بعد التحقيق معه بسبب مقال بـ "الأهرام"


نبيل شرف الدين من القاهرة: كثيراً ما اتهم الشاعر المصري فاروق جويدة ـ ظلماً أو حقاً فهذا ليس موضوع المناقشة الآن ـ بأنه "شاعر النظام"، كما جرى تصنيفه مبكراً ومنذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات ، ضمن "شعراء البلاط"، وهوجم بشدة من مثقفي اليسار الذين كانوا ـ وما زالوا ـ يسيطرون على المشهد الثقافي المصري، ووصف بأنه مجرد نسخة "غير أصلية" من نزار قباني، وغير ذلك من الاتهامات ـ التي لا نناقش مدى صحتها في هذا السياق ـ لكن ما حدث خلال السنوات الأخيرة أن فاروق جويدة بدأ ينتقد النظام في مناسبات عدة، وكان آخرها ما كتبه في "الأهرام" عن تفشي المحسوبية في كافة قطاعات الجهاز الإداري للدولة، وكان أن اقتحم "عش الدبابير" حين تحدث عن هذه الظاهرة في التعيين بوظائف حساسة كالنيابة العامة، وهو ما اعتبره النائب العام مساً بالقضاء، وهي ـ لمن لا يعرف ـ منطقة محرمة في المعالجة الصحافية، ولا يجوز الاقتراب منها بأي شكل من أشكال النقد، ذلك لأنها مسألة محمية قانونياً بشكل يجعل من الكتابة في هذا المضمار جريمة اسمها "إهانة القضاء"، وهو ما حدث بالفعل مع شاعر لم تغفر له سنوات من اتهامه بأنه "ابن النظام" بل وشاعر بلاطه .
ولعل هذه التهمة القاسية هي التي دفعت الناقد صلاح فضل إلى الدفاع عن جويدة بشدة قائلاً إنه "تميز بنهج إبداعي يتمثل في الخط الذهبي من التواصل الجمالي مع قرائه، متأثرا بذلك بتجربته الصحافية وتاريخه في التعامل مع القراء، وعندما يكتب جويدة مقالاته السياسية فإنه لا يتنازل عن ضمير الشاعر وخيال المبدع ومثالية الكاتب، فهو لم يتحول بوقا للسلطة رغم أنه يكتب في صحيفة قومية (حكومية) كبرى بل يحرص على تحقيق توازن دقيق بين السلطات"، على حد تعبير الناقد المعروف .
وكان استدعاء جويدة على هذا النحو سبباً كافياً لإصابته بصدمة أضطرته لدخول المستشفى، بعد أن أن ضاق صدر النظام بمجرد انتقاد لا يمكن وصفه بأنه ينطلق من "الحقد"، بل من الحرص على سلامة وتماسك هذا النظام، الذي لا يمكن أن يختلف اثنان في مصر على تفشي الوساطات والمحسوبيات وثقافة الرشوة في كافة مفاصله، من دون استثناء، أكرر من دون استثناء، وكل ما فعله فاروق جويدة أنه نقل ما يدور في الشوارع وعلى المقاهي وداخل الغرف المغلقة، إلى سطور قليلة على صحيفة "حكومية" هي (الأهرام)، ولم يشفع لجويدة شئ من تاريخه ولا منزلته كشاعر وكاتب يصنف ضمن الكبار، ومع ذلك فقد اتهم فاروق بـ "التجديف" في حق القضاء، وجرى استدعاؤه شأن أي متهم في قضية نشل، ولم يجد فاروق جويدة من يقف بجواره في هذه المحنة، التي تحالفت عليه فيها السلطة مع المرض، سوى المثقفين والصحافيين، الذين قادوا حملة متواصلة للدفاع عن حقه في التعبير، ونظموا الفعاليات، وأرسلوا الخطابات، وكانت آخر حلقة في مسلسل الدفاع عنه هي تلك الأمسية التي نظمتها نقابة الصحافيين المصريين، التي اعتبر المتحدثون فيها أن التصرف مع شاعر كبير يعبر عن نبض الأمة وآلامها بقلمه الحر جريمة تستوجب التصدي لها بكل قوة وحزم ، مؤكدين أن الاحتفال بجويدة هو إعلاء لقيم الحرية والإبداع .

نقابة الصحافيين
أما جلال عارف نقيب الصحافيين المصريين فقد بعث رسالة إلى النائب العام يشكو فيها من استدعاء جويدة والتحقيق معه على مدى ست ساعات ومخالفة القانون بسبب مقال كتبه في صحيفة "الأهرام" القومية بتاريخ 25 مارس 2005 تحت عنوان "رسائل غاضبة في قضية شائكة", وتضمنت رسالة النقيب أنه كان من نتيجة هذه التصرفات غير القانونية أن أصيب الزميل جويدة بأزمة صحية عنيفة وأُدخل على إثرها إلى العناية المركزة ثم أجريت له جراحة عاجلة ومازال تحت العلاج بالمستشفى .
وفي ما يلي نص رسالة عارف إلى النائب العام ننشرها كوثيقة في هذه القضية التي نعتقد أنها مرشحة للتصاعد خلال الفترة المقبلة :

السيد المستشار / النائب العام
تحية طيبة وبعد،
تعلمون مدى حرصنا على إقامة أوثق العلاقات بين الصحافة المصرية وبين الأجهزة القضائية إيماناً منا بأن حرية الصحافة واستقلال القضاء هما الضمانة الحقيقية لكل الحريات .
ومن ثم فقد فوجئنا باستدعاء الزميل الكاتب الكبير الأستاذ فاروق جويدة مدير تحرير الأهرام للتحقيق في مقال نشره في "الأهرام " بتاريخ 25 مارس 2005 تحت عنوان "رسائل غاضبة في قضية شائكة"
وقد تم ذلك وسط عدة ملابسات مثيرة للشك أو مخالفة للقانون:
فقد تم استدعاء الزميل فاروق جويدة ، ولم تخطر نقابة الصحافيين بذلك وفقاً للقانون.
تم التحقيق مع الزميل دون حضور نقيب الصحافيين أو من يمثله، واستمر التحقيق لما يقرب من ست ساعات بسبب مقال لم يستهدف إلا المصلحة العامة.
أبدى الزميل فاروق جويدة كل حسن النية وطلب ممن يعنيهم الأمر أن يردوا على مقاله وتعهد بنشر أي رد قانوني.
ومع ذلك فقد فوجئ بالمحقق يطلب منه أن يكتب وينشر اعتذاراً عن مقال يعتقد بصحة كل ما فيه، ولقد كان من نتيجة هذه التصرفات غير القانونية أن أصيب الزميل بأزمة صحية عنيفة وأُدخل على إثرها إلى العناية المركزة ثم أجريت له جراحة عاجلة ومازال تحت العلاج بالمستشفى.
إننا مع يقيننا ببطلان التحقيقات والإجراءات التي اتخذت بحق الزميل بالمخالفة للقانون ودون إبلاغ النقابة أو حضور ممثلها القانوني للتحقيقات، فإننا نستنكر المعاملة غير اللائقة لكاتب وشاعر بحجم الزميل فاروق جويدة كرمته الدولة بأرفع جوائزها ولم يكن ما يكتبه حول الشئون العامة إلا رغبة في الإصلاح وحرصاً على مصالح الوطن.
ومع إدراكنا بحرصكم على الحريات - وفي مقدمتها حرية الصحافة- فإننا نتطلع إلى قراركم بإصلاح ما تم من أخطاء ومخالفات قانونية.
وفي إطار ذلك ننتظر:
قرار بحفظ التحقيق في هذه القضية.
كشف الحقيقة فيما أثاره الزميل في مقاله احتراماً للعدالة ولحق الرأي العام.
إصدار تعليماتكم بضرورة مراعاة القانون الذي يحتم حضور الممثل القانوني للنقابة في التحقيقات مع الصحافيين.
التأكيد على أن الرأي الحر هو سند القضاء العادل ، وأن الصحافة والقضاء شريكان في البحث عن الحقيقة وإقرار العدالة.
وفي هذا الصدد فإن ما كتبه الزميل فاروق جويدة يستحق التقدير لا المساءلة، ويستوجب منا جميعاً أن نبذل كل الجهد من أجل مجتمع حر ترفرف عليه أعلام العدالة وتسود فيه قيم الديمقراطية وتكافؤ الفرص.
نقيب الصحافيين
جلال عارف

رؤية حقوقية
من جانبها تحركت جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان وأرسلت برقية للنائب العام حول ذات الشأن هذا نصها أيضاً :
السيد الأستاذ المستشار/ النائب العام
تحية طيبة وبعد ،
نتشرف بعرض الآتي
حيث طالعتنا الصحف المستقلة والمعارضة المصرية خبر استدعاء الكاتب والشاكر الكبير، فاروق جويده مدير تحرير جريدة الأهرام للتحقيق معه أمام وكيل النائب العام لنيابات استئناف القاهرة في المقال الذي تم نشره في جريدة الأهرام بتاريخ 25/3/2005 تحت عنوان (رسائل غاضبه في قضية شائكة) والذي استمر معه لمدة 6 ساعات متواصلة طلب فيها وكيل النائب العام من الكاتب الكبير الاعتذار عن ما تم نشره......الأمر الذي أصابه بأزمة صحية عنيفة وتم نقله الي المستشفي.
واذ ان موضوع المقال يتناول قضية حيوية هدفها الصالح العام والحرص علي مصالح الوطن ومن ثم فان استدعاء الكاتب الكبير هو إخلال صارخ وانتهاك لحق حرية الرأي والتعبير وهو حق كفله الدستور والمواثيق الدولية...
وان ما حدث هو مصادرة غير مشروعه لهذا الحق وفيه انتهاك لحرية الصحافة وهو احد مؤشرات ومقاييس التطور الديمقراطي وحق جميع المواطنين في التعبير عن ارائهم بحرية عبر جميع الوسائل المتاحة دون الحصول علي رخصة بممارسة هذا الحق من الحكومة او جهاز الدولة او تقديم اعتذار او مبرر عنه.
وقد تناول الكاتب الكبير في مقاله التقصي والتتبع والبحث عن الحقيقة ونقدها بصورة حيادية دون طمس أو إخفاء أو تمويه.... ومن ثم فان استدعائه للتحقيق أمام وكيل النائب العام هو اعتداء صارخ لحرية الرأي والتعبير والنشر وفيه وأد لحرية الصحافة القائمة علي كشف الحقائق وتحقيق الأحداث وتتبع الأخبار وتقصي المسئوليات ونقد السياسات والأوضاع الفعلية. وطرحها علي القاريء من خلال النشر .
وإذ تعتبر حرية الرأي والتعبير من المباديء الدستورية التي حرصت كثير من دساتير الدول الديمقراطية علي تأكيدها و قد أكد الدستور المصري الصادر في 1971 حرية التعبير في المادة 47 منه التي ذهبت الي ان حرية الرأي مكفولة ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول او الكتابة او التصوير او غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون وان النقد الذاتي و النقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني .
كما نص الدستور في المادة 48 (ان حرية الصحافة و الطبع و النشر و وسائل الإعلام مكفولة و الرقابة علي الصحف محظورة وإنذارها او وقفها او إلغاؤها بالطريق الإداري محظور) ، الأمر الذي يؤكد ان حرية التعبير التي كفلها الدستور هي الأصل في النظام الديمقراطي تقوم إلا بها وهذه الحرية لا يجوز تعطيل مضمونها ولا يجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارستها، ولا يجوز للسلطة العامة فرض وصاية علي مضمونها وتهدف حرية التعبير الي ان يظهر من خلالها ضوء الحقيقة جليا .
كما نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي صدقت عليه مصر في المادة19نه ان لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير و يشمل هذا الحق حريته في اعتناق الاراء دون مضايقة وفي التماس الأنباء و الأفكار و تلقيها و نقلها الي الآخرين بأي وسيلة و دونما اعتبار للحدود .
كما نصت المادة 18 من العهد الدول الخاص بالحقوق المدنية والسياسية و التي صدقت عليها مصر أن لكل إنسان حق في حرية الفكر .
كما نصت المادة 19 فقرة (1) أن لكل إنسان حق في اعتناق أراء دون مضايقة و الفقرة (2) أن لكل إنسان حق في حرية التعبير و يشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف دروب المعلومات والأفكار و تلقيها و نقلها إلى آخرين دون ما اعتبار للحدود سواء علي شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأي وسيلة أخري يختارها .
وحيث أن الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة قد عبر بمقاله عن قضية شائكة تهم الصالح العام وتهم مستقبل الوطن وهو من الرموز وقد كرمته الدولة بالعديد من الجوائز التقديرية وقد تناول تحقيقه مما يعنيهم الأمر بحق الرد القانوني والنشر إلا انه فوجئ باستدعاء تعسفي مخالف للدستور و قانون الصحافة و المواثيق الدولية ولا يتماشى مع مكانة هذا الكاتب الكبير .
لذلك
نلتمس من سيادتكم
أولا : التفضل و التكرم بالتحقيق في واقعة ما تم نشره في تحقيق الكاتب الكبير فاروق جويدة بصحيفة الأهرام في عدد الجمعة تحت عنوان رسائل غاضبة في قضية شائكة بتاريخ 25 /3/2005 .
ثانيا : صدور قراركم العادل بحفظ التحقيق في هذه القضية فيما هو منسوب للكاتب والشاعر الكبير/ فاروق جويدة مدير تحرير جريدة الأهرام .
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام ،
جمعية المساعدة القانونية