quot;اسمح لي أن أزيح عنك ثقلا
تنوء به يوما عن يوم: أنا!quot;
(ص. 48)

عبد الله كرمون من باريس: إن ما يشغل سيسيل سلانكا في quot;كيف أقول له وداعاquot;، الصادر لدى ليانا ليفي هذا العام، إذن ليس هو الحب في ذاته أو في كل الأحوال ليس بشكل مباشر ولكن الفراق أي نهاية علاقة زوجين (بالمعنى العددي). ما الذي صنعها وكيف تنفجر؟ صحيح أن ثمة تحديدا هاما فقط في الصفحة 34، يجعل إعلانا ثمة عن تضامن العائلة مع سيسيل سلانكا، بعد موت رباط الزوجية الذي كان يصلها مع زوجها بعد مرض طويل، وأن مراسيم الدفن سوف تتم في احترام صارم للتقاليد.
أليس هذا إذن أجمل انطلاق لنص حيوي من خلال ذات الكاتبة، من أجل تناول أحاسيس ومواقف يحياها الجميع. جمالية النص إذن تتلاقى مع احتفائه بحقيقة اجتماعية أو سوسيوسيكولوجية باالتحديد، الزواج كعلاقة ارتباط مقدس بين رجل وامرأة.
كما أن كل الرسائل التي تضمنها الكتاب هي تنويعات حول المرسل والمرسل إليه، مع أنها جميعها تعني ذات الكاتبة، في الوقت الذي تعني فيه الجميع باعتبارها أدبا.
تكتب له إذ يتعلق الأمر بانفصال: quot;سوف تجد كل ما يلزمك حيث يلزم، ماعدا امرأتك!quot; ً(ص11) ذلك أنها ـوإن كانت ليست هي نفس المرأة حسب مواضعات الكاتبة، وإن كنت سوف أجعل قراءتي لنصوص الكتاب كلها على أنها من شخص واحد إلى نفس المرسل الذي يتحول في اطراد إلى مرسل إليه ـ ليست ترى في الحقيقة في فقده سوى كل الربح!
أو هو مثلا إذ يكتب: quot;لكني أحب سونياquot;.
ما يحدث في الغالب وبحزم بالغ إذ تجعله يقرأ بمرارة قصوى هذه الكلمات: quot;لا داعي لأن تغضب، لقد غيرت قفل الباب، وأكثر من ذلك لست هنا. ارتطم بشيء آخر واستند على أحد آخر غيري وانسانيquot;. (ص.17). أما عندما يستعير الرجل لغة أخرى ويلطم وجه الولهانة بلهجتها المرة مثل: quot;تشاو بيلالا، الحياة ستكون أكثر حلاوة من دونكquot; (ص18) فإن الألم يكون مضاعفا.
الكاتبة التي لربما يمكن أن تمنح في الآتي نتاجا أكثر عمقا، إذ سبق لها أن أنجزت رسالة جامعية في الأدب حول المقاهي باعتبارها فضاءات جديدة للفكر في القرن الثامن عشرة. يمكنها أن تمضي أكثر في تمريناتها الأنثربولوجية الجميلة حول أمور مختلفة في اليومي والثقافي كتنويعات حضرية ونفسية.
يتلقى بطاقة تحتوي مثلا: quot;وداعا، جبان، ثور، خنزير، quot;عطايquot;quot; (ص20). أو بالأحرى، إذ تشكره لأنه عرفها على آخر، الذي أخذها منه: quot;وداعا غريغور، أشكرك لأنك عرفتني على فلوريانquot; (ص21) أو هو إذ يكتب: quot;مع السلامة وشكرا على كل شيءquot; (ص22).
هل لأن هذا الفراق لازم إذن ولابد منه أو هو بحق ضرورة تاريخية كما كنا نقول في أزمنة ماركسية الخطاب، تقول (ص24/25) quot;أفضّل أن أفقد زوجي وأستعيد طعم الحياةquot;.
أو لما لم يعد يذكر منها وعنها أي شيء. من أين جاءت وكيف عرفها أين ومتى؟ ذلك أنه ليس نادما على شيء سوى على كونه قد تعرف عليها. (ص27).
اللفتات الفلسفية التي ليست تبين كثيرا في مقطوعات سيسيل البسيطة أحيانا لكن الموحية غالبا نشهد أنها تتخلل النص من أوله إلى آخره. تكتب له وقد مضت فعلا: quot;ستجد في هذه القارورة ما كان من الممكن أن يكون ابننا. وداعاquot; (ص28). أو الذي يعاود الكرة في هجوم عوض دفاع غير مجد يكتب لها متسائلا: quot;قحبتي الجميلة، أتكتشفين من سيغادرك؟ هل هو بيير أم باتريك؟
أو هذا الأمر الذي أجد أنه ليس جنسانيا: quot;لا أغادرك بل أنجو منك. وداعاquot; (ص33). المرأة التي تلوح دائما بلائحة مقتنيات رجلها إذ عددتها على الورق: quot;عجل، سمك، خضر، خنزير، حلوى، جعة، مناديل، جعة، مناديل، جعة، مناديل. وداعاquot; (ص36).
أو quot;بما أنك تطلب مني دون توقف أن أحسم مع اليوميquot; (ص38). لذلك غادرتْ، إذ اليومي هو تلك العلاقة السيئة التي تلتهم الروح. لذا نراها تترك في بطاقة: quot;أنا حامل. لم أعد بحاجة إليك. يمكنك أن تحزم حقائبكquot;. (ص66). تلك التي تنجز أشغال البيت في الوقت الذي يتابع فيه زوجها مشاهدة كل مباريات التنس عبر التلفاز.
الرسالة التي عنونتها سيسيل بquot;منطقquot; جميلة للغاية: quot;عندما نحب يجب أن نغادر. أما أنا فلم أعد أحبك، غير أن ذلك ليس سببا كافيا لأن أبقى. وداعاquot; (ص40) أو في quot;حدسquot; quot;لست أدري لماذا أغادرك لكنني فقط أدرك أن ذلك هو كل ما أحتاجه تماماquot; (ص43). أو تكتب له بكل الشراسة اللازمة لتلك اللحظة المختلطة بالغيظ والرغبة في الانتقام والإحساس المضني بالضياع. تكتب في ثلاثة أماكن:
الأول: quot; أنا متأسفة. لم يعد ثمة حبل في القبو، إذ أحتاجه كي أحزم به أمتعتي من عل عربتك، غير أنه ثمة مايكفي من الفاليوم في غرفة الحمامquot; (ص41
الثاني: عندما ترغب ألا يكون حاضرا في البيت في الوقت الذي يطرق فيه ساعي البريد الباب كي يسلمه رسالتها، وأن يكون عكس ذلك في خضم مياه نهر السين منهمكا في الغرق، إذ تقول له أنها وإن لم يكن الأمر كذلك فهي مصرة على فسخ خطوبتهما، وتضيف من أجل قسوة أخرى إضافية: quot;لا أحييكquot; (ص98).
الثالث: في quot;انتقامquot; إذ رصعت نصها بما يلي: quot;أدع لك العربة في نفس الحالة التي تركت فيها قلبيquot; (ص95).
ثمة بالفعل عناوين واضحة تلحظها العين وترى اقتران معناها بما يليها أو بما تدل عليه، فثمة مثلا في quot;توضيحquot; إعلان قاس بغفلة ما في الفهم والمعنى والزمن الذي يسيل بلا وقع واع حول ما يجري حوالينا. يغادرها، quot;ليس لأنني لم أعد أحبك... ولكنني أعتقد أني لم يسبق لي أن أحببتك قطquot; (ص56).
جميل أيضا أن تضمّن سيسيل في كتابها أمرين جديرين بانتباه خاص، سواء كونهما يسترعيان انتباه وفضول القارئ أو لأنهما بفعل ذلك ينطويان على ذكاء ما. عندما يكاتبها أولا ذلك الذي يرتكب أخطاء لغوية فادحة في الكتابة، يقول لها أنه لم يرتكب أي خطأ في مشواره معها سوى أن يكن قد ضيع معها وقتا طويلا(ص59). أو عندما تكتب رسالة بخط مقلوب يقرأ معكوسا. تكتب له وتطالبه بأن الأمر لا يعدو أن يكون آخر طلباتها آخر مجهود تطلب منه بذله.
جميل أن تعلن على حين غرة أنه: quot;ما كان علينا أن نفترق في الخريف كي نتمكن من الاستفادة من الدفء في الشتاء، غير أنه لن يكون أبدا بمقدوري انتظار الربيع...quot;(ص60).
هذه المرأة المشتتة إذن بين أمرين، الدفء الذي ترغب فيه وتخوفها من عدم قدرتها على قطع طريق الشتاء العصيب.
تقول طبعا في مكان أخر: quot;أنت سادس عشرة فتى أغادره، لكنك أول من لم أندم عليه قطquot; (ص62) أو quot;وداعا سيغموند، أنا لست أمك!quot; (ص63).
أو إذ يكتب: quot;ليس ثمة من عدل على هذه الأرض، والدليل على ذلك أنني أكبر وغد إذ أغادركquot; (ص90).
الكتاب إذن تفكير جميل في تراجيديا تلعثم معقول وعبثي غالبا في التمترس خلف صعوبة المغادرة أو ضنى البقاء. قد تعطي سيسيل سلانكا فيما بعد الكثير. وفي انتظار ذلك، نقرأ في الصفحة 106 ما يلي: quot;لقد تواعدنا ذات يوم أن نحب إلى الأبد. لقد بدأ الخلود بالنسبة لي... وداعا. سوف أمضي للبحث عن الزائلquot;.
[email protected]