مع الاعلان عن أسماء الفائزين في الدورة 59من مهرجان كان السينمائي، تكون لجنة تحكيم أهم مهرجان سينمائي أوربي، قد ضربت عرض الحائط جميع التوقعات التي سبقت حفل توزيع الجوائز، كما أدرك الذين رشحوا فيلم (بابل) للمخرج ايلخاندرو ايناريتو، أو فيلم (العودة) لبيدرو المودوفار أو (التمساح) لناني موريتي، أن لا اعتبار لتقييمات وتكهنات الاخرين لدى فونغ كارفاي وزملائه في لجنة التحكيم، فقد كانت المفاجأة كبيرة حينما أعلن كارفاي في حفل توزيع الجوائز quot;ترى لجنة التحكيم وباتفاق الاصوات أن فيلمquot; الريح التي عصفت بسنابل الشعير quot;للمخرج كين لوتش هو الفيلم الذي يستحق السعفة الذهبية،. والفيلم هو آخر عمل سينمائي أنجزه المخرج اليساري البريطاني كان لوتش وتدور احداثه في عشرينات القرن الماضي في ايرلندا، حيث تضطر شخصيات الفيلم للجوء الى خيار المقاومة المسلحة من اجل نيل الاستقلال عن العرش البريطاني، بعد أن تفشل جميع الخيارات السلمية. وأثناء تسلمه الجائزة، وفي غمرة التصفيق الحار، قال لوتش:quot;أتمنى أن يرضي فيلمي الحكومة البريطانية وأن يحفزها لمراجعة تاريخها الامبريالي، و دراسة احداث الماضي، تساعد في فهم الظرف الراهنquot;. وقد تخف حدة الاستغراب من تصريحات كهذه حينما نعلم أن لوتش كان يطمح قبل دخوله عالم الفن السابع بدور مصلح اجتماعي، الأمر الذي دفعه لبث افكاره في صلب أعماله السينمائية، كما أنه درس القانون، أكاديميا، ليكون عونا لاولئك الذين سلب منهم حقهم في الحياة، وهي أفكار ومواقف جعلت مسيرة لوتش السينمائية تسير في إتجاه واضح، انه ينجز أفلاما لنقد البرامج الاجتماعية، وهو حريص على مخاطبة المواطن العادي، وساسة بلاده في آن، وبذلك يشاهد كلا المخاطبين أفلام لوتش إنطلاقا من أهميتها السياسية كبيانات ومرافعات عن الحرية والعدالة، الأمر الذي يؤكده لوتش من خلال نقده للمخرجين الذين أنجزوا افلامهم للنخب الثقافية واعتقدوا أنهم قد قدموا بذلك أعمالا عظيمة، فيما يراهن في منجزه السينمائي على مخاطبة المواطن العادي وتوعيته بحقوقه، وهي الخصوصية التي بؤته مكانة رفيعة في السينما البريطانية، فهو لاشك واحد من مخضرمي السينما البريطانية سواء أحببنا أفلامه، أو اختلفنامع اتجاهه السياسي اليساري.
وتقترب بعض افلام لوتش من أجواء الفيلم الوثائقي، بسبب تجربته المهمة في مجال الافلام الوثائقية في بدايات مشواره الفني، وقد عاد اليها في سبعينات القرن الماضي وقدم أعمالا مهمة في هذا المضمار الى جوار أعمال روائية أخرى.ولم تكن الظروف مهيئة لإدامة العمل في مجال السينما الوثائقية بسبب العراقيل التي واجهته في الحقبة التاتشرية فحصر عمله بالافلام الروائية الطويلة.

الحرب ضد بوش
لايترك المثقفون والفنانون الأميركان فرصة لنقد الرئيس الاميركي جورج بوش، إلا واستغلوها، فمنذ حصول فارنهايت 11/9 لمايكل مورعلى السعفة الذهبية عام 2004، ، يواصل المخرجون السينمائيون الأميركان في توجيه سهام نقدهم نحو الادارة الاميركية وفي مقدمتها الرئيس بوش، وادانتهم للحروب التي شنها في افغانستان والعراق ، و الأزمات الاميركية الداخلية، ولم تتخلص الدورة الاخيرة من الطابع السياسي، وقد أثارت بذلك استياء اولئك الذين يعتقدون بضرورة إلغاء التأثيرات السياسية والتركيز على الجانب الفني.
ولاشك في أن الأيام القادمة ستشهد جدلا في أوساط النقد السينمائي حول حصول لوتش على الجائزة وقد بدأت بالفعل موجة الاعتراضات على الدوافع السياسية التي تقف وراء اختيارات لجنة التحكيم.فثمة من النقاد السينمائيين من يرى ان المهرجان قد فقد اعتباره وأهميته في دوراته الثلاث الاخيرة بسبب تسييد الحسابات السياسية على الابعاد الفنية وأن منح السعفة الذهبية للوتش لايمكن أن يكون مبررا بحضور افلام هي من روائع الفن السابع كالعودة وبابل، لقد تحول المهرجان الى منصة سياسية وهذا ما يقلق الحريصين على سمعته الفنية، والدورة ال 59 كرست اعتماد الاعتبارات السياسية في المهرجات العالمية.
لاشك في وجود محبين كثرين لسينما لوتش، وهم يؤمنون بضرورة حضور الاديولوجيا في صميم العمل السينمائي، وفيلمquot; الريح التي عصفت بسنابل الشعيرquot; هو فيلم يحمل جميع المؤهلات التي تجعله الفيلم المفضل لليسار الاوربي، ولكن السؤال الذي المطروح هنا هو هل يستطيع مهرجان كان مواصلة طريقه وفقا للأهداف التي تأسس من اجلها؟