اتجهواإلىالصحراء بعد ان خذلتهمالمدن
نورالهدى غولي : ضاقت بهم شوارع الجزائر العاصمة وأحياء المدن الكبرى، ووجدوا أنفسهم وجها لوجه مع الصحراء وفضائها الشاسع الموغل في البعد عن الأهل ونمط الحياة المعتاد. ما يحزّ في أنفسهم أكثر من أي شيء هو اقتناعهم الكامل بأنهم ليسوا هنا من أجل رحلة استجمام أو في وقت مستقطع للسياحة. فهم يدركون جيدا أنهم هنا من أجل لقمة العيش التي صعب الحصول عليها في العاصمة أو السواحل الأقرب منها.
شباب في مقتبل العمر، ورجال بلغوا سن النضج زحفوا فرادى وجماعات نحو الصحراء الجزائرية الكبيرة جدا، فوزن quot;الذهب الأسودquot; فيها يعني أن حالتهم المادية ستكون أحسن بكثير من معيشتهم في مدنهم الأصلية التي لم يجدوا فيها غير البطالة الفعلية والبطالة المقنعة، والفراغ القاتل المختلف كثيرا عن فراغ الصحراء. الفراغ الأول يعني العدم النفسي والاجتماعي والمالي فيما لا يتعدى الثاني كونه فراغ المكان والمحيط. وشتان ما بين الخيارين.
بشار، حاسي مسعود، أدرار، حاسي الرمل.. هي أكثر المناطق التي تستقطب الراحلين من المدن الشمالية بعد أن راجت موضة السفر، وليس الخيار هنا ترفا ولكن اقتناعا منهم بأنه السبيل الأمثل من أجل توفير مبالغ مالية تضمن لهم العيش بكرامة، خاصة وأن مجالات العمل في الصحراء قد توسعت شيئا فشيئا في الفترات الأخيرة لتشمل تخصصات متعددة عدا البترول والغاز كمجالات الاتصالات والسياحة وكذا المياه وأعمال الاستخراج المختلفة ومجالات التغطية للشبكات الهاتفية.. وغيرها.
طبعا لن يكون العمل فقط هو الدافع الأساس في رحلة الشتاء والصيف والمواسم كلها، بل هي المبالغ المحترمة التي تقدمها الشركات الموظّفة هناك، مقارنة بتلك التي تفتح أبوابها في الشمال، نظرا لصعوبة العمل واقتناع الشركات بأن كل المستخدمين لديها هم مهاجرين بعيدين عن الأهل والمدينة الأصلية.. فقد يبلغ الراتب الشهري ضعف ما يمكن أن يتقاضاه العامل في منطقة الشمال.
عادة ما يمكث العامل هناك موسما كاملا، ليرتاح ثلاثة أشهر كأقصى تقدير (يعود ذلك إلى حالته المادية) يبقى في الصحراء وهو يمني نفسه بـ quot;يوم المنىquot;. تاريخ العودة إلى مدينته وهو في حال أكثر يسرا.. البعض الآخر قد يستلطف اتساع الصحراء وكرم أناسها القليلين جدا وينقل عائلته معه ليستقر هناك بصورة نهائية حتى يتجنب احتمال السقوط المالي من جديد.
ويبقى نوع آخر من العاملين وهم صنف الشباب الراغب دائما في متع الحياة ومباهجها، والذي يصر على العودة مهما كان الثمن إلى بيئته quot;الطبيعيةquot; التي يجد فيها نفسه، هناك يلتقي الأصدقاء والصديقات والجيران ويبدي ترفه quot;المستحدثquot; بعد أن قضى أياما عصيبة مغتربا في أكثر المناطق حرارة وانعزالا. وهو الآن يفتخر أمامهم بما تمكن من تحقيقه في وقت قصير، عكس من اختار البقاء في مكانه.. فلا هاجر صوب الشمال.. ولا صوب الجنوب.
- آخر تحديث :
التعليقات