محطة فارقة:
رحل نجيب محفوظ بعد أن تعرض الى محطة فارقة في حياته منذ عام 1994 على يد شاب متطرف..منذ ذلك العام لم يعد يتنقل محفوظ بين شوارع القاهرة ومقاهيها..لم تطأ قدماه الحي الذي ولد فيه..حي الجمالية..بعد هذه المحطة الفارقة في حياته أصبح اتصاله بالعالم من خلال لقائه الاسبوعي مع الاصدقاء وملازمته لحارسه الشخصي... ومساعده quot;الحاج صبريquot; الذي يقرأ له الجرائد والمجلات..ستبقى الامة فارقة في تاريخ الادب المصري والعربي بأن نجيب محفوظ استطاع أن يتعلم الكتابة للمرة الثانية في حياته بعد 4 سنوات من حادثة الاغتيال... ليصدر آخر كتبه عام 2006 بعنوان quot;أحلام فترة النقاهةquot;... 146 حلم عبر عنها بكلمات بسيطة عميقة مؤثرة.. تجسد رؤيته لما يحدث حولنا...محفوظ الذي لم تثنيه هذه العلامة الفارقة في حياته عن حبه للكتابة قائلاً quot;لو عاد بي الزمان الى بداياتي لاخترت أيضاً أن أكون كاتباًquot;.
عامه الاخير:
رحل محفوظ تاركاً إرثاً إبداعياً خاض من أجله في عامه الاخير معركة قضائية في 6 سبتمبر 2005 مع أحد ورثة مكتبة مصر quot;أمير سعيد السحارquot; عندما رفع عليه قضية على أثر إنهاء محفوظ العقد مع مكتبة مصر واختياره دار الشروق لنشر مؤلفاته، مطالباً إياه المثول أمام المحكمة وبتعويض مالي قدره 5 ملايين جنيه، لتنتهي المعركة لصالح محفوظ في 7 ابريل 2006 حيث رفضت محكمة شمال القاهرة الابتدائية الدعوى القضائية بناء على حق محفوظ في التعامل مع دار النشر التي يختارها ويراها الافضل حسب بنود العقد المبرم بينهما...كما أصر في المحافظة على إرثه الابداعي في عامه الأخير عندما تجنب الخوض في مشكلة جديدة مع الأزهر لطبع ونشر روايته quot;اولاد حارتناquot; حيث اشترط ووافقة الازهر قبل طبع الرواية كما اشترط أن يقوم أحد المقربين من جماعة الاخوان المسلمين بكتابة مقدمة له، ليواجه انتقادات عديدة من الادباء والمثقفين، في عامه الأخير شهد محفوظ توثيق سيرته الذاتية ومشواره الأدبي من خلال الاحتفال بعيد ميلاده 94، فأطلقت دار الشروق أول موقع الكتروني لمحفوظ www.shorouk.com/naguibmahfouz كما صدرت العديد من الكتب التي تناولت سيرته وأعماله وحواراته..فقد رحل محفوظ دون أن يكتب سيرته الذاتية..كان يعتبر أن كتابته لسيرته الذاتية أمر غير مجدي، بينما السياسين أو القادة العسكريين هم الذين يتركون بصمة في التاريخ ومن الاجدى أن يكتبوا سيرتهم... كان يرى أن حياته روتينية عادية لا تستحق كتابة سيرة ذاتية... فانشغل الادباء بتوثيق هذه السيرة فكتب رجاء النقاش quot;في حب نجيب محفوظquot;، وجمال الغيطاني quot;المجالس لمحفوظيةquot; ود. مصطفى محمد موسى quot;نجيب محفوظ نوبلquot;، وابراهيم عبد العزيز quot;أنا..نجيب محفوظquot; إضافة الى العدد الخاص من مجلة الهلال بعنوان quot;عش ألف عامquot;، والاعلان عن صدور quot;موسوعة نجيب محفوظ والسينماquot; في مجلدين و1500 صفحة....كما قررت من أجله مجلة quot;نصف الدنياquot; تخصيص جائزة سنوية باسمه لافضل قصة قصيرة نشرت خلال العام، وهي الجائزة الثانية التي تحمل اسمه بعد جائزة quot;نجيب محفوظ للادب الروائيquot; التي يمنحها قسم النشر في الجامعة الامريكية بالقاهرة.
في عامه الاخير خاض آخر معاركه الصحية...عندما سقط في منزله صباح 16 يوليو مما أدى الى نقله الى مستشفى الشرطة..حيث أجريت له عملية جراحية بمقدمة رأسه ومعالجة الكدمات التي أصابت وجهه وذراعيه، وبعد نحو شهر من مكوثه في المستشفى تعرض لزيادة في معدل التنفس وانخفاض في الضغط وزيادة في حموضة الدم ونزيف دموي من الشرج..في أيامه الاخيرة لازم غرفة العناية المركزة في شبه غيبوبة...ورحل محفوظ.. بجسده..رحل بعد أن شهد له من حوله بتواضعه وسماحته وصبره...رحل محفوظ المتزن بمواقفه...رحل محفوظ الذي أمتعنا بابداعه..إبداعه الذي تحيا من خلاله روحه...
التعليقات