لكن البذور التي غرستها أثمرت
انطفأت شمعة حرية وثقافة ومحبة في لندن بوفاة الكاتبة والناشرة والفنانة اللبنانية مي غصوب بعد تعرضها لعارض صحي مفاجيء اختطفها من محبيها واصدقائها في بريطانيا ولبنان وسائر انحاء العالم، وخسرت بنتيجته لندن زهرة امتدت جذورها اللبنانية والعربية والانسانية امتدادا واسعا.
مي غصوب امرأة كرست حياتها للاخرين، واستمدت قوتها من سعادتهم، فسقطت سقطتها الاولي جريحة دفاعا عن مخيم تل الزعتر في لبنان ونزلائه من اللاجئين الفلسطينيين الذين كانوا يتعرضون لمجزرة وحشية.
واصيبت وفقدت احدي عينيها وهي تنقل جريحا الي المستشفي في وقت انهالت عليها القذائف. ولكنها صمدت وحولت معركتها الانسانية الميدانية ضد الطغيان الي معركة ثقافية في سبيل توعية البشر، فاسست هي وصديق عمرها أندره كسبار مكتبة الساقي في لندن عام 1978 التي اصبحت الان احدي اهم مكتبات بريطانيا وواحدة من اهم دور النشر في العالم.
ورسمت ونحتت وكتبت وساعدت كل من طلب منها المساعدة، ورفضت الانصياع للايديولوجيات الجامدة، فكانت مواقفها السياسية عميقة وموضوعية وملتزمة في الوقت عينه. ومع انها رفضت زيف الانظمة الديكتاتورية العربية وابتعدت عن الايديولوجيات الدينية المتطرفة والحاقدة، فانها تظاهرت مع المدافعين عن سكان جنوب لبنان الذين تعرضوا للقصف الوحشي الصيف الماضي، ولم تفوت مناسبة الا ووقفت فيها الي جانب الضعفاء في هذا العالم والذين يتعرضون لسائر انواع القمع.
وقد ودعناها سويا مع زوجها الكاتب حازم صاغية وشقيقتها هدي والدموع تنساب من اعيننا، وكل منا لا يعرف اذا كان عليه ان يعزي الآخر او ان يقبل التعازي منه.
ومما لا شك فيه ان لندن من دون مي غصوب لن تكون المدينة النابضة بالحياة التي احبتها وعاشت سنواتها الاخيرة فيها.
كما ستكون الجالية العربية في هذا البلد يتيمة في غيابها.
الي من سيذهب الكتاب الكبار الذين ترفض دور النشر الغربية نشر افكارهم الناقدة، ومعلوماتهم التاريخية التي تناقض الامبريالية الجديدة المنتشرة في العالم حاليا؟ من سيدعم المرأة العربية في الدول المتخلفة التي ما زالت تعيش في القرون الوسطي؟ من سيقف في وجه العنصرية والفاشية ضد الذين يختارون الاختلاف في طريقة حياتهم وفي طبيعة علاقاتهم مع الآخرين؟
لم يكن لهذه الامرأة الجادة اي عدو، فالكل شعر بأنها حليفته، وربما لهذا السبب انتشلها القدر من هذا العالم الرديء الحالي الذي تخيم عليه الصراعات والعداوات الدينية والاثنية والسياسية.
نامي ايتها الاخت الحبيبة فأحلامك وانسانيتك باقيتان في لوحات فنية او تماثيل منحوتة او في قطع موسيقية سنستمر في التمتع بها. (عن quot;القدس العربيquot; اللندنية)
كاتب وصحافي من لبنان يقيم في لندن
التعليقات