كوبنهاجن ndash; مثلث الموت:
أول عمل روائي يتناول الوضع العراقي بعد سقوط التمثال
القاهرة ndash; إيلاف: صدرت في القاهرة عن دار ميريت للطباعة والنشر والترجمة، رواية quot; كوبنهاجن - مثلث الموت quot; للناقد الفني العراقي حسين السكاف، والرواية هي المطبوع الأول الذي أصدره دار ميريت للعام 2007.
تعد رواية quot; كوبنهاجن ndash; مثلث الموت quot; العمل الأول الذي يتناول الوضع العراقي بعد دخول القوات الأمريكية واحتلالها العراق، ذلك الوضع الذي قلب موازين وحال العراق والعراقيين رأساً على عقب. ففي الوقت الذي كان العراقي يعاني من ظلم السلطة الدكتاتورية وجبروتها وانتشار سجونها ومعتقلاتها وساحات الإعدامات ومن ثم المقابر الجماعية، صار العراقي يعيش كابوس الذبح والسلب والنهب بفضل الاحتلال الأمريكي، وهذا الوضع الذي تجاوز مرحلة المأساة أو الكارثة بكثير، لجدير بتسليط الضوء على المسبباته والخلفيات السياسية والاجتماعية التي طالما تميز بها quot; أبطاله quot;.
الواضح من عنوان الرواية أن المؤلف قد أخذ منطقة محددة من مناطق العراق تعد الأكثر شهرة في إثارة الرعب، ألا وهي، تلك المنطقة التي صار اسمها quot; مثلث الموت quot; بعد أن صار الاحتلال الأمريكي أمراً واقعاً، وهي بالتحديد مدينة quot; المحمودية quot; التي تقع على بعد 30 كيلومتراً جنوب بغداد وتوابعها من القرى والأرياف مثل اليوسفية واللطيفية ومنطقة القصر الأوسط حتى حدود منطقة الإسكندرية التابعة لمحافظة بابل. وهذا بالفعل ما وجدناه داخل أحداث الرواية.
تدور أحداث الرواية في النصف الثاني من عام 2004، أي بعد مضي أكثر من سنة ونصف على سقوط التمثال. وفيها يتتبع القارئ يوميات الصحفية الدنماركية quot; كميلة أندرسن quot; التي أتت إلى العراق بصحبة زوجها أو عشيقها quot; علاء عجوم quot; الذي يعمل أيضاً في مجال الصحافة، والذي ينتمي إلى مدينة المحمودية حيث ولد وعاش فيها حتى بداية عام 1991، وقت هروبه من العراق جراء حكم بالإعدام أصدرته الحكومة العراقية بحقة كونه رفض المشاركة كجندي عراقي في احتلال الكويت، ليصل بعد ذلك وفي العام نفسه إلى الدانمارك ويحصل على حق اللجوء السياسي. إلا أننا نجد أن الكاتب قد ذهب أبعد من تلك الحقبة الزمنية حين حرص على سرد السيرة التاريخية لحياة quot; علاء عجوم أو علاء كاظم quot; وأشخاص آخرين كي يضمن من خلالها سرد السيرة الذاتية لمدينة المحمودية وتوابعها من النواحي والقرى والأرياف التي سميت مؤخراً بـ quot; مثلث الموت quot;. وهذا ما كان واضحاً من خلال الوصف الجغرافي للمدينة وتتبع السيرة الذاتية لشخوص الرواية.
والصحفية كميلة أندرسن كما جاء في الرواية، أتت إلى العراق بمهمة إجراء تحقيق صحفي عن منطقة آثار بابل بعد أن كثرت الأقاويل حول التخريب والسرقات التي حصلت في تلك المنطقة فترة الحكم الدكتاتوري والفترة القصيرة التي تلتها، أي فترة الاحتلال. ثم يشير العمل إلى إشاعة مفادها، أن هناك فريق من الآثاريين الإسرائيليين كانوا قد دخلوا مع قوات الاحتلال ليعسكروا في منطقة الآثار كي ينقبوا عن آثار تاريخهم المفترض.علاف الرواية
العمل يركز على ثلاث نقاط مهمة كانت السبب المباشر ndash; حسب ما يراه المؤلف - في ظهور سيول الدم المراق على أرض العراق وبشكل يومي، أولها: هو أن مدينة المحمودية بتاريخها وحاضرها كمدينة صغيرة تمتاز بطابعها التربوي الفلاحي ومدنيتها في مواكبة الثقافة والفنون، وهذا ما كان يعرف عنها قبل الاحتلال. إلاّ أن تحولها إلى منطقة تعج بالجماعات المسلحة من التكفيريين وقطاع الطرق ورجال العصابات من قوى الأمن والمخابرات التي كانت تعمل ضمن المؤسسات الأمنية التابعة للحكومة الزائلة، حيث أصبحت شوارع المدينة وأزقتها وبساتينها أماكن قتل ورعب ارتكبت فيها أبشع الجرام، فالأمر بحاجة إلى دراسة متأنية. ومن هذه الزاوية تظهر الرواية كيفية تحول تلك المنطقة من مدينة تهتم بالأدب والفن والثقافة حيث خرج من بين أبنائها العديد من الفنانين والشعراء والكتاب المرموقين، إلى مثلث موت، مدينة يخشاها أبنائها قبل غيرهم. وهذا الجانب يقود القارئ حسب ما جاء في الرواية إلى النقطة الثانية الأكثر أهمية، ألا وهي تحول أبناء الريف من أيادي فلاحية منتجة إلى عناصر مخابراتية مستهلكة بعد أن أدخلهم صدام حسين في ماكينته العسكرية ليكونوا ضباطاً في أجهزته الأمنية المختلفة، لتتحول المناطق الريفية بعد ذلك إلى ثكنات عسكرية ومستودعات أسلحة تحت ذريعة quot; الحزام الأمني لمنطقة بغداد quot;، فمدينة المحمودية كما جاء في الرواية لا تختلف كثيراً عن المناطق الساخنة الأخرى المحيطة بالعاصمة العراقية بغداد مثل الفلوجة والعامرية وديالى وغيرها، كون أن أغلب تلك المناطق كانت أيضاً ضمن ما كان يسمى بالحزام الأمني لمنطقة بغداد.
أما النقطة الثالة التي أشارت لها الرواية، والتي تعد من المخلفات الكارثية لحروب وإعدامات الدكتاتور، هي ظاهرة الأيتام - أيتام حروب الدكتاتور التي امتدت سنوات طوالاً ndash; حيث تشير الرواية إلى أن من يسيطر على الشارع العراقي في وقنا الراهن، ومنذ سقوط التمثال، هم أيتام حروب الدكتاتور كما جاء في العبارة التالية: ( لم يكن سلمان داود أسوأ نموذج لأيتام العراق، بل هناك من هو أكثر سوءاً، فالحروب التي شهدها العراق، والإعدامات المجانية التي كان يتعرض لها أبناء المجتمع العراقي، قد أنتجت ملايين الأيتام، نعم ملايين الأيتام، هم من يقود الشارع العراقي الآن. وهذا ما دعا الأستاذ عبد الإله مدرس مادة اللغة العربية، إلى التحدث بمرارة واضحة .... ما بالكم بأيتام الحروب الذين اتخذوا من الشوارع مكاناً للتعلم والتربية والنوم والمعيشة؟ أيتام لم يعلمهم أحد، لم يعرفوا دفء الأسرة وحنان الأم ورأفة الأب، أيتام تعلموا الشحاذة وتعرضوا للاغتصاب ودخلوا السجون وامتصت الأرصفة الباردة كراماتهم ... نعم، أيتام الحروب يقودون العراق حيث الهاوية ) هذه العبارة وغيرها من العبارات، كانت شديدة الوضوح في مغزاها الذي أريد منه أن يشد انتباه القارئ إلى الأسباب الحقيقة لظهور كارثة الإرهاب والقتل على الهوية وغيرها من الجرائم التي صار الفرد العراقي يدفع ثمنها يومياً.
اتخذ الكاتب من مدينة المحمودية متكأ كي يسقط الصورة بحجمها الحقيقي لتأخذ كافة مناطق العراق، فليست هناك فوارق كبيرة بين مدينة عراقية وأخرى من حيث بشاعة الجرائم التي ترتكب على أرضها وبين أزقتها، فكل مناطق العراق خضعت لحكم الدكتاتور، وفيها زرع رجال مخابراته وأمنه وجيشه، وفي كل مدينة عراقية كانت هناك ساحات إعدام وجرائم ترتكب بحجة الحفاظ على سلامة quot; الوطن quot;.
الرواية كتبت بأسلوب سردي بسيط، حيث يجد القارئ وبشكل واضح، أن إيصال فكرة العمل والتركيز على بعض القرارات والأحداث التي جرت فترة الحكم السابق بشكل أرشيفي منظم، هو ما كان يشغل تفكير الكاتب، حيث نجده وقد ابتعد في أسلوبه عن صياغة العبارات بشكل رمزي أو شعري كي يمنح فكرة العمل مساحة أوسع.
التعليقات