الكاتب العراقي والقاضي زهير كاظم عبود، (مواليد الديوانية 1944) المقيم حاليا في جنوب السويد، عرف كواحد من الكتاب السياسين والاعلاميين العراقيين البارزين، المثابرين والمجتهدين وذلك من خلال مساهماته المتواصلة، في تسليط الاضواء على تطورات الشان العراقي وفي العمل الجاد من اجل عراق ديمقراطي فيدرالي عانى طويلا من كوارث نظام ديكتاوري، شوفيني، لا انساني خلف لنا ارثا ثقيلا من بلاد مهشمة، اقل ما فيها من الام سلسلة المقابر الجماعية التي تمتد شمالا وجنوبا، وكان الاحتلال الامريكي لبلادنا من ابرز نتائج سياسات هذا النظام المقبور. في مقالاته التي نجدها على مواقع الانترنيت العراقية، او الصحف العراقية والعربية، وفي محاضراته في المحافل الدولية وبين ابناء الجاليات العراقية خارج الوطن العراقي، وايضا القنوات الفضائية، مثل قناة الفيحاء التي يسجل لها احتضانها للاصوات العراقية الديمقراطية من مختلف المشارب الفكرية، ظل زهير كاظم عبود مدافعا عن القيم الانسانية وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية. احد اهم القضايا التي كرس لها قاضينا زهير كاظم عبود جهده وقلمه، هو القضية الكوردية وما يتعلق بالحقوق التاريخية لشعبنا الكوردي في العراق، وعن هذا الامر نشرت له عشرات المقالات، التي عرض فيها موقفا ثابتا الى جانب خيار الشعب الكوردي في الفيدرالية والشراكة في الوطن العراقي الديمقراطي، مدافعا بقناعة وبثقة عن مبادئ انسانية رسمها لنفسه تؤمن بحقوق هذا الشعب وعدالة قضيته، التي قدم في النضال من اجلها قوافل الشهداء في سبيل الحرية والعدالة. عام 2004، وفي السويد، وعن دار (دراسات كوردية) صدر للقاضي زهير كاظم عبود، الكتاب الاول تحت عنوان (كتابات في القضية الكوردية والفيدرالية وحقوق الانسان)، وفيه جمع اهم مقالاته عن القضية الكوردية، وقبل ذلك، وفي عام 2000، وعن دار الرافد في لندن، صدر له كتاب(لمحات عن الشبك). وبشكل مبكر احتلت الديانة الايزيدية اهتماما بارزا في جهد ونشاط الكاتب زهير كاظم عبود، خصوصا وقد توفرت له فرصة العمل كقاضي في مناطقهم والاحتكال بهم مباشرة ومعاينة طريقة حياتهم، فاصدر عام 1994، وفي بغداد، كتابا عنهم تحت عنوان (لمحات عن اليزيدية)، واعيدت طباعة الكتاب مرة اخرى، في لندن، من قبل دار الرافد في عام 2000. من جديد يعود الكاتب الى موضوع الايزيدية ويخصص لهم كتابا جديدا، تحت عنوان(الايزيدية... حقائق وخفايا واساطير)، صدر مؤخرا هذا العام عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
جاء الكتاب في 148 صفحة من القطع الكبير، وتوزع الى مقدمة وثمان فصول اساسية، اضافة الى ثبت باهم المصادر التي اعتمدها الكتاب. عناوين الفصول يمكن ان تقود القارئ الى حيوية المواضيع التي يناقشها الكتاب. الفصل الاول بعنوان (حقيقة الايزيدية)، الفصل الثاني (عدي بن مسافر والرموز الدينية)، الفصل الثالث (المكان المقدس والزرادشتية)، الفصل الرابع (الفتاوى الدينية)، الفصل الخامس (حائق وخفايا تاريخية)، الفصل السادس (الكتب الدينية المقدسة)، الفصل السابع (المرأة الايزيدية) والفصل الثامن جاء بعنوان (مناسبات الفرح). ومن الجدير بالذكر ان نهاية الكتاب ضمت صورتين لمواطن أيزيدي يجلس بالقرب من تمثال الطاووس ملك وهو في زيارة لمناطق الايزدية، وكنا نامل ان يضم الكتاب المزيد من الصور المسموح بنشرها والتي تعكس تفاصيل من حياة الايزيدية ومناسباتهم الاجتماعية العامة واحتفالاتهم ونشاطاتهم، وايضا فلكلورهم وفنونهم لتعزز تلك الصور القلمية الفريدة التي عرضها الكاتب عن الايزيدية. وكنا نأمل ان يضم الكتاب فصلا يخصص تحديدا لحياتهم الثقافية وفلكلورهم ونشاطات وابداعات مثقفيهم، خصوصا وان بينهم العديد من الكتاب والشعراء والفنانين النتشكيلين والموسيقين المعروفين على الساحة الثقافية الكوردستانية والعراقية، وايضا كان ممكنا ان يضم الكتاب فصلا خاصا للتعريف بأهم شهداء ابناء الديانة الايزيدية خلال مساهمتهم البارزة في صفوف القوى الوطنية في النضال لانهاء النظام الديكاتوري، خصوصا خلال فترات الكفاح المسلح حيث كان لابناء الايزيدية ابطالا سجلوا صورا بارزة في الكفاح والشهادة، وايضا تفاصيل ما تعرضت له عوائل الايزيدية خلال حملات الانفال سيئة الصيت، ولم يكن صعبا الحصول على بعض هذه المعلومات، فهي موثقة عند جمعيات ومنظمات سياسية وثقافية لابناء الديانة الايزيدية. كان يمكن ان تساهم هذه المعلومات بتعزيز اكثر للحقائق المهمة التي قدمها الكتاب، ملاحظاتنا هذه لا يمكن ان تقلل ابدا من قيمة الكتاب الذي اراده الكاتب بحثا رصينا في عقيدة لا يزال الجدل دائرا حولها بين اوساط عديدة.
بمجمله يشكل الكتاب أسهامة مهمة واساسية لاغناء المكتبة العراقية العربية عن موضوع اساسي ومهم يخص طائفة دينية، تنتمي الى القومية الكوردية، تعرضت لكثير من الظلم والتشويه لعقيدتها الدينية وانتمائها القومي، من مختلف الحكومات العراقية، خصوصا فترة حكم النظام الديكاتوري، الذي انزل بهم اشد انواع العقاب والارهاب لرفضهم الانصياع لمخططاته الشوفينية واعتزازهم بانتمائهم القومي والديني وارتباطهم بارضهم وحبهم للحرية والعدالة. في مادة كتابه، واسلوب بحثه، لا ينحو الكاتب اتجاها عاطفيا، او سياسيا منحازا، بقدر ما نلمس جيدا، روح البحث العلمي، الرصين، في مناقشة وتمحيص مختلف الاراء، وتثبيت الحقائق اعتمادا على معايشة قريبة لهذا الشعب، وانطلاقا من وقائع الحياة وقوة الحجة الموثقة، ليقدم لنا بحثا يعتمد الموضوعية والحقيقة ليثري مكتبتنا العراقية بكتاب لا يمكن الاستغناء عن قراءته، وليحاول اماطة اللثام عن الكثير من الاسئلة والالغاز التي تعصف بذهن الانسان الغير عارف لحقائق الديانة الايزيدية كعقيدة دينية تعتبر من اقدم العقائد الدينية في العراق وتؤمن بالله وتوحيده وتدعو الى التسامح والمحبة. في مقدمة كتابه، يشير الكاتب زهير كاظم عبود الى حقيقة ان (السلطات اجبرت كتاب التاريخ ان يكتبوا وفق ما تريد لا وفق منهج الحقيقة) ـ ص 14 ـ، ومن جراء هذا نال الديانة الايزيدية الكثير من الظلم والتشويه، اضافة الى التهميش والتجاوز السياسي، هذا من غير تلك المذابح والمجازر التي نفذت بحقهم عبر عصور التاريخ تحت مسميات عديدة طائفية وقومية. في الكتاب فند القاضي زهير كاظم عبود، بروح العدل الكثير من تلك التخرصات والتشويهات التي تتجاوز على روح الديانة الايزيدية، وتكتب او تقدم تحت تأثير سياسي شوفيني او رؤية دينية طائفية متشددة تكون بعيدة عن الحقيقة وروح التسامح التي تحملها الديانة الايزيدية. وتوقف بمسؤولية عند تلك الكتابات التي تعبر عن قصورا في الفهم، وكتبت بشكل سطحي، وحمل بعضها احكاما مسبقة بدون سند موضوعي، وهي تسعى تشويه سمعة الديانة الايزيدية، وناقش كل هذا بهدوء وحكمة مقدما صورة فائقة العذوبة لكاتب يحلق في سماءالانسانية منشدا قصيدة التسامح والمحبة، التي يجد بعض جذور حروفها في الديانة الايزيدية التي يكتب عنها، مؤدا لنا حقيقة ان الديانة (الايزيدية ستبقى قائمة ومتجددة في صدور معتنقيها، الذين حافظوا عليها كل هذا الزمن).