سلوى اللوباني من القاهرة: لم يسبق للدكتور الناقد quot;صلاح فضلquot; أن أجرى حواراً صريحاً في كتاباته النقدية التي تزيد عن 25 مؤلفاً، ولكنه استخدم شكل الحوار في كتابه الجديد quot;حواريات الفكر الادبيquot; الصادر عن دار آفاق، موضحاً أن النقد هو حوار مع الأدب والحياة ولكنه حوار مضمر، ويتعمد تغييب أحد الأطراف وإبراز وجود الطرف الآخر، ويعتمد على الصوت المفرد في معظم الأحيان، وبالرغم من ذلك يؤكد بأن النقد في صميمه هو حوار شيق مع فن القراءة ومزاج القراء، مع الفكر الادبي بقوانينه ونظمه، النقد هو حوار مع الابداع والمبدعين.
مساءلة وحساب:
في الجزء الاول من الكتاب يستحضر الناقد صلاح فضل صورة الشاب الذي كان من قبل، ليجري حواراً بين جيل الكبار وجيل الشباب، بين الاستاذ والتلميذ حول العديد من لقضايا الأدبية، منها الحس الجمالي، ثقافة وقراءات جيل الشباب، وتمنعهم عن الاخذ بما قدمه الكبار من نظريات ودراسات وانتاج ادبي، بالاضافة الى أنواع الكتابات الادبية وبالاخص المقالات، والفرق بين عصر الكبار وعصر الشباب في أثر ثورة الاتصال والمعلومات على الذوق العام، والجدل القائم حول سمة هذا العصر وهو اختزال المكان وسرعة الاتصال الذي أبرز الفوارق بين الثقافات المختلفة، ومن ناحية أخرى تهديدها للهويات القومية، كما دار الحوار حول الاشكال الشعرية في الأدب الحديث وتحولات النقد الأدبي ومناهجه، وحدد شروط وتقنيات الحوار مستشهداً بسادة الحوار وهما الجاحظ وتوفيق الحكيم، فمن حق الفتى الاديب مساءلة وحساب الشيخ الناقد، من حقه أن يرد ويختلف مع الكبار، ولكن دون أن يخطر له أن يهزأ أو يسخر منهم،...quot; فلا يؤذي الكبار مثل سخرية أبنائهمquot;، فالحوار يولد الكثير من المفارقات الطريفة، ولكن السخرية تنقض شرط التكافؤ بين طرفي الحوار، فيغيب الاحترام المتبادل الذي يؤدي الى الهرب من المواجهة، وكانت المناورة الأخيرة بين الفتى والشيخ من أجمل المناورات التي دارت بينهما، تناولت دور الثقافة والحرب في تغيير الواقع، فالفتى يرى أن مقلاع الحجارة quot;الفعل الداميquot; هو الوسيلة للانتصار للحق، بينما أكد الشيخ بأن مقلاع الحجارة لا يتحرك من تلقاء ذاته، quot;فهو مشدود الى قبضة اليد المرتبطة باعصاب المخ والتفكير، والمعنويات التي يزرعها المثقفون والأدباء والشعراء هي التي تقوم بتحريكهquot;، وانتهت المناورة التاسعة بينهما بنتيجة أن التلميذ= الشيخ+ الزمن، quot;فاذا لم تزد عني بفارق الزمن الذي يعلمك خبرات علمية جديدة فلست تلميذيquot;.
في الفكر الادبي والثقافي:
ناقش د. فضل العديد من الموضوعات الفكرية الأدبية والثقافية الهامة مستحضراً الكثير من المفكرين والمثقفين منهم العقاد، ابو حيان التوحيدي، ابن المقفع، أبو العلاء المعري، ديلثي، بيترسون، وأورتيجا، فناقش حرية الابداع في الخطاب الادبي والعقبات التي تعيق تطوره ومنها ضمير وذات المبدع نفسه وخوفه من التصادم مع الآخرين، وطغيان السلطة وتجاوزاتها سواء سلطة زمنية أم دينية، وحلل الفكر الادبي المصري من خلال ثورة يوليو، وعرض المؤسسات الادبية التي انشأتها مثل المجلس الاعلى للثقافة، نادي القصة، جمعية الأدباء، وبما أن اللغة هي وسيلة الانسان للتعبير عن تفكيره دعا الى أهمية التعرف على أوجه القصور في اللغة العربية الفصحى في أساليب تعليمها واعداد معلميها، و أن تواصل مسيرة التطور وتعريب المصطلحات العلمية، والاهتمام بتطوير المعاجم الحديثة، وأكد حرصه على الاستمرار في استعمال الفصحى الميسرة المعاصرة خاصة في مجالات الاعلام والمدرسة والملتقيات العامة، وأشار الى خطورة ما تقوم به المدارس في مصر الان من تغليب اللغات الاجنبية على مناهج التدريس للاطفال، ومن القضايا التي أشار اليها أيضاً النقص الشديد في الثقافة العربية المعاصرة في مجال البحوث البيوجرافية والببلوجرافية، فلا يوجد حتى الان معجم لاعلام العصر الحديث في أي مجال من الفكر أو الأدب أو الابداع أو العلم، وفي سياق مناقشاته تعرض لاشكالية العلاقة بين المثقف والسلطة متمثلة بثلاثة أنواع وهم مثقف السلطة، المثقف المتعاون مع السلطة، نموذج المثقف المضاد للسلطة، وقدم نماذج محدودة للمثقف وعلاقته بالسلطة مثل طه حسين واشتباكه بصراعات عديدة مع السلطة السياسية والسلطة الدينية، ونجيب محفوظ ومتاعبه مع السلطة منذ عهد عبد الناصر وخطابه عن السلطة، فلم يكن محفوظ كاتب سلطة يتماهى مع أي نظام حاكم، ولا كاتباً مناقضاً معارضاً السلطة على طول الخط، أما المثقف المختلف فهو لويس عوض الذي خاض معارك كثيرة من اجل من آرائه ضد رموز السلطة، وحدد د. فضل في نهاية كتابه المتغيرات الكبرى في الثقافة من حيث الكم والنوع، فما سينتجه القرن الجديد من آداب وفنون سيفوق ما انتجه القرن الماضي لانها تتراكم فوقه، والادوات التقنية الجديدة ستسمح بانتاج ثقافي مخالف ومكافئ، بالاضافة الى اعادة تشكيل علاقة الانسان بالمكان والزمان والآخر، فهناك مجتمعات جديدة تخلق في الصحراء مما يؤدي الى خلق وعي جديد بالمكان، وعلاقته بالزمان تتمثل في تغليب الجوانب الالية على الانتاج، مما يساعده على أن يتفرغ لابداع أشكال ثقافية جديدة يستثمر فيها طاقاته، وعلاقته بالآخر تتسع بقدر اتساع المكان والزمان وامكانات التواصل.
التعليقات