نصر جميل شعث: أن تصلك، من المكسيك، quot;قصائد مختارة quot; للشاعر المكسيكي خايمي سابينس الذي ينحدر من أصول لبنانية، والذي كان أهمل قصيدةً اسمها quot;أمريكاquot; نهائياً، بحيث لم تظهر في أية مجموعة له لاحقاً؛ فهذا يعني قدرة الشعر على اختراق الحواجز السياسية والعسكرية التي تعصف بالمكان. وأنا إذ أقلّبُ المجموعة، الآن، أستحضر قولاً جميلاً بهذه المناسبة، حيث: الغبطة الحقة لعاشق الكتب قد لخصتها إديث وارنون تلخيصاً يستحق الإعجاب على أنها تقليب الصفحات الباذخ، واحدة في إثر الأخرى، والاستسلام غير الوضيع على نحو هابط، وإنما المتعمّد والحريص، دون أن يفارقك ذكاؤك، إذ تضع نفسك في رعاية الكتاب.. وهذا ما يدعوه الناقد البريطاني هولبرك جاكسون بالقراءة. وكانت صدرت، قريباً، القصائد المختارة للشاعر سابينس، حيث هيأ النص العربي قيصر عفيف، عن quot;دار نلسquot; في السويد، بالتعاون مع مجلة quot;الحركة الشعريةquot; التي تصدر من المكسيك

ة
تقع في 108 صفحة من القطع المتوسط، وتضم23 قصيدة مترجمة من الإسبانية إلى العربية، تنتهي آخر قصيدة فيها عند صفحة 107. تتعرض المقدمة، التي وضعها المترجم للحديث عن الشاعر وقصائده، لجانب من تاريخ الهجرة اللبنانية التي بدأت منذ منتصف القرن 18. فمن ثلاثة أخوة استقر ريمون وشقيقه إبراهيم في كوبا. أما خليل، الشقيق الثالث فاستقر في المكسيك، والتحق بالجيش الجمهوري تحت قيادة الرئيس فنستيانو كانزا، ووصل إلى رتبه رائد وعرف باسم خوليو. أرسله الجيش مع فرقة إلى ولاية تشيابس الجنوبية وهناك وقع في غرام ابنه حاكم الولاية وتزوجها. أنجب منها ثلاثة أولاد خوان 1920، خورخي 1923، وخايمي 1926 الذي كان أصغرهم وبالتالي أكثرهم دلالا والذي سيصبح أكثر شعراء المكسيك شهرة وشعبية في القرن العشرين.


وأما بخصوص القصائد المختارة، فتتميز بالبساطة والسلاسة والتعابير الواضحة. مُستمدةً صورها من الحياة الريفية في المكسيك. حيث يبرز اغتناء التجربة من تقلبات الشاعر بين الريف والمدينة. وتحمل القصائد معاني الوجود العميقة للمعاناة البشرية. يقول الشاعر ساينس - نقلاً عن المقدمة التي كتبها المترجم ndash; : quot;أظن أن سنوات الوحدة والألم هي التي صنعت الشاعر فيّ. تعلمت الوحدة والقلق والاضطراب في الحياة البشرية، قرأت بجنون خصوصاً الكتاب المقدس. كان الكتاب عزائي لا بالمعنى الديني، ولكن لأني رأيت فيه أناساً آخرين يتألمون ويتعانون الوحدة والحب وتحطمهم الحياة كل يومquot;. وتورد المقدمة أنه: quot;في العام 1950 أيقن سابينس أن له صوتاً شعرياً خاصاً به، فقرّر أن يصدر مجموعته الأولى Horal. وحين عرض عليه الشاعر كارلوس بيّسر، والذي يعتبره اكتافيو باث رائد الحداثة في الشعر المكسيكي، كتابةَ مقدمة للمجموعة رفض رفضاً قاطعاً، وعلّل رفضه بأنه لا يريد أن يبدأ المشي على عكاكيز يستعيرها من شاعر آخر. مطالباً الشعراء الشباب بأن يعيشوا صخب الحياة أولاً، ثم يكتبون عنها. وتساءل: إذا لم نكتب عن الحياة، فعن أي شيء آخر نكتب؟ والحياة هي كل الأشياء التي تحيط بنا لها أنا اكتب عن غرفتي، عن سريري، وعن حذائي، وسيجارتي.

وربما لهذا السبب أطلقوا عليه شاعر الحياة والموت. ولم يكن سهلاً على المترجم اختيار قصائد لترجمتها لشاعر قال عنه مرة اكتافيو باث إنه أفضل شعراء الأسبانية. لذا كان معظم القصائد التي ترجمت من تلك التي كان يحلو للشاعر أن يلقيها في سنواته الأخيرة. يقول المترجم: quot;كان لدي شريط لأمسية ألقاها الشاعر في الجامعة الوطنية، وشريط آخر لقصائد ألقاها في قصر الفنون الجميلة في العاصمة مكسيكو، وكنت كل مساء أستمع إلى القصيدة التي أنوي ترجمتها وأغفو على صوته يتردد في مسمعي وأعمد في صباح اليوم التالي إلى ترجمتها وصوته يعلانيquot;. وهذا القول مهم، لأنه يظهر لنا عملية الترجمة وحيثياتها الجمالية المستندة إلى السماعي؛ بما ينطوي عليه ذلك من مجاراة لأسلوب الشاعر المباشر والبسيط بكلماته العادية بقطفها من تجربة الشارع أكثر من شجرة اللغة الأكاديمية. لذلك تتميز القصائد المترجمة بسلاسة وبانسياب حلو، وبجريان وخفة رائعة للأشياء، معها تحفظ الترجمةُ الشعرية جمالَ التجربة الشعرية الأصيلة، حتى ولو قطفناها من لغة أخرى. بقي أن نشير إلى استعانة المترجم ببعض الكلمات المستعملة في العامية اللبنانية. هناك قصيدة واحدة يقول المترجم أنه عجز عن ترجمتها إلى العربية الفصحى لأنه رأى أنها تخسر كثيراً من شفافيتها وعفويتها. لذا عمد إلى نقلها إلى العامية اللبنانية، وتركها في آخر المجموعة. وهي بعنوان quot;اللهquot;.