شوقي مسلماني من سدني: جهود جبّارة هي تلك الجهود التي يبذلها ناطقون بلغة الضاد من أجل إعلاء شأن الأدب والثقافة عموماً، وهي جبّارة قياساً إلى الظروف الصعبة التي تحيط بها، وفي الطليعة منها، وكما هي العادة، غياب مصادر التمويل، وفي أحسن الحالات ندرتها مع بخلِها، وهذا لو أحسنّا الظنّ. وبسبب من هذه المعضلة، ما أن تتفتّح براعم حتى يضربها الجفاف وتتلاشى، والمُكابِرة منها تدفع رعاتَها أحياناً إلى الإفلاس. وقد يقول قائل أنّ المُنتَج الجيّد حتى قادر أن يموِّل نفسه بنفسه، وهذا صحيح بالظاهر، لكنْ بالعمق غير صحيح على الإطلاق، فكم رواية، ولو حائزة على أعلى الجوائز، ستجد من يقتنيها في مجتمع هو مُعرِض عن القراءة، وليس عن كره بها، بل ببساطة لأنّ معظمه أمّي أو شبه أمّي، وما بالك بمجلّة متخصّصة بمجال إبداعي كالفكر والأدب. ولذلك تكفّ عن الصدور مجلّة quot;كلماتquot; العربيّة الأستراليّة التي أنشأها الدكتور رغيد النحاس بعد ثلاث سنوات من الإصدار المتواصل باللغتين العربيّة والإنكليزيّة، ولذلك بالكاد تصدر في السنة مرّة مجلّة طموحة مثل مجلّة quot;السنونوquot; التي تشرف عليها الأديبة نهاد شبّوع، وتغيب مجلّة مثل quot;جسورquot; التي أسّسها الشاعر غيلان، هذا مثالاً لا حصراً، ولا حاجة لذكر دوريّات وفصليّات كان لها الحضور، ثمّ انقرضت، ومنها مجلّة الناقد.

وأخيراً صدر العدد الثاني من quot;دوريّة مستقلّة تُعنى بالأدب المهجريquot; هي quot;صدى المهجرquot; التي يشرف عليها ويرئس تحريرها الشاعر والأديب لطفي حداد، وفيها قصص وقصائد وأبحاث وترجمات لعدد كبير من الكتّاب العرب المتناثرين في دول كثيرة حول العالم، ولكن يجمعهم قلق واحد إنساني عميق ناشئ من واقع الهجرة القسريّة غالباً، ومن واقع ذاكرة فيها جراح ثخينة، ومن واقع اليومي في بلاد العرب من المحيط إلى الخليج كما يُقال، أو من الماء إلى الماء كما يُقال أيضاً، حيث المراكب كلّها تغرق، ويغرق معها مثقّفون عرب هم إمّا محافظون ثقافيّاً وطليعيّون سياسيّاً، وإمّا ثوريّون ثقافيّاً وتقليديّون سياسيّاً، وفي أقلّ الحالات سوءاً هم حسنو النيّة، وكيف هو المثقّف مثقّف بعدُ، مستقلّ، أنواري، طليعي، تقدّمي، حالم بما لن يتحقّق في زمانه!؟.

وأنا، كاتب هذه السطور، لا أدّعي معرفة شيء عن أحوال quot;صدى المهجرquot; الناشئة، ولا ماذا احتسبَ مُنْشِئها حدّاد لغدها وكيفيّة استمرارها فلا يصيبها ما أصاب غيرها ثمّ هي ذكرى بعد سنتين أو ثلاث، ولكنْ لسبب ما أجدني في حرص شديد عليها، فتستمرّ نصف قرن من الزمان بأقلّ تقدير، ولا أدري ماذا تفعل السفارات والقنصليّات العربيّة في الأميركيتين وأوروبّا وآسيا وإفريقيا وأستراليا وأصقاع أخرى، فواجبها أن تكون إلى جانب كلّ منبر إبداعي عربي، أم على مَنْ تقرأ مزاميرك يا داود؟.


[email protected]