تتعدد مفاهيم ماهية الثقافة، بتعدد مواقف منتجي هذه المفاهيم، وبعمق وتنوّع مرجعيات وسائل إنتاج الخطاب الثقافي، ولعل أشمل المفاهيم دلالة في رأينا، الذي يرى في الثقافة، هي مجموع القيم المادية والروحية ووسائل إنتاجها. والقيم المادية والروحية تعني بالضرورة، ثقافة روحية وثقافة مادية. والذي نتوخّاه في حديثنا، الثقافة الروحية، وما يهمنا منها تحديداً الأدب والفن، ومع استحالة الفصل بين الثقافة والسياسة، فسوف يرد في حديثنا فصل قسري مصطنع بين السياسي والمثقف، وهو إجراء قصدي للتمييز بين مستوى أداء ووسائل إنتاج خطابيهما، وليس لترفعٍ من أحدٍ على آخر. فالمثقف الجاد، داخل الشأن العراقي أو خارجه، أحزنته كثيراً تداعيات المرحلة الراهنة. إذْ بعد انهيار الهرم الثقافي والسياسي القمعي، تدفّقت إلى السطح ثقافات فئوية ضاربة في الانشطار. وقد يكون ظهورها طبيعيا ومسوغاً لضراوة المؤسسات الثقافية البائدة، ولكن غير المسوغ، هو دوام ضبابية خطابها الفئوي المنطلق من حقها في إثبات وجودها ولو على حساب الآخر. وهنا يبرز إلى الميدان، احتلال السياسي للخارطة الثقافية على حساب الثقافي، حتى لتجده يناور في مناطق لا تتفق وقدراته الأدائية. مما يخلق حتما ضبابية مقيتة تبعد المثقف عن أداء دوره الحقيقي وفي الوقت المناسب.؟حدث هذا ويحدث بسبب طبيعة البناء الساكولوجي لكل منهما. فالمثقف الجاد غير النفعي لا ينشد موقعاً متنفذاً لأداء دوره. في حين أن السياسي يستعمل أسرع الوسائل للوصول إلى موقع القرار. فيعتمد اللافتة والقناع والبيان وحتى العنف، بينما يعتمد المثقف ndash; الأديب والفنان ndash; المتن الخطابي المعبر عن أعمق القيم الإنسانية نبلاً وثراء. وبسبب تداعيات الأجواء الضبابية لمرحلة المخاض وتباين وسائل الخطاب بين السياسي والمثقف، تحدث بينهما تحالفات مرحلية، أو ما يمكن أن نسميه (هدنة وطنية) ليتحرك المثقف في منطقة يحددها السياسي له. أو يحدث أن ينفر المثقف على الغالب، ليتحرك بإرادته هو في مناطق مناسبة بعيداً عن الوصاية رافضاً المنفعية ومغريات الحماية التي يوفرها له السياسي، نتيجة نفوذه، الذي استحوذ عليه، اعتماداً على المبدأ السيء الصيت lt; الغاية تبرّر الوسيلة gt;.
وفي مرحلتنا هذه، وبعد غياب وتمزّق lt;lt; خيمة العراقيين جميعا gt;gt; الفولاذية والعبودية، هل يرضى المثقف بعبوديات أخرى وخيم فولاذية جديدة؟!!
وبعد أن جاء الخلاص على يد قوى أجنبية، هل لأحدٍ فضل على أحد؟!!
ومعذرة إذا شابت حديثنا مسحة سياسية، فإننا نحيلك عزيزنا القارئ، إلى إشارتنا باستحالة الفصل بين السياسي والمثقف. ولا نغالي إذا قلنا أن أغلب المثقفين يمتلكون انزياحاً سياسيا، وليس أغلب السياسيين يمتلكون انزياحاً ثقافيا.
وإذا افترضنا جدلاً، بوصول المثقف إلى دوره المقبول نسبيا، فمتى يحقّ له الخوض في (الثالوث الخطير) السياسة والدين والجنس؟!!
وهل بعد انقشاع ضبابية الراهن، تنفتح أمامه عوالم أحلامه السرمدية،في الكتابة بحرية وبلا رقيب؟!!!