منذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في الثامن من كانون الأول (ديسمبر) الجاري، والأحداث تغلي شيئاً فشيئاً. سوريا، الدولة العربية التي تقع في قلب العالم العربي والإسلامي، لم يجرؤ أحد، ولو ببيان، على التنديد بسيطرة المجاميع الإرهابية على مقاليد الحكم فيها. بل وأكثر من ذلك، القوى التي تحكم في دمشق الآن لم يرفّ لها جفن تجاه الاجتياح الذي تقوم به إسرائيل في الأراضي السورية وسيطرتها على أكثر من 200 كيلومتر في العمق السوري، وصولاً إلى حدود دمشق، ناهيك عن التدمير الشامل لأكثر من 80 بالمئة من قدرات سوريا العسكرية، والتي ذهبت أدراج الرياح وظلت عصية على الكيان الإسرائيلي طيلة عقود.

إنَّ نهاية الأسد في سوريا مثّلت ضربة قوية لمحور المقاومة في المنطقة، ما سيجعله يعمل على التكيف مع هذا التغيير، خصوصاً بعد خسارة "الحليف"، ما يتطلب التعامل مع التحديات القادمة برؤية واقعية يفرضها هذا التطور الكبير، وما يستدعي مزيجاً من التدابير العسكرية والدبلوماسية للتعامل معها بفاعلية. بالمقابل، تجد إسرائيل نفسها صاحبة الفضل في إسقاط الأسد بهجوم خاطف من قبل "تحالف تحرير الشام" (النصرة سابقاً).

إقرأ أيضاً: المهمة الأميركية في العراق بين محاربة داعش والاستثمار في الدولة

الولايات المتحدة تشهد وجهتي نظر مختلفتين بين إدارة الرئيس جو بايدن وفريق الرئيس المنتخب دونالد ترامب القادم إلى السلطة في العام المقبل. ولكن، بالعموم، فإنَّ النظرة تجاه القيادة السورية الجديدة تعتمد على طبيعة القيادة وطريقة إدارتها لسوريا وتعاطيها مع مكوناتها. لذلك، من الصعب التنبؤ بكيفية تعامل ترامب مع التطورات السورية. ولكن، بشيء من الدقة، يمكن القول إنَّ مستقبل سوريا سيتشكل بفعل الجهات الفاعلة على الأرض وفي المنطقة. ومن ثم، لن تكون سوريا من أولويات واشنطن حالياً، حيث تتجه الأنظار نحو الصراع الدائر في أوكرانيا، الذي تعهد ترامب بإنهائه بأسرع وقت ممكن، ومن ثم مواجهة الصين لإيقاف تمددها نحو مناطق نفوذ واشنطن.

إقرأ أيضاً: ‏الكيان الإسرائيلي أمام تعدد الجبهات

ربما تدخل سوريا في صراع طائفي مرير، وهذا ما يريده الكيان الإسرائيلي والغرب، بينما يبقى الجميع متفرجين، ليأتوا لاحقاً ويتدخلوا تحت ذريعة "المنقذ". هذا السيناريو ليس بجديد؛ فقد حدث مثله في العراق، ومنه أخذنا الدروس والعبر. لذلك، لا توجد جهة أمينة على مستقبل السوريين يمكن الوثوق بها لحماية دماء الأبرياء واللجوء إلى قضاء عادل، خاصة بعدما تدهور دور القضاء وحرمان النساء من تولي المناصب القضائية في سوريا. ولكن، ما يمكن قوله فعلاً هو: كان الله بعون السوريين. عليهم أن يكونوا أكثر صبراً وقوة، لأنَّ النفق المظلم الذي دخلت فيه سوريا لا تبدو له نهاية قريبة.