كتاب يرصد ألقاب الحكّام المسمين من خلال رقومٍ مقدسية
منعت دائرة الرقابة الأردنية كتاب "ظله على الأرض: ألقاب حكام مسلمين في رقوم مقدسية"، للكاتب والصحفي الفلسطيني أسامة العيسة، الذي صدر أواخر العام الماضي عن دار قدمس في دمشق في 232 صفحة، من القطع المتوسط، إضافة إلى 40 صفحة تضم مصورات وخرائط. قال الكاتب أن الناشر قد أبلغه بمنع الكتاب ومصادرة نسخه من قبل الرقابة الأردنية. ويقع منع الكتب الذي مازال متبعاً في العالم العربي ضمن مسلسل الكوميديا السوداء الذي يعيشه الكاتب العربي مع المنع وأشباح الرقابة بأشكالها المختلفة، المباشرة وغير المباشرة.
ويذكر أن كتاب "ظله على الأرض: ألقاب حكام مسلمين في رقوم مقدسية" لم يصل إلى المكتبات الفلسطينية لكون السوق الأردنية هي المصدر الأول المباشر للكتب التي تصل فلسطين المحتلة، وبالتالي فالكتاب الذي يمنع في الأردن، غالباً لا يصل للمكتبات الفلسطينية. أما بالنسبة لمضمون الكتاب ومحتوياته، التي كما يبدو لا تخلو من جرأة في الطرح وجدة في المادة التاريخية التي تتفحصها، فتشير أحد العروض المنشورة في وقت سابق في الموقع الالكتروني "لوزارة الإعلام" الفلسطينية: (أن الكتاب يرصد الألقاب التي نقشها الذين مروا في مدينة القدس، على جدرانها وتسمى تلك النقوش رقوماً، في محاولة أرادها علمية، للوقوف على جذور الاستبداد في العالمين الإسلامي والعربي، من خلال ما يمكن تسميته توثيقا من قبل هؤلاء الحكام أنفسهم أو بطانتهم على رقوم ما زالت إلى اليوم موجودة في القدس. ويمهد الكاتب لفصول كتابه بدراسة حول الإسراء والمعراج من منظور سياسي، ثم يرصد الألقاب ضمن منهج يجمع بين التحقيق الصحافي الميداني ومنهج بحثي يسميه الكاتب "أنسنة التاريخ والجغرافيا".
ويقول الكاتب بأن ما بقي "من تلك النقوش قليل، ولكنها كانت كافية لتحمل ثقل ألقاب وأوصاف أولئك الفاتحين والمغامرين والعاشقين والخائنين، الصادقين والكاذبين".
ومن بين تلك الرقوم: ظل الله في أرضه، ومالك رقاب الأمم ومستخدم أرباب السيف والقلم، وخصه الله بارقاب الملوك..، إضافة إلى عشرات ألألقاب وألاوصاف أوردها الكاتب مقارنا بينها وبين سلوك حامليها على ارض الواقع وضمن الشرط التاريخي لفترة حكمهم.
ويصنف الكاتب ألألقاب التي تركها الحكام على الرقوم في ثلاثة عناوين رئيسة: ألقاب كهنوتية وأخرى دنيوية (سياسية) وثالثة شعبية.ويقول بان هذه الألقاب تتقاطع وتتناغم لخدمة أهدافها الوظيفية المحددة، وتهدف لتثبيت صورة الحاكم كخليفة الله في الأرض، وتقوم بدور السند الأول والرئيس لتكريس الاستبداد باسم الدين، الذي يكون مبررا للاستبداد السياسي، وهو ما يجد تعبيرا له في النوع الثاني من الألقاب التي يمكن تسميتها ألقابا دنيوية. ويقول الكاتب "لهذا حتى الألقاب التي يمكن أن نسميها ألقابا شعبية والتي يمكن أن يطلقها الناس أو بطانة الحاكم تكون تنويعا على ألقاب الاستبداد الديني والسياسي، مثل ألقاب: أبو الفتوحات أو أبو العزائم".ويضيف "مع ذلك يمكن القول أن أصحاب هذه الألقاب ومخترعيها ومانحيها ومقترحيها من مثقفين سلطويين، لم ينجحوا في خداع الجماهير بها، فلم تخضع هذه الجماهير أبدا، ولم تتوقف عن التمرد المنظم وشبه المنظم والعفوي، من خلال ثورات وتمردات وغزوات واعتداءات، فلم تكن هذه المجتمعات راكدة كانت في حركة دائبة في مواجهة حكام متسلطين، ولكن تلك قصة أخرى…لم تسجلها مع الأسف الرقوم الأثرية").
وتأتي خطوة المنع لهذا الكتاب وغيره في وقت أصبحت فيه قصص المنع مثاراً للتندر بسبب لاجدواها وماضويتها التي تنتمي إلى أزمنة سحيقة في تخلفها، ليس الزمن العثماني ورقابته أقربها. كما وبرزت من جهة أخرى وبعيداً عن سياق المنع الحقيقي كما يحدث مع هذا الكتاب، ظاهرة لافتة يجرى تداول حيثياتها شفهياً بين العارفين لخبايا الأوساط الثقافية؛ وهي ظاهرة التحرش بالرقابة في سبيل "منع إعلاني" لتسويق بعض الأعمال الكاسدة، وهو ما يسميه الشاعر عز الدين المناصرة المنع المزيف الذي يهدف إلى التمويه والتغطية على المنع الحقيقي، في إطار ملف شائك وخرافي هو ملف الكتب الممنوعة.
ويذكر أنه يتوجب -وفق قانون المطبوعات والنشر الأردني- على الناشرين والكتاب استصدار تراخيص خاصة من دائرة المطبوعات والنشر "تجيز" نشر كتبهم وتوزيعها بعد التأكد من عدم تعرضها للمحظورات الثلاثة: الدين والجنس والسياسة، في إجراء شبيه لما تمارسه الرقابة في أكثر من بلد عربي كمصر ولبنان وسوريا ودول الخليج العربي.
وقد شهدت الساحة الثقافية الأردنية في السنوات الأخيرة جدلاً كبيراً حول الرقابة على الكتب، خاضها كتاب أردنيون في مواجهة دائرة الرقابة على المطبوعات حيث وصفت هذه الدائرة بأنها من مخلفات فترة الأحكام العرفية التي ينبغي إزالتها وليس التحاور معها.
التعليقات