لم يكن خبر منح مجموعة quot;كلما لمست شيئاً كسرتهquot; للشاعر عبد الإله الصالحي، جائزة الديوان الأول من بيت الشعر المغربي، بالمستغرب لمن أتيح له أن يقرأ مجموعة الصالحي، والتي شكلت لي قراءتها نوعاً من الصدمة المفرحة حين عثرت عليها منشورة على أحد المواقع الالكترونية (جهة الشعر)، قبل أشهر من صدورها عن دار توبقال عام 2005. لا لم تكن صدمة مفرحة بقدر ما كانت هزة عنيفة، عنف الشعر حين تحس أنه كتب على طريقة الروليت الروسي؛ لا يعود الشعر هنا واحداً من الفنون اللغوية التي تتوسل الإجادة وتحقيق الشروط أو التعبير عن الذات إلى آخر تلك المقايسات والمأثورات التي تصبح بلا معنى أمام هكذا كتابة، وأمام شاعر يلعب بدمه ويضرب بكل قوة في محاولة لتهشيم الجمجمة الميتة للعالم الفاسد.
يشبه quot;كلما لمست شيئاً كسرتهquot; ذلك النوع من الأعمال الأدبية التي تجيء رغم فرادتها الأدائية تلخيصاً لتجربة جيل أو مرحلة، حيث تمتاز بالإضافة إلى جدارتها الفنية، بالأهمية التي للشهادة والوثيقة، أي أنها تقدم التجربة الإنسانية الجمعية أعمق مما قد يفعل كتاب في علم الاجتماع أو السياسة. وبهذا المنظار يكون هذا العمل الشعري كتاباً عميقاً عن الهجرة، عن باريس والصعلكة المدينية عند حواف الجنس والسياسة والأفكار، وعن البلد الذي يسمّي المغرب؛ والذي اختصره في قصيدة أتذكر أن عنوانها كان quot;مغرب العهد الجديدquot; في النسخة الانترنتية قبل أن يجري تغييره إلى quot;مجرد عابرquot; في الكتاب المطبوع. لقد قالت هذه القصيدة ما لم تستطع أطنان من مطبوعات quot;العهد الجديدquot; المغربية أن تقوله، فمن خلال ما قد يبدو قصيدة عن العالم السفلي لعابر بين بائعات اللذة، يقول quot;االعابرquot; القصة من أولها لآخرها، لنتأكد معه في النهاية quot;أن أولئك الصغيرات العابرات أصدقُ شيء في هذه البلادquot;.
وفي وقت أثبتت فيه بيوت الشعر العربية أنها ليست أكثر من حواضن دجاج للسلطة، يأتي منح بيت الشعر المغربي لجائزة الديوان الأول لـquot;كلما لمست شيئاً كسرتهquot;، ليمنح مصداقية لهذه الجائزة (التي أعلم عنها لأول مرة) ولبيت الشعر المغربي، أكثر مما يفعل للديوان الممنوح الذي يزيد عن كونه أفضل ديوان أول؛ فهو في تقديري واحد من أفضل المجموعات الشعرية العربية التي صدرت في السنوات الأخيرة، وهو بهذا المعنى ينافس مجموعات لشعراء مكرّسين وليس من العدل وضعه في سياق الديوان الأول الذي يصدره شعراء شبان يحاولون تلمس أصواتهم الشعرية. فالصالحي الذي يبدو كأنما ولد دفعة واحدة في هذه المجموعة، يقدّم بولادته المكتملة هذه درساً أمام اهتزاز مفهوم المجموعة الأولى التي سرعان ما يتبرأ منها أصحابها باعتبارها طيش شابٍ أو حملاً خاطئاً لمراهقة.
إن هكذا مجموعة أولى بلا شك ترفع مقاييس المجموعات الأولى التي يتعامل معها الشعراء والنقد بتراخ وتساهل، في وقت يصعب تخيّل الجهد والصبر والصرامة التي بذلها الصالحي ليبدأ بمجموعة أولى بهذا النضج والمستوى المتقدم.
حقيقة أشعر بالارتباك من فكرة quot;تهنئةquot; عبد الإله بجائزة، فلست ذلك الذي يوقّر quot;المكتسباتquot; وخصوصاً quot;الجوائزquot;، كما أن الصالحي ليس من نوعية الشعراء الذين يعرفون quot;تقبّل التهانيquot;، فهو من الذين وبوعي مبكّر تركوا quot;القناعة للأثرياء الجدد والشعراء المُكرسينquot;!