الفنان التشكيلي أحمد الشرع في ضيافة نادي الرافدين الثقافي العراقي في برلين


في باكورة موسمه لهذا العام 2007 أقام نادي الرافدين الثقافي العراقي أمسية ثقافية استضاف فيها الفنان التشكيلي أحمد الشرع ليقدم عرضا لتجربته التشكيلية معززة بصور للوحاته تمثل المراحل المختلفة من تطور فنه و تنوعه الأسلوبي. قدم لهذه الندوة و أدارها الفنان و الناقد التشكيلي منير العبيدي. قدم العبيدي الفنان الشرع بمقدمة مختصره عن تاريخه الشخصي كما تضمنه موقعه على الانترنت، و قدم تحليلا نقديا للاتجاهات العامة لفنه.بعدها قام الفنان الشرع بتقديم صور لنماذج من لوحاته على جمهور نادي الرافدين في برلين و قدم شرحا إيضاحيا لمزاياه الأسلوبية و تنوعها. و في نهاية العرض فتح باب النقاش حول التجربة التشكيلية للفنان ساهم فيه العديد من الفنانين التشكيليين من زملاء الفنان و جمهور الفن.

الفنان الشرع

ولد الفنان أحمد الشرع في بغداد عام 1967 ودرس الفن في أكاديمية الفنون الجميلة بجامعة بغداد. شارك في العشرات من المعارض المشتركة في داخل و خارج القطر مثل : مهرجانات الواسطي، معارض الفنانين الشباب و المعارض المقامة على هامش مهرجان بابل الدولي للفنون في بغداد، شارك في المعارض المشتركة المقامة في العديد من الدول العربية كما في عُمان و الأردن و اليمن. أقام الشرع العديد من المعارض شخصية و اشترك في معارض أخرى مشتركة في العديد من الدول الأوربية كمشاركته في مهرجان كابروفو في بلغاريا.... و اخيرا و بعد اقامته في ألمانيا شارك في العديد المعارض المقامة في عدد من المدن الالمانية كلوبك و شتوتكارت و برلين قام الفنان أحمد الشرع بتدريس مادة الرسم في العديد من المؤسسات الألمانية مثل:
volks hoch schule stuttgart و volks hoch schule leinfinden و غيرها. و كان قبل مغادرته العراق قد قام بتدريس مادة الرسم في معهد الفنون الجميلة ببغداد.

التحليل النقدي
في بداية الأمسية، كما ذكرنا، قدم الفنان و الناقد منير العبيدي عرضا نقديا موجزا للإتجاهات الرئيسة في أعمال الفنان الشرع جاء فيها:يمكن الاتفاق مع ما فعله الفنان الشرع في تقسيم فنه، كما فعل في الموقع الخاص به على شبكة الانترنت و في التحضيرات لهذه الأمسية، الى ثلاثة اتجاهات مختلفة هي : الحداثة، الواقعية، و فن البورتريه.
بالرغم من أن فن البورترية بالأسلوب الذي رسم به الشرع يمكن ان يكون ضمن المدرسة الواقعية أو ضمن المدرسة الانطباعية كما سنلاحظ، نجد أن لا ضير من اعتماد هذا التقسيم ما دام الفنان الشرع قد أنتج هذا الكم من أعمال البورتريه و التي تحتاج بطبيعة الحال الى مكانها الخاص، بقدر تعلق الأمر بالتبويب و التنظيم الذي يراعي الموضوع وليس الأسلوب أحيانا و ما دام قد تناولها بطريقة فيها بعض الخصوصية، خصوصا و انه كان في أعمال البورترية قد حرر الى حد كبير ضربة الفرشاة كما سعى و نجح الى حد كبير في ان يعكس شخصية الشخص المرسوم و عالمه الداخلي أحيانا كما في البورتريه الذي يمثل الفنان منصور البكري.
أولى الفنان الشرع في العديد من لوحاته التكوين ( composition) أهمية خاصة، أشير بشكل خاص إلى الفضاء الذي يحيط بالشخصية (figure) كما في اللوحة التي تمثل خطيبة الفنان، هذا الفضاء الذي كان في أعمال الفنانين الكلاسيكيين مساحة خاملة، داكنة و مهملة في الغالب قد أعطاها الفن الحديث دورا أكثر فاعلية دون أن يجعلها تؤثر على الموضوع الرئيس ( الإنسان ) و دون أن تسرق منه اهتمام المشاهد و هي معادلة ليست بالسهلة عموما.

في هذه اللوحة، على سبيل المثال، حرص الشرع على اختيار المكان بعناية و هو شباك يطل على حديقة في يوم ربيعي مشمس يذكر المرء بأجواء رينوار بل من الأدق بأجواء

لوحة تمثل خطيبة الفنان.ضوء متدفق مع ثوب الدنتيلا
الابيض المتعارض مع الاخضر الداكن في الخلفية

بونار الذي كان مهتما بالدواخل أكثر من الأول. لعب الشباك المطل على الحديقة في لوحات بونار دورا محوريا في تأسيس التوازن الضروري للتكوين (composition ) كما لعب دورا في تبرير الضوء و الإشراق الذي يغمر المكان. ذلك الإشراق الذي ينقل للمشاهد الشعور بالمسرة و الذي يستمده الفنان قبل كل شيء من عالمه الداخلي، فبدون الضوء الداخلي الذي يغمر نفس الفنان يستحيل رؤية الضوء والاشراق في الخارج ما يفسر كيف أن الفنانين الذين يصابون بالكآبة تغلب على لوحاتهم الألوان الداكنة و مجموعة الألوان الزرقاء. يعطي رداء الدانتيلا الأبيض الموشى بالأحمر و الضوء الساقط عليه و انعكاساته على وجه ( السيدة خطيبة الفنان ) يعطي المشاهد انطباعا مريحا و شعورا بالسعادة، كما يحيل إليه كماً من الضوء و الشعور بالربيع و الألق و الحبور، حتى لو شاهد اللوحة مساء و في القاعات المغلقة.
تحرير ضربة الفرشاة و حرية التكنيك و الثراء اللوني تتفاوت في لوحات البورترية التي نفذها الشرع على القماش. هذه المزايا نجدها أكثر وضوحا في لوحة البورترية التي تمثل شخصية الفنان (self portriat ). في هذه اللوحة كانت الحرية في التنفيذ أكثر وضوحا من بقية الأعمال و أكثر مما، مثلا، في لوحة ( فراو انفانديتو) التي تمثل صورة شخصية لهذه السيدة والتي افتقرت مقارنة مع اللوحة السابقة الى هذه الحرية.لوحة شخصية تمثل الفنان احمد الشرع. حرية التكنيك و الثقة بالنفس واضحة و هذا الأمر مفهوم حيث يستجيب الفنان أحيانا لرغبة الزبون في التركيز على الشبه أكثر من التركيز على التقنية و الأسلوب خصوصا اذا ما كانت اللوحة مرسومة وفق الطلب.

الطبيعة و الأعمال الواقعية

تحرير ضربة الفرشاة و الثراء اللوني اللذان تحدثنا عنهما عند حديثنا عن البورتريه في أعمال الشرع نجدهما أكثر وضوحا في الأعمال الواقعية و خصوصا أعماله التي تمثل الطبيعة. هنا نجد أيضا بعضا من عدم الاستقرار الأسلوبي. يشكل التفاوت الأسلوبي ملمحا عاما و مفهوما بشكل عام، ليس في مجال الفن التشكيلي وحسب بل في كافة المجالات الإبداعية، فالعمل الإبداعي حتى لو كان لفنان واحد فإنه حاله خاصة لها ظروفها و مسلتزمات نشأتها مما يحدد العديد من ملامحها و التي قد

مقهى على الشاطي. لاحظ الأسلوب الذي يوحي بحرية تكنيكية

ينتج عنها، مما لا مفر منه، تباين في الأسلوب. فبعض اللوحات الواقعية مثل ( village ) القرية و لوحة بغداد نجد انهما تفتقران الى المزايا المذكورة، نجد ان حرية الفنان و جرأته التكنيكية و كذلك ثراء وتنوع الألوان قد تراجعت بالمقارنة مع عما كان عليه اسلوبه في اللوحات التي تمثل مشاهد أوربية مثل quot; كنسية يوهانس في شتوتكارت quot; أو اللوحة المسماة quot; مقهى على الشاطئ quot; ( راجع اللوحة ) ويبدو الأمر كما لو أن شيئا هنا قد كبل يدي الفنان فخانته الجرأة.

من المحتمل ان تكون هذه الاختلافات الأسلوبية ناشئة عن أن اللوحتين ( القرية و بغداد ) قد رسمتا اعتمادا على الفوتوغراف فيما رسمت اللوحات الأخيرة التي تمثل مشاهد من اوربا من الواقع مباشرة كما يوحي الأسلوب الذي نفذت به اللوحة المعروضة صورتها أعلاه و أغلبية اللوحات المعروضة في هذا المحور.
و بشكل عام تبدو لي هذه اللوحات التي مثلت الطبيعة اقرب الى الانطباعية منها الى الواقعية لأسباب عديدة منها التكنيك المتبع و مجموعة الألوان المستخدمة، فمن خصائص الانطباعية، ضمن أمور عديدة، خلط الألوان على قماش اللوحة ( الكنفاس ) و هي طرية، أي مجاورة اللون النقي مع لون آخر و خلطه بواسطة ضربات متقاطعة و متداخلة بدون اللجوء الى الأسلوب القديم في اعتماد خلط الألوان مسبقا على الباليت بعناية كما في اللوحات في المرحلة السابقة للانطباعية.

الحداثة
من المكن الادعاء بأن محور الحداثة كان أكثر تنوعا و نضجا مما المحاور الأخرى و اعتمد على أكثر من أسلوب، و بالرغم انه بمجمله ينتمي فعلا الى الحداثة و مغادرة أسلوب إطاعة الموديل و التخلص من التشخيصية الفوتوغرافية إلا أن هناك بعض الاستثناءات القليلة كما أرى، فلوحة العارية الزرقاء مثلا و خصوصا الجسد النسائي قد نفذ بطريقة واقعية راعت النسب و الأبعاد ( proportion ) و مساقط الضوء و تشريح الجسم..الخ و لم يكن استثناءا منها سوى الخلفية ( background ) حيث اعتمد الفنان تقطيعات لونية تجريدية تذكر المرء بتجريدية موندريان. كانت التوازنات التجريدية هذه مهمة و ضرورية و منسجمة و لم نلاحظ أي تعارض في اعتماد الأسلوبين ما دامت المزاوجة قد

امرأة و قطة
نفذت بمهارة. أما لوحاته الأخرى مثل : (امرأة و قطة)، ( برلين ) و ( حصان ) فقد قدمت خصائص أسلوبية تمثل الفنان على امثل وجه و كان الحصان المرسوم بحداثة و بواسطة التركيز على الخط الخارجي المنفذ بالأزرق أفضل بكثير من خيله التي رسمت بطريقة واقعية و التي أصبحت عندي موضوعا مستهلكا.

أما اللوحة الموسومة امرأة و قطة فقد كانت ذروة اسلوبية تمثل اعتمادا محكما للخط الخارجي و ادراكا لدور الفضاء في موازنة التكوين. و في إثناء العرض الذي قام به الفنان الشرع معلقا على لوحاته قدم العبيدي تبريرا نقديا لإشادته و إطرائه لهذه اللوحة ( إمرأة و قطة ) اعتمادا على التكوين عموما و حركة الجسد الأنثوي الذي كان، بالتزاوج مع حركة الشعر المنسدل، محاولة موفقة لااظهار العنفوان و القوة التعبيرية الكامنة في الجسد الأنثوي. شدد العبيدي أيضا على اهتمام الفنان الشرع بالتأكيد على الخط الخارجي ( contour) في أعمدة السرير واعتماد تقسيم مدروس لخلفية اللوحة.

الفنان الشرع يتحدث عن أعماله

بعد ذلك قدم الفنان الشرع رؤيته لأعمال و أيد ما ذهب اليه العبيدي من أن اعتماد الفوتوغراف أحيانا يقلل من

الفنان أحمد الشرع بريشته
هامش الحركة لدى الفنان و لكنه لم يعترض على استخدام الفوتوغراف كنقطة انطلاق لعمل تشكيلي مهم من حيث المبدأ بل اكد على أهمية و كيفية الخروج من سطوة الصورة الفوتوغرافية للوصول الى عمل تشكيلي حيوي و أشار الى سوابق في تاريخ الفن كان فيها استخدام الفوتوغراف نقطة بداية لاعمال تشكيلية محكمة البناء. علق الشرع أيضا على أعماله التي تمثل الصور الشخصية ( البورتريه ) مشيرا الى أن العالم الداخلي للشخصية المرسومة و علاقة الفنان بالموديل تلعب دورا مهما يتجاوز الشبه، كما تحدث عن اعماله الحداثية، و أشار الى قيام النقاد احيانا بتحميل العمل الفني ما لم يدر بخلد الفنان.
أعقب الامسية نقاش بناء ومهم ساهم فيه الحضور. أشار بعض المشاركين الى أن العمل الفني يعطي الحق للمشاهد أن يؤوله نحو اتجاهات لم تدر بخلد الفنان و هذا من حق الجميع طالما إن العمل قد اصبح معروضا للجمهور و أن من حق المشاهد أن يرى الأمل و التطلع في عين الحصان ـ كما رأى بعض المعلقين، و هو الأمر الذي كان الفنان قد استغربه و قال انه لم يسع إليه.