في شباط (فبراير) عام 2006، فازت ما تُسمى بحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الانتخابات التشريعية حاصدة 76 مقعداً من أصل 132 مقعداً من مجموع مقاعد البرلمان، وقد رفضت حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وبقية الفصائل المشاركة في الحكومة التي شكلتها حركة حماس برئاسة إسماعيل هنيّة بسبب عدم الاتفاق على البرنامج السياسي واختلاف الأولويات لدى الحركة الفائزة مع نظرائها، لتدخل غزة إثر ذلك في دوامة سياسية مستمرة كان عنوانها الأبرز عدم الاستقرار، ولو جزئياً، ولتُصبح غزة لاحقاً ساحة مفتوحة للمقامرات الإقليمية كلما اشتدّ الخناق الداخلي أو الخارجي على اللاعبين الرئيسين، وأعني بهما إيران وإسرائيل، وكان الخاسر الأكبر والأوحد في كل مرة وحتى ساعة كتابة هذا المقال هو الشعب الفلسطيني في غزة حيث كانت قيادات حماس قد توزعت في أرض الله الواسعة بإقامات فندقية فائقة الخدمات والنجوم.
نعود للعام 2006؛ لقد كان من العسير بين عشية وضحاها أن يتحول فصيل مُسلّح إلى عالم السياسة والدبلوماسية بمفهومهما الواسع وصورتهما الكبيرة، لذلك لم يكن متوقعاً منذ البداية، والحال هذه، أن تتحقق مكاسب حقيقية على أرض الواقع لخير الشعب الفلسطيني، بل انحصرت القصة في الشعارات وعمليات غير مدروسة الأبعاد والتبعات ضد الاحتلال الإسرائيلي، وثالثة الأثافي عندما أدارت حماس ظهرها ليس للفصائل الفلسطينية الأخرى فحسب بل للعالم العربي بأسره، وارتمت في الحضن الإيراني، لتصبح أداة طيّعة لتنفيذ الأجندة الإيرانية في المنطقة شأنها كشأن حزب الله اللبناني وغيره، وفي غمرة انهماك حماس آنذاك بممارسة المراهقة السياسية، خرج صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبدالعزيز، رحمه الله، عبر أحد البرامج التلفزيونية – وكان الأمير طلال كثيراً ما يظهر في الإعلام للتعبير عن آرائه بصفته الشخصية – مؤكداً بأنه اتصل بإسماعيل هنية وقال له بأن عليه بعد الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان التحول من عقلية قائد الحركة إلى عقلية قائد الدولة. وقد كانت كلمات الأمير طلال مختصرة وموجزة، لكنها عميقة للغاية، فالنظر إلى الأمور بميزان رجل الدولة المستشعر لثقل الأمانة الملقاة على عاتقه، خصوصاً في وضع معقّد كحال القضية الفلسطينية، يضع الكثير من الاستحقاقات العاجلة والاستراتيجية والوعود التي يجب الوفاء بها، لكن وللأسف الشديد لم يستمع هنيّة ومن خَلَفه من كوادر حماس في رئاسة الوزراء لنصيحة الأمير، وقبل ذلك نصائح ووساطات ومبادرات أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والمعالي قادة الوطن العربي ووزراء الخارجية، حتى آلت الأمور إلى ما هي عليه الآن.
إقرأ أيضاً: أهلاً بالعالم في السعودية
تابعتُ لقاء قناة "العربية" مع قائد إدارة العمليات الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، والحقيقة أن حديثه كان متزناً وواقعياً، ومنها تأكيده بأنَّ استلام الحُكم بشكل مباشر بعد هروب بشار الأسد جاء لكي لا تنهار مؤسسات الدولة ولضمان استمرار عملها وفق الانتقال الذي تم بين آخر رئيس للوزراء في عهد الأسد ورئيس الوزراء الحالي، وأن مرحلة انتقالية يجري الترتيب لها كون البنية التحتية الحالية للانتخابات متعذّرة في ظل هجرة ما يقارب 15 مليون مواطن سوري بين لاجئ ونازح، أغلبهم ليس لهم قيود ثابتة، وأفاض في الحديث عن المؤتمر الوطني وما سينبثق عنه من لجنة لصياغة الدستور وغيرها من المواضيع المهمة، إلا أن أبرز ما شدني سؤال المذيع طاهر بركة بشكل مباشر: هل ستحل هيئة تحرير الشام؟ فكان جواب الشرع المباشر وبالحرف الواحد: "بالتأكيد لا يصلح أن تُدار الدولة بعقلية الجماعات والفصائل".
إقرأ أيضاً: "فهَل سألوا الغوّاصَ عن صَدَفاتي؟!"
في تقديري الشخصي أن هذه الإجابة لوحدها التي خصّ بها الشرع قناة "العربية" أعطت مساحة تفاؤل لا حدود لها إقليمياً ودولياً، كما أنَّ إعلان الشرع الانفتاح على السعودية بشكل غير مسبوق وحديثه الودّي عن مسقط رأسه العاصمة السعودية الرياض أعطى دلالات عميقة بأنه قد آن الأوان لتحظى سوريا الجديدة وشعبها بمختلف طوائفه وأعراقه بحياة كريمة قوامها الاستقرار والتنمية. لا أستطيع التعبير عن فرحتي لسوريا الأرض والإنسان سوى الأمنيات الصادقة بسرعة التعافي والعودة الآمنة للبيت العربي الكبير.
التعليقات