سلوى اللوباني من القاهرة: عندما فكرت مجلة الهلال أن تصدر عدداً خاصاً عن الكاتب والناقد الاستاذ quot;رجاء النقاشquot; وبدأت إعداد خطة تنفيذه.. رفض أ. رجاء الفكرة قائلاً لا يهم الناس أن تقرأ عني.. ومن أكون حتى تصدر الهلال عدداً خاصاً عن رجاء النقاش...الى أن انتزع مجدي الدقاق رئيس تحرير الهلال موافقته.. رحب 50 كاتباً بالفكرة من مصر وفلسطين وسوريا واليمن وليبيا والاردن. وخلال 15 يوماً كان هناك 50 دراسة ومقالاً وقصيدة ونحو 15 بورتريهاً ولوحة ترسم ملامح رجاء النقاش..القلم... والانسان.

54 سنة صحافة
ضم العدد الخاص برجاء النقاش الكثير من الكلمات الجميلة التي تكشف خصائصه الانسانية قبل الادبية فهو كاتباً وصحفياً وناقداً أثرى الحياة الادبية في مصر طوال 50 عاماً. كما احتوى العدد على آرائه بالانتاج الثقافي وبقصيدة النثر وأهم الكتب التي أثرت به اضافة الى رأيه برؤساء مصر من عبد الناصر الى الرئيس حسني مبارك. كما ضم محطات حياته المهنية والمواقف الصعبة التي واجهها. عمل رجاء النقاش بالصحافة منذ عام 1953..عندما اختاره زكريا الحجاوي ليعمل في جريدة كانت تحت الانشاء في ذلك الوقت وهي جريدة الجمهورية. كانت وظيفة متواضعة وهي التصحيح، وكان طالباً في الجامعة في تلك الفترة وبأشد الحاجة لمثل هذا العمل فقد كانت ظروفه الاقتصادية سيئة ولم تساعده على إكمال تعليمه الجامعي، وكان مرتبه بالشهر 10 جنيهات وهذه الجنيهات القليلة كان لها فضل على اكمال تعليمه الجامعي. أما عن أول صدمة ثقافية في حياته هي.. عندما تفاجأ قبل صدور العدد الاول من الجريدة تم إصدار قرار من السادات بايقاف زكريا الحجاوي عن العمل ومنعه من دخول الجريدة، بناء على ما وصله من تقارير زائفة بالطبع إن الحجاوي يتآمر عليه، وبعد فترة من صدور الجريدة تعرض النقاش أيضاً للفصل، ثم رشحه الاستاذ أنور المعداوي للعمل في المجلة الاسبوعية وكان عمله مراجعاً لكل المادة التي تنشر فيها. بعد تخرجه من كلية الاداب سنة 1956 عمل في الاذاعة في قسم التمثيليات مع الاستاذ يوسف الحطاب، كان قارئاً للنصوص ثم انتقل للعمل مع الكاتب سعد الدين وهبة في المجلة التي كان يحررها وهي البوليس، إنتقل بعدها للعمل في جريدة الجماهير تصدر في دمشق في أيام الوحدة بين مصر وسوريا، ولم تستطع الجريدة بالاستمرار بعد توالي التقارير السرية الامنية ضدها وضد رئيس تحريرها د جمال الاتاسي، وتوقفت عن الصدور.مما اضطره العودة الى مصر في ظروف بالغة الصعوبة، فلم يكن لديه مرتب ولم يحصل على مكافأة ولا على أي شي، بعد عودته الى مصر عمل في عدة مجلات..مجلة روز اليوسف، أخبار اليوم، جريدة الجمهورية، ومنها الى دار الهلال مع أحمد بهاء الدين، ليتولى رئاسة تحرير مجلة الكواكب، وتولى أيضاً بعدها رئاسة تحرير الهلال، وانتقل للعمل في مجلة الاذاعة والتلفزيون رئيساً لمجلس الادارة ورئيسا للتحرير. وقد لاقت الاعداد التي أصدرها نجاحاً كبيراً الا إن الظروف التي أحاطت بهذا العمل كانت صعبة جداً وكان سعيداً بخروجه منها دون أن يزج به في السجن بتهمة الانتماء لمراكز القوى، وهي تهمة ملفقة تعرض لها كثيرون.

محفوظ ويوسف السباعي
ومن المواقف التي واجهته أثناء توليه عمله في إدارة مجلة الهلال بدأت عندما حاولت أمينة السعيد رئيسة مجلس إدارة الهلال أن تصدر قراراً برئاسته لتحرير المجلة، فهو كان عملياً رئيسها ورأت أن تثبيته أمراً هاماً بدلاً مما كان يكتب في كل عدد عبارة quot;أشرف على تحرير العدد رجاء النقاشquot;، وفوجئت أمينة السعيد بأن الرئيس أنور السادات يستدعيها ويقول لها أن لا تصدري قراراً بتعيين النقاش لان يوسف السباعي جاءني وقال لي إذا حدث ذلك فسوف أستقيل من كل مناصبي. فعلى حد قول النقاش أن يوسف السباعي كان يعترض بشدة على تعيينه رئيساً للتحرير لانه كان يرى أنه كان منحازاً لنجيب محفوظ ضده، إلا أن النقاش يوضح بأنه لم يكن في ذهنه شئ من ذلك. ولم يكن يتصور أن الاعجاب بنجيب محفوظ يعني إغضاب يوسف السباعي حتى حدثت هذه القصة الغريبة. فعرف أن يوسف السباعي يحمل في نفسه مرارة تجاهه لا يمكن التخلص منها أبداً. وأيضاً كان السباعي في ذلك الوقت في مركز من أقوى المراكز في عصر السادات، فسافر النقاش للعمل في قطر عام 1979 حيث ساهم في إنشاء جريدة الراية التي لا تزال تصدر حتى الان وكان أول مدير لتحريرها.

آراؤه الثقافية
من آرائه الثافية التي نادى بها.. إعادة إحياء الانتاج الثقافي للقرن العشرين. فهو يرى أنه قرن عبقري في الثقافة العربية، ويجب أن نضعه بين أيدينا وأمام أجيالنا الجديدة. لانه بداية نهضة كبيرة نحتاج اليها ولا يمكن لهذه النهضة أن تتم دون أن نكون على صلة وثيقة بانتاج القرن العشرين. فهو قرن تجديد اللغة والفكر الديني وفتح الابواب أمام الفكر السياسي الغربي الذي بدون استيعابه والاستفادة منه لا يمكن أن نقيم حياة سياسية سليمة. وهو القرن الذي عرفنا فيه المسرح وأصبح فيه كتاب موهوبون وعرفنا القصة والرواية، فيجب إعادة نشر تراث القرن العشرين بأمانة وعناية ونحرص على أن يصل الى الجماهير الشعبية الواسعة. أما عن الثقافة الحالية للاسف يقول بانها لا تشغل إلا هامش الحياة العربية. فلا أهل السلطة ينظرون اليها نظرة إهتمام جدي، ولا الجمهور يهتم بها ويقبل عليها، لان السياسة والهموم الاقتصادية ابتلعت دور الثقافة وأعادته كثيراً الى الوراء. وهو وضع خطير لانه عندما تختفي الثقافة الحقيقية تحل محلها ثقافة زائفة مليئة بالخرافات والانحرافات وتلك هي البيئة التي يظهر فيها التعصب والتطرف وانعدام الحوار والاهتمام بالشكليات والبعد عن جوهر الامر. وهذه الثقافة الزائفة هي ثقافة التخلف وهي التي تعوق نهضة الامة وتقدمها. فنحن ننهزم وننكسر في كل مواجهة جدية لاننا لا نملك المقومات الثقافية الحقيقية لمثل هذه المواجهة.

رؤساء مصر
وعن رؤساء مصر يقول.. إن وجهة نظره قد يعترض عليها البعض فهو يدعو الى معاملة زعماء مصر عند دراستهم تاريخياً معاملة منصفة تقوم على الاحترام ومحاولة الفهم الصحيح والظروف الصعبة التي كانت تحيط بهؤلاء الزعماء في فترة قيادتهم. أما النظرة العشوائية العاطفية الشخصية اليهم فهي غير موضوعية وغير مرضية. يقول ..الزعماء لا يتصرفون من فراغ ولكنهم يكونون محاطين دائماً بظروف داخلية وأخرى خارجية عليهم أن يحسبوا حسابها ويضعونها أمام عيونهم وهم يتخذون قراراتهم. وبعض هذه الظروف تكون ظاهرة للرأي العام وبعضها الاخر يكون معروفاً للزعماء فقط. ويكون من الصعب الكشف عنه لما قد يترتب على ذلك من نتائج سلبية. ولا بأس بعد ذلك من أن يكون هناك إختلاف وإعتراض على بعض ما يستحق الاعتراض.. ولكن بعد البحث والدراسة والتأني في معرفة الظروف والاحوال.