وهكذا تختتمفعاليات مهرجان الدوحة الثقافي الخامس. وكان المهرجان، الذي يقام تحت شعار quot;الدوحة.. ملتقي الثقافاتquot; قد افتتح بأوبريت quot;مي وغيلانquot; على خشبة مسرح قطر الوطني، وهو حكاية شعبية قطرية حولها الكاتب المسرحي عبد الرحمن المناعي إلى عرض فني معاصر بمشاركة عدد كبير من الفنانين لقطريين والعرب والأجانب بلغ أكثر من 120 فناناً. وتروي الحكاية أن البطل غيلان كان يملك عددا من سفن الغوص للبحث عن اللؤلؤ، وظل يعمل من دون منافس إلى أن ظهرت له شخصية قوية تدعى مي، وهي امرأة اكتسبت الخبرة بعالم البحر واللؤلؤ من والدها، وكانت شجاعة، وتمتلك سفناً كثيرة يعمل عليها رجال أشداء لهم دراية بفنون البحر وأحواله. وقد اعتمد المخرج فالح فايز على الإبهار الحركي والبصري انطلاقا من التراث نفسه، مستعيناً بفرقة أجنبية تؤدي مشاهد فانتازية على خلفية شاشة سينمائية، وأغاني الغوص، وهمهمات الغواصين والبحارة. ووضع الموسيقي والألحان للأوبريت مطر علي، وصمم له الاستعراضات فيصل التميمي، ومثله: ناصر عبد الرضا، وروعة ياسين، وعلي سلطان، وأحمد عفيف، وراشد الشيب، وناصر الأنصاري، وليلي السلمان، وآلاء شاكر، وعبد الرحمن محمد، ومحمد حسن، وحشد من الممثلين والاستعراضيين والأطفال، إضافة إلى مشاركة فرقة سويسرية أدت دور الجرادات الطائرة في سماء المسرح. واشتملت فعاليات المهرجان على محاضرات وندوات سياسية وأدبية وفكرية، ومعارض تشكيلية، وفنون موسيقية وفلكلورية، وقراءات شعرية، وتوقيع بعض الكتاب والأدباء على إصداراتهم الجديدة في إطار المقهى الثقافي. ومن بين تلك المحاضرات محاضرة للشيح حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني النائب الأول لرئيس الوزراء وزير الخرجية القطري عن تنمية ثقافة الديمقراطية وشروطها، ومحاضرة للمفكر الدكتور محمد أركون عن حدود حرية التعبير بمعناه الثقافي تطرق فيها إلى كيفية تصوير المجتمعات للرموز الدينية في الثقافات الأخرى، ومنها الصور المسيئة للرسول الكريم التي ظهرت في الحقبة الأخيرة، ومحاضرة للمفكر الدكتور عبد الله النفيسي كشف فيها عن خلفية هذه القضية من خلال طرح سؤال مفاده: هل نعيش في صراع بين الحضارات أم في حوار فيما بينهما، وماهي النقطة الفاصلة للانتقال من الصراع الى الحوار. وقد وظف المحاضران منهجية تحليل عميقة في تشخيص هذه الظاهرة. ومحاضرة للمفكر سليمان زيفيدور عن المسلمين الأوروبيين، كمسلمي البلقان، والمسلمين المهاجرين إلى أوروبا في القرن الماضي، تطرق فيها ألى طموحاتهم ومشكلاتهم ما بين الخصوصية والاندماج. ومن بين المشاركين في فعاليتي توقيع الكتب والقراءات الشعرية: الدكتورة موزة المالكي، الأستاذة بجامعة قطر، التي وقعت علي كتابها الجديد (مهارات الإرشاد النفسي)، والشاعر الشاب سعود آل ثاني، الذي وقع علي ديوانه الشعري الجديد (رماد الذاكرة)، وكل من الشعراء: حصة العوضي، وعلي المهندي، وعبدالرزاق الربيعي، وسهام شعشاع، وولاء عواد، وعادل عبدالله، ويحيى البطاط، جاسم سليمان، وعادل الكلدي، وعلي مرزا محمود.
وكانت من أبرز فعاليات المهرجان الندوة الخاصة بالرواية، وتوزعت على محورين: الأول بعنوان (الرواية والمستقبل)، والثانية بعنوان (الرواية العربية وآفاق المستقبل)، ويهدف المحور الأول الى دراسة وكشف العلاقات بين توقعات أدب المستقبل، وبين الأدب كوسيلة استبصار وحدس، خاصةً أن الرواية المستقبلية الآن قد تطورت من مستوي ما كان يسمي برواية الخيال العلمي الى الرواية المستقبلية التي تعالج مسألة البيئة والإرهاب والنظم السياسية والاجتماعية وقد شارك في هذا المحور الروائي السوري طالب عمران ببحث عنوانه quot; تجربتي في كتابة رواية المستقبل، وأدب الخيال العلمي quot;، عرف فيه مفهوم الخيال العلمي، وتحدث عن تطور فكرة الخيال العلمي، وعن عصر الإبداع، وعن تجاربه الروائية quot; الزمن الصعب quot;، وquot; البعد الخامس quot;، وquot; الأزمان المظلمة quot;. وقدم الروائي الفرنسي جيلبير سينويه بحثاً عن quot;تأثير الرواية في المستقبل الإنسانيquot; أكد فيه ان الكاتب يوجد في قلب الأحداث التي يشهدها عصره، مستشهدا بقول سارتر quot; كل كلمة لها أصداء، ولكل صمت أيضا quot;. وتطرق إلى نضال فلاسفة الأنوار، وكتاب القرن التاسع عشر، مؤكداً أنه لم يذهب هباءً لأن أفكارهم ونضالهم ساعدت في حركة التغيير، وحركت الرأي العام، وأسهمت في تحسين الظروف الاجتماعية، وقد ضحوا كثيرأ، وتعرضوا إلى عسف الرقابة، والمنع، والنفي، وأحيانا إلى السجن. وتحدث الروائي الإسباني رافائيل ريغ كاريدو بحثع المعنون quot; تجربتي في كتابة رواية المستقبل: قداس أسود في الفاتيكان quot; عن بدايته الأولى مع الكتابة، وأوضح سبب اختياره الكتابة بهذا الأسلوب، مشيراً إلى ان ثمة مميزات ثلاث له: أولها أنها تحرر المخيلة بتصويرها للحياة اليومية في المستقبل، وضرب مثلا على ذلك باجتياح الطوفان لمدينة مدريد في أغلب رواياته، وما تولده صورة المدينة المغمورة بالمياه من شعور بالغراب . ثانيها أن هذا الأساوب هو صيغة دينية في الأساس، ولكنه يمكن الكاتب من هدم تلك الصيغة حينما يستخدمها بطريقة تناقض غايتها، وثالثها أن الكتابة عن المستقبل هي في االعمق كتابة عن الموت، أو، حسب تعبيره، كتابة من وجهة نظر الموتى! وقدم الناقد المغربي الدكتور محمد برادة بحثاً بعنوان quot; ندرة رواية الخيال العلمي العربية في سياق أسئلة المستقبل quot; أكد فيه أن بروز رواية الخيال العلمي، وتبلورها منذ القرن الثامن عشر إلى اليوم يجعل هذا الجنس التعبيري الصيغة الكثر ارتباطا بالمستقبل وتمثيلاته الفنية المستمدة عناصرها من العلم، وافتراضاته، وإمكاناته اللامحدودة. وأوضح برادة أن الخيال العلمي لم يبدأ في التبلور والتميز عن quot; اليوتوبيا quot; وquot; الفانتازيا quot; إلا عندما تقدمت الدراسات العلمية، واقترنت بمشاريع الطبقة البرجوازية المتطلعة إلى تغيير بنيات المجتمع وأولوياته تغييرا جذريا يتناغم والرغبة الجامحة في جني الثروات من الأراضي المستعمرة، وكذلك بإخضاع الطبيعة، وبناء حضارة جديدة مدعومة بالعلم والتكنولوجيا. وعدّ برادة رواية هـ.ج.ويلز (آلة استكشاف الزمن) التي كتبها عام 1855 بدايةً لرواية الخيال العلمي. وأشار إلى ندرة روايات الخيال العلمي في الأدب العربي، موضحاً أن عدد الكتاب العرب الذين أصدروا روايات ومجاميع قصصية ومسرحيات تندرج ضمن أدب الخيال العلمي لا يزيد عن 35 كاتباً، وعزا ذلك الى عدة اسباب أبرزها: فقر علاقة الثقافة العربية الحديثة بالعلم، وتعثر محاولات النهوض الاجتماعي والسياسي، و محتوى التعليم، ومشكلة المصطلحات.
وشارك في جلسة المحور الثاني الناقد المصري صبري حافظ ببحث بعنوان quot; استشراف مستقبل الرواية العربية الجديدة quot;، والناقدة اللبنانية يمنى العيد ببحث عن quot;الرواية وآفاق المستقبل quot;، والكاتب العراقي الدكتور محسن الرملي ببحث عنوانه quot; رواية الخيال العلمي: إشكالاتها، وأسئلة المستقبلquot;، والناقد اللبناني الدكتور سامي سويدان ببحث عن quot;الرواية العربية والمستقبلquot;، وأدار الجلسة الناقد الدكتور عبد الله إبراهيم رئيس لجنة الندوات والمحاضرات في المهرجان.
ونظمت الى جانب هذه الندوة ندوة فكرية أخرى بعنوان مستقبل الديمقراطية في دول مجلس التعاون هدفت الي فحص امكانية توطين الديمقراطية في منطقة الخليج، وشارك فيها ستة من المفكرين والباحثين في الخليج العربي هم: د. محمد الرميحي من الكويت، الذي تحدث عن مستقبل التجربة الديمقراطية في بلاده، ثم د. يوسف عبيدان، الذي حلل الملامح المعاصرة للتجربة الديمقراطية في دولة قطر، وأنور الرواس، الذي تحدث عن الإصلاح السياسي في سلطنة عمان، ثم ابتسام الكتبي، التي تحدثت عن التجربة السياسية الإصلاحية في دولة الإمارات العربية المتحدة. ومن البحرين تحدث عبدالرحمن النعيمي عن تقييمه للممارسة الديمقراطية الحالية في البحرين، أما عبدالكريم الدخيل فتحدث عن الاصلاح في المملكة العربية السعودية.

واختتم د. عبدالله إبراهيم كلمته بالقول: هكذا تكون ندوات ومحاضرات هذه الدورة من المهرجان منخرطة في صلب الجدل العالمي في مجال الفكر والأدب والدين.