وقع في يدي أو هاتفي المحمول كتاب من تأليف يحيى السنوار بعنوان "الشوك والقرنفل"، وهو قصة حياته التي تجمع بين شخصيات واقعية وأخرى خيالية، فيما تبدو معظم أحداثها حقيقية.
يقع الكتاب في 342 صفحة، وكتبه السنوار أثناء وجوده في السجن الإسرائيلي، وتم تهريبه من السجن عام 2004.
لا أؤيد شخصياً معظم أفعال حماس، ومؤمن تماماً بأن منظمة حماس والجهاد الإسلامي واليهود المتطرفين في إسرائيل هم السبب في عدم التوصل إلى حل سلمي لمشكلة فلسطين المستعصية.
ورغم رفضي لحماس وسياستها، إلا أنني حزنت لمقتل السنوار، الذي لقي مصرعه برصاصة طائشة من جندي إسرائيلي بعد أن استمر في القتال من داخل غزة ضد الجبروت الإسرائيلي لمدة عام كامل دون استسلام. وفي نفس الوقت، يجب أن أقول إن السنوار، وغيره من قادة حماس ومعهم بنيامين نتنياهو، يحملون دم ضحايا تلك الحرب العبثية والبشعة التي بدأتها حماس بهجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، والذي راح ضحيته عشرات الآلاف، علاوة على التدمير الذي طال معظم مرافق ومباني غزة.
من هو يحيى السنوار؟
ولد في خان يونس بغزة عام 1962، وتخرج من الجامعة الإسلامية في غزة متخصصاً في اللغة العربية. فور تخرجه، عمل في المقاومة مع حماس وكان يرأس جهازاً يسمى "مجد"، هدفه القضاء على عملاء المخابرات الإسرائيلية في غزة.
تم القبض عليه عام 1988 وحُكم عليه بالسجن المؤبد، وتم الإفراج عنه عام 2011 في صفقة تبادل الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط مع ألف من الأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل.
ويُعتقد أنه كان العقل المدبر والمنفذ للهجوم الذي قامت به حماس يوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
بطل رواية "الشوك والقرنفل" هو إبراهيم، وهو اسم والد يحيى السنوار واسم ابنه أيضاً. والبطل دخل الجامعة الإسلامية وكان يعيش في مخيم الشاطيء في غزة.
وقد لاحظت الاتي من قراءتي للكتاب:
أولاً: وصف الحياة الكئيبة داخل مخيمات اللاجئين في غزة، ورغم ذلك اعتاد الناس على تلك الحياة، فتراهم يعملون ويتزوجون وينجبون أطفالاً بكثرة، ويفرحون ويحزنون مثل أي شعب آخر.
ثانياً: تعلمت (ولمست هذا بنفسي عندما عملت في غزة بين عامي 1994 و1995) أنَّ قسوة الحياة في المخيمات وبشاعتها تدفع الشباب إلى عمل أي شيء، إذ ليس لديهم ما يخسرونه.
ثالثاً: تعلمت من الكتاب كيف استطاعت حماس بالتدريج الدخول في قاع المجتمع والجامعات والنقابات والسيطرة عليها، واستغلت سوء الأحوال المعيشية من جهة وتدين الناس الفطري الطبيعي، وخاصة المعدمين منهم.
رابعاً: تعلمت عن الشرخ الذي حدث بين منظمة فتح وغيرها من المنظمات المدنية وبين منظمة حماس وغيرها من المنظمات التي ترفع شعار الدين، لدرجة أن السنوار وصف في كتابه هذا الانشقاق الذي وصل إلى الصراع المسلح حتى داخل معتقل النقب الإسرائيلي بين معتقلي حماس ومعتقلي فتح.
خامساً: فوجئت أنَّ هناك أعداداً كبيرة من العملاء والجواسيس داخل المجتمع الفلسطيني، لدرجة أنَّ حماس شكلت خلية اسمها (مجد) رأسها السنوار نفسه لملاحقة العملاء وتم قتل العديد منهم.
سادساً: انتفاضة أطفال الحجارة الرائعة كان من نتيجتها التوقيع على اتفاقية أوسلو والاعتراف بمنظمة التحرير وياسر عرفات (الذي كانت إسرائيل تعتبره إرهابياً)، وسادت آمال عريضة بسلام حقيقي يفضي إلى إنشاء دولة فلسطينية، ومن كتاب السنوار تأكدت أن حماس لن تقبل سوى بإزالة إسرائيل، وأن شعار "من النهر إلى البحر أرضك يا فلسطين" هو حجر الزواية وهدف منظمة حماس، لذلك رأيت في كتاب السنوار كيف بدأت حماس الانتفاضة الثانية، والتي اسمتها انتفاضة الأقصى، وكانت تستهدف أساساً المدنيين في العمليات العديدة والتي سميت وقتها العمليات الاستشهادية، فاستهدفت المواصلات العامة والمطاعم وأماكن تجمع المدنيين داخل إسرائيل، مما أدى إلى صعود اليمين المتطرف داخل إسرائيل والذي لا يطيق مجرد سماع كلمة فلسطين، وتم أيضاً بعد اتفاقية أوسلو قتل رئيس الوزراء الأسبق اسحق رابين، الذي وقع على تلك الاتفاقية، من جانب إرهابي متطرف يهودي، وبهذا اتفق التطرف الديني بدون قصد للقضاء على أي أمل في السلام.
سابعاً: استطاعت حماس وغيرها، بالاتفاق من دون قصد مع التطرف الديني اليهودي، تحويل قضية فلسطين من قضية أرض ووطنين وشعبين إلى قضية صراع ديني بين اليهودية والإسلام، فها هو نتنياهو يطالب بيهودية الدولة، فيما حماس اسمها حركة المقاومة الإسلامية (وليس المقاومة الفلسطينية)، وفي أكثر من مكان في الكتاب يكرر السنوار هتاف "خيبر خيبر يا يهود… جيش محمد سوف يعود"، وهو هتاف كوميدي في رأيي، الهدف منه دغدغة مشاعر الشعب الدينية، فمدينة خيبر غير موجودة، وطمرت، ومر عليها 1400 سنة، وجيش حماس بالقطع ليس جيش محمد، كما أن يهود خيبر ماتوا من 1400 سنة.
ثامناً: لاحظت أنَّ السنوار تجاهل في كتابه تماماً ذكر اسم أو منصب ياسر عرفات، ولم يذكر أبداً عودته إلى فلسطين، وإلى غزة تحديداً، وسط مظاهر الفرح والاحتفال (والتي عاصرتها بنفسي)، حتى أنه ذكر اسم إيهود باراك (رئيس وزراء إسرائيل) والذي حضر محادثات كامب دافيد الثانية برعاية الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، ولكنه لم يذكر اسم الزعيم الفلسطيني، والذي كان الطرف الاخر في المحادثات، وكذلك تجاهل ذكر أي من الزعماء الفلسطينيين الآخرين من منظمة فتح، ولكنه ذكر العديد من قادة حماس مثل الشيخ أحمد ياسين ويحيى عياش وغيرهما. وهذا أثبت لي بما لا يدع مجالاً للشك أنَّ حماس، مثلها مثل كل المنظمات العقائدية المتطرفة، لا تقبل أي شريك حتى لو كان من نفس الوطن وله نفس الهدف.
…
الكتاب يستحق القراءة، ومنه تأكدت بأنه "ما فيش فايدة" طالما سيطر على الساحة التطرف: حماس من جهة ونتنياهو من الجهة الأخرى.
التعليقات