في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2012، عند انعقاد الدورة التسعين بعد المئة للمجلس التنفيذي لمُنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) وباقتراح من المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية، تقرر تكريس يوم الثامن عشر من كانون الأول (ديسمبر) يوماً عالمياً للغة العربية، واحتفلت (يونسكو) في تلك السنة للمرة الأولى بهذا اليوم، وفي الثالث والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر) عام 2013، قررت الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية (أرابيا) التابعة لليونسكو اعتماد اليوم العالمي للغة العربية كأحد العناصر الرئيسة في برنامج عملها كل سنة. غير أنَّ هذه المحصّلة المثمرة سبقتها جهود مضنية على مدى عقود؛ ففي خمسينيات القرن الماضي، صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 878 بتاريخ الرابع من كانون الأول (ديسمبر) عام 1954 يجيز الترجمة التحريرية فقط إلى اللغة العربية، ويقيّد عدد صفحات ذلك بأربعة آلاف صفحة في السنة، بشرط أن تدفع الدولة التي تطلبها تكاليف الترجمة وعلى أن تكون أيضاً هذه الوثائق ذات طبيعة سياسية أو قانونية تهم المنطقة العربية. وفي عام 1960، اتخذت اليونسكو قراراً يقضي باستخدام اللغة العربية في المؤتمرات الإقليمية التي تُنظَّم في البلدان الناطقة بالعربية وبترجمة الوثائق والمنشورات الأساسية إلى العربية، واعتُمد في عام 1966 تعزيز استخدام اللغة العربية في اليونسكو وتأمين خدمات الترجمة الفورية إلى العربية ومن العربية إلى لغات أخرى في إطار الجلسات العامة، وفي عام 1968 اعتُمدت العربية تدريجياً لغة عمل في المنظمة مع البدء بترجمة وثائق العمل والمحاضر الحَرفية وتوفير خدمات الترجمة الفورية إلى العربية، واستمر الضغط الدبلوماسي العربي إلى أن أصبحت اللغة العربية لغة شفوية خلال انعقاد دورات الجمعية العامة في أيلول (سبتمبر) عام 1973، إثر ذلك صدر قرار الجمعية العامة رقم 3190 خلال الدورة الثامنة والعشرين في كانون الأول (ديسمبر) عام 1973 يوصي بجعل اللغة العربية لغة رسمية للجمعية العامة وهيئاتها.
وتعد اللغة العربية من أقدم اللغات وأكثر لغات المجموعة السامية تحدثاً وإحدى أكثرها انتشاراً في العالم، ويتحدث بها أكثر من نصف مليار نسمة، يتوزعون في الوطن العربي بالإضافة إلى عدد من مناطق العالم، وهي من بين اللغات الأربع الأكثر استخداماً في الإنترنت، وكذلك الأكثر انتشاراً ونمواً، متفوقة على الفرنسية والروسية. وتكتسب اللغة العربية أهمية كبيرة لدى المسلمين، فهي لغة القرآن الكريم، ولا تتم الصلاة في الإسلام إلا بإتقان أركانها وواجباتها اللفظية العربية، كما أنَّ العربية لغة شعائرية لدى عدد من الكنائس المسيحية في الوطن العربي، كما كُتبت بها الكثير من الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى كمؤلفات دوناش بن لبرط ويحيى بن حيوج في النحو وسعيد الفيومي وموسى بن ميمون القرطبي في الفلسفة ويهوذا اللاوي الأندلسي في الشعر وإسحاق الفاسي في تفسير التوراة، فكان للغة العربية أبلغ الأثر في اللغة والدين والأدب اليهودي. وتتميز العربية بقدرتها على التعريب واحتواء الألفاظ من اللغات الأخرى بشروط دقيقة معينة، كما تمتاز بخاصية الترادف والأضداد والمشتركات اللفظية والمجاز والطباق والجناس والمقابلة والسجع والتشبيه، ناهيك عن فنون اللفظ كالبلاغة والفصاحة وما تحتويه من مُحسّنات بديعية.
(إمضاء)
رموني بعُقمِ في الشباب وليتني
عقمتُ فلم أجزع لقول عُداتي
وَلدتُ ولمّا لم أجد لعرائسي
رجالاً وأكفاءً وأدتُ بناتي
وَسِعتُ كتابَ الله لفظاً وغايةً
وما ضِقتُ عن آيٍ بهِ وعِظاتِ
فكيفَ أضيقُ اليومَ عن وصف آلةٍ
وتنسيقِ أسماءٍ لمُخترعاتِ
أنا البحرُ في أحشائهِ الدُرُّ كامنٌ
فَهَل سألوا الغَوّاصَ عن صَدفاتي؟!
- الشاعر المصري الكبير حافظ إبراهيم
التعليقات