل بهروز إثباتي، مسؤول مقر الفضاء الإلكتروني في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة وأحد القادة العسكريين الإيرانيين في سوريا، تشير إلى أن إيران لا تزال تسعى للحفاظ على نفوذها في سوريا، بل وتواصل التخطيط والتآمر لمواجهة التغيرات السياسية في سوريا وإعادة بناء شبكة المقاومة.

قال بهروز إثباتي في تصريحاته الأخيرة: "نحن حزينون، لكن الآن المقاومة الصحيحة وليس المقاومة الناقصة لحزب البعث، المقاومة الولائية، قد وجدت إمكانية الوجود في سوريا. انتبهوا لهذه المسألة. الآن يمكننا تفعيل شبكات المقاومة التي كانت لدينا علاقة بها في هذه السنوات. يمكننا العمل مع الطبقات الاجتماعية التي عاش فيها الشباب في الفضاء الإلكتروني. بدأنا بتشكيل خلايا المقاومة".

الحرب والفوضى كأداة لمنع انتفاضة الشعب الإيراني
خامنئي قد قال مرارًا وتكرارًا إنه إذا لم نقاتل في سوريا ولبنان والعراق وبقية دول المنطقة، سنضطر للقتال في مدن إيران مثل طهران وأصفهان. في الواقع، خامنئي والنظام الحاكم في إيران لا يعتمدان فقط على التوسع في الخارج، بل يستخدمان الحروب والفوضى كأداة لمنع انتفاضة الشعب الإيراني وتحويل الانتباه عن المشاكل الداخلية. الأزمات في المنطقة، وخاصة في سوريا، تمنح النظام الإيراني فرصة لتوجيه الأنظار إلى التهديدات الخارجية، مما يبعد الشعب الإيراني عن التركيز على الأزمات الاقتصادية والاجتماعية داخل البلاد.

إنَّ النظام الإيراني يعتمد على هذه الظروف لخلق حالة من الإحباط واليأس بين الشعب الإيراني، مما يعوق أي تحرك جاد ضد الحكومة. خامنئي وأجهزة النظام العسكرية يعلمون جيدًا أنه طالما يمكنهم الحفاظ على الفوضى والصراعات في المنطقة، فإنهم يستطيعون استخدام هذه الظروف كأداة لتعزيز شرعية النظام والحفاظ على سلطته.

التصريحات الأخيرة في الإعلام والتحليلات
تشير التقارير والتحليلات من مختلف وسائل الإعلام الإيرانية مثل صحيفة "هم‌میهن" الحكومية و"جمهوري" إلى أن النظام الإيراني، رغم الهزائم الأخيرة في سوريا وفقدان نفوذه المباشر في بعض المناطق، لا يزال يسعى للحفاظ على وجوده العسكري والسياسي في المنطقة. في مقال نشرته صحيفة "هم‌میهن"، تم التأكيد على أن إيران قد خسرت السيطرة الكاملة على سوريا وأن حزب الله، أحد أبرز أذرعها الإقليمية، يعاني من تراجع شديد في قوته العسكرية ونفوذه. ومع ذلك، واصل النظام الإيراني تكثيف جهوده في المنطقة عبر إعادة تموضع قواته وتعزيز وجوده في العراق ولبنان.

في هذا السياق، كتب المحلل السياسي كوروش أحمدي في صحيفة "شرق" أن سقوط حكومة بشار الأسد يشكل خطرًا كبيرًا على استراتيجية إيران في المنطقة. أحمدي أشار إلى أن التغيرات السياسية في سوريا قد تؤدي إلى إعادة تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط، بما في ذلك تحديات جديدة لنفوذ إيران. وأضاف أحمدي أنه رغم محاولات إيران لتعديل الوضع لصالحها، إلا أن الحكام الجدد في سوريا يبدو أنهم يسعون نحو سياسة أكثر انفتاحًا وحيادية، بعيدًا عن الاصطفافات التي ربطت سوريا بإيران وحزب الله.

بالرغم من هذه التحديات، تستمر إيران في مساعيها للتمسك بتأثيرها في سوريا. في تقرير نشرته صحيفة "جمهوري"، تم الإشارة إلى أن النظام الإيراني يسعى لتحقيق أقصى قدر من النفوذ على الأقل في العراق، الذي يُعتبر آخر معقل استراتيجي له في المنطقة. يعتقد المسؤولون الإيرانيون أن الأزمة السورية إذا امتدت إلى العراق، فإن استراتيجية إيران الأمنية التي استمرت لأربعة عقود ستكون في خطر وجودي.

الخلاصة
طالما خامنئي حي، فإن النظام الإيراني سيواصل سياسته التوسعية في المنطقة، وهي سياسة لا تقتصر على الحفاظ على النفوذ فحسب، بل هي أيضًا أداة أساسية لبقاء النظام نفسه. في مواجهة الضغوط الداخلية والمظاهرات الشعبية التي تطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية، يستخدم النظام الحاكم في إيران الأزمات الإقليمية والفوضى المستمرة كأداة لتشتيت انتباه الشعب الإيراني عن القضايا الداخلية وتوجيه الغضب الشعبي نحو "التهديدات الخارجية". الحروب والنزاعات في المنطقة، وخاصة في سوريا والعراق، تمنح النظام الإيراني فرصة لتحفيز مشاعر الوطنية وزيادة التضامن الداخلي، وبالتالي تأجيل أي حركة احتجاجية ضد الحكومة.

المؤامرات والمخططات التي لا تزال مستمرة في سوريا والعراق، والتدخلات الإيرانية المتواصلة في لبنان واليمن، تشير بوضوح إلى أن النظام الإيراني يسعى لاستغلال هذه الأوضاع للبقاء في السلطة. كما أن خامنئي لا يخفى عليه أن استمراره في الحكم يعتمد بشكل أساسي على استمرار الفوضى والحروب في المنطقة. إذا توقفت هذه الحروب أو إذا تغيرت معادلات القوى الإقليمية لصالح الأطراف المعارضة لإيران، فإن هذا يعني بشكل مباشر تهديدًا كبيرًا لبقاء النظام الملالي في إيران.