أسراء كاظم طعمة: من ذا الذي يجازف لحضور معرضاً فنياَ لأي فنان كان في العراق ، وعلى عتبات الطريق موت في الانتظار ، هناك بين خفايا الثواني ومطبات القدر ، كابوس يداهم صاحبه ، كنا نجتمع في تلك المناسبات ، نتبادل الحكايات ونقلب وجوه اللوحات ، نبتسم رغم ألم الحصار.. حصار طالت سنينه ، فكانت نهايته بؤساً أشد منه ، نصبر على الجرح ونعض على طرف الألم في أنتظار حلم ، ماذا بعد طول الصبر.تسألت كما تسأل غيري الكثير ، الفن هو صورة الواقع المنقاة ، ياترى بعد كل هذا التلوث كيف هو حال التشكيل العراقي ، الفن في زمن العنف..أسئلة تبادرت الى ذهن (إيلاف ) ، فألتجات الى الفنان محمد سامي المسؤول في وزارة الثقافة العراقية لتفرغ جعبتها من التساؤلات ولتمئها بالاجوبة :

*هل تتلقى صالات العرض الفني تهديدات من جهة ما في محاولة لوقف الحركة التشكيلية؟
ان العراق بإسره يواجه تحديات ومصاعب كثيرة تعرقل مسيرته اياً كانت.. فالحركة التشكيلية ليست هي المستهدف الوحيد لعرقلة ابداعها، قطع نضب الاوتار المحيطة بها يؤدي الى منع الهواء الذي تتنفسه، لاسيما العصابات الفنية التي يقودها بعض الفنانين لافشال كذا من القاعات او كذا من الفنانين، ان الوضع الراهن الذي يمر به العراق بكفة، ومن يبتسم لنا بكفة فيخفي قدحات المكر والغدر لاسقاط واحباط ما يمكن احباطه من طاقات فنية.. ان روتين الكبح الذي يشمل جميع اجيال الشباب ساهم بإضعاف فكري لكثير من التقنيات التي كان من المفروض ان تكون في يوم ما نواة لسلسة ممتدة من تاريخ عريق كان بامكاناها اكتساح العالم بتراث جديد لم يشهده العالم قط.. اكرر كلمة (لكن) اغلب الاعطاب في من يتولى مهمة حراسة الفن العراقي ومدعين الحرص عليه، الاتقياء والنجباء، يجلسون على الكرسي المرصع بالعلاقات والدولارات ويحملون قذائف التجريح على من لا يسير بدربهم النائي الذي تسكن على اعتابه حفنة من الحثالات... ويدعون فلان مسخ وفلان تعبان وفلان ليس فنان، والفن الوحيد على من يختصر دربه بنا ويستورد الحداثة الكاذبة.. حداثة الدول الاوربية التي تدفن بها ارثهم الحضاري وهم لايدرون.. ليس فقط الارهابي من يشارك في طمر الهوية العراقية.. بل هناك فنانين كثيرين، منهم متقصد والبعض الاخر لا يدري عاقبة ما يستورد.. ومنهم من يجني الدولارات على ما يصنع.

*ماذا عن الايفادات للحضور او المشاركة في المعارض خارج العراق؟
الايفادات؟؟ نسيت معنى كلمة الايفادات !!... دعيني اذكر!!.... الايفادات اي البعثات.. اعتقد انها كلمة حذفت من قاموس الفنان البسيط الذي يحترم نفسه ويجلس في البيت ولا يتملق لهذا وذاك ولان الايفادات اصبحت مقتصرة (المتملقين، المزكين من الاحزاب ولا اريد ان ادخل في هذا الموضوع.. المدراء العاميين.. والوزراء ).
وهذا لا يشمل اي فنان بسيط ابدا.. لا ايفاد بلا ابتزاز.. لا ايفاد بلا جهاد ومشاجرات كثيفة بين هذا وذاك..
وهذا بسبب عدم توزيع الفرص بالتساوي بين الفنانين ولان الفنانين البسطاء لا تشملهم اي فرصة بالسفر الى الخارج باستثناء المتمكنين ماديا.. انهم سافروا وبغير رجعة.

*ما هي نظرة المجتمع للفن بعد التأزم الحاصل في الواقع العراقي؟
المجتمع اصبح لا يفهم نفسه فكيف بإمكانه ان يفهمنا ويفهم اعمالنا وتوجهاتنا... في كل زواية من المجتمع هناك كريم ولئيم واعتقد زادت نسبة اللؤماء في حكومات الدول المجاورة للعراق لغلق ابوابهم بوجه الفنانين العراقيين فلا احترام للمثقف والفنان العراقي ، الان الساحة التشكيلية اصبحت مقتصرة على بعض ( النواة ).. اي بعض الفنانين الذين يملكون حسابات في البنك والذين يملكون (كرين كارت).. هم من يطلق عليهم فنانين فقط، لانهم الوحيدين الذين يستطيعون طبع (كتلوك ) فخم عالي التكلفة ولانهم الوحيدين الذين يشترون القاعات والنقاد.. فمن ذا الذي يجرء بطردهم من خارج بلاد المنافي ومن ذا الذي يجرء بنعتهم بغير كلمة (الفنانين العظماء).. اختل التوازن كثيرا فينا وفي مجتمعاتنا فلا نسب ومعايير ثابتة تقيمنا ابدا.

*في حالة اقامة معرض شخصي لإي فنان.. كيف هو الحضور وسط الوضع الامني الصعب؟
المعارض التي تقوم حاليا هو نشاط للتواصل فقط بين الفنان والمتلقي وبعض الاصدقاء، لتجنب الانقطاع عن الحركة التشكيلية وعدم المواصلة.. واذا كانت رغبة للفنان على القدوم بمشروع معرض فعليه ان يضع كل الامور السلبية امام عينة ويدرك بان هناك لابيع ولا حضور كثيف ومن ثم الاقدام على المعرض... والحضور كما معروف متعلق بنهار يوم الافتتاح ان كان هناك اصوات وضوضاء انفجار، طرق مغلقة وجسور، زحام السير وغير ذلك من الهاونات من هنا وهناك، فجميع تلك الامور هي حواجز بينية تقف حائلا امام الزائر والمعرض فعلا الفنان الاستسلام لامر الواقع والرضا بالحال كما يقال وانتظار امنيات الزائرين للفنان على افتتاح معرضه في دولة اخرى.

*أو تحكي لنا وبصراحة عن تعامل الفنانين العراقيين في الداخل مع بعضهم في الوسط الفني بعد الظروف الحالية؟
جميل هذا السؤال...
من اين ابدا لا ادري.. بعض الفنانين برزت عندهم تقاليد ( التتر)!! فاصبحت النزعات العدوانية تطغي على قيمهم واخلاقهم ، والبعض الاخر اصبح يبيع مبادئه من اجل العمل ومن اجل الاساءة الى زملائهم...
وهناك من تحفظ على نفسه وجلس لا يلتقي بهذا وذاك لتجنب مشاكلهم.. واخرون حين يلتقون بي يتمنون لي الخير والنجاح والموفقية.
الظرف والانحسار والقهر غير الجميع... الغيرة والبغض اصبح مرض معدي بين الكثيرين.. فلا مجلس بين الفنانين الا وكان موضوعه الشتيمة والغيبة.. ولادعوة لشرب القهوة او الشاي الا ورائها نفاق وكذب.. (لا حب أوصداقة يدوم الا بحكم المصالح!!)
نحن وبصراحة كبيرة نعيش حرباً مع بعضنا البعض قبل ان نعيش الحرب مع الميليشيات والمحتل..
اصبحت اسال دائما اي فنان ياتي من الخارج او اتصل ببعض الاصدقاء بالفنانين الذين يعيشون في الخارج واسئلهم (هل تعيشون نفس المشاكل التي نعيشها؟)
وهل كلمة (فنان تعبان) تتداول كثيرا بين اسواقكم التشكيلية؟ ويجيبني لا يا عزيزي محمد نحن اساتذة التعب و الحقد!
وهناك طبقة جميلة.. تعبد الجمال وتعيش للجمال وللحب.. تعمل لاجل ان تعيش فقط هذه الطبقة المثالية لازالت... لازالت تعمل ايضا للعراق وفي داخل العراق وتفتح ابوبها للكثير على ما تستطيع ان تقدمه من مساعدات.. فبالكلام معهم اشعر بالطمأنينة، حتى نبرة اصواتهم تختلف وموضوعاتهم وقيمهم الاخلاقية والجمالية واهدافهم تختلف ، كانهم لايعيشون في العراق فالإمل قناديل وردية يحملونها في تفقدهم للاصدقاء، انا متاكد من هؤلاء الطبقة هم الفنانين الحقيقيين الذين لا يهزهم المجتمع المنافق ثم ينقادون الى الثار بالكلام..

*ما حصة الفنانين الشباب من المعارض المشتركة والشخصية التي تتبناها وزارة الثقافة العراقية؟
الفناني الشباب كفيلين بمنجزهم وبمحاولاتهم لإقتناص الفرص من هنا وهناك.. لا رعاية ولا معارض تحتظن اعمالهم ، لا اعتقد في هذا الوقت يوجد مسؤول شريف يحمل ( التلفون ) على فنان ويدعوه بابتسامة وسلام حار الى المشاركة في معرض خارجي او داخلي لا اعتقد هذا الان يحدث.. واذا حدث هذا الشيء فاعتقد ورائه مصيبة او مصلحة كبيرة...
لا طريق غير عمل مجموعة وحجز قاعة ترأف بحالنا ، وإقامة معرض برعاية المركز الثقافي الفرنسي او برعاية الفنان لاعماله من خلال انجاز ( كتلوك ) سيء الطباعة (اسود وابيض) لرخص ثمنه ودعوة الفنان لزملائه فقط واحتساء الشاي بعد المعرض ومن ثم حمل اللوحات والذهاب الى البيت صفر اليدين..
لا اقتناء للاعمال ، حتى ما لا يكفي لتسديد كلفة المطبوع السيء ذو العشرة الاف دينار.. لا شراء من السفارات.. لا زيارات، كل ما هنالك مجاملات وتقييم للوضع على حساب العمل الفني وفضائيات تكذب في علمها للواقع.. لكن رغم ذلك يبقى الرابح الوحيد الفنان رغم خساراته المادية الجسيمة..
الفنان صاحب القلب والطموح الذهبي الذي اخترق ضجيج العوي والبكاء ودوي الانفجارات ووقف في معرضه مبتسماً يلبس بذلته الجديدة وكأنه في عرس مع حاله ويهيء اليد اليمنى لمصافحة الاصدقاء واليد اليسرى تحمل الشوكولاتة لتضييف الزوار..

*هل يتلقى الفنان اي رعاية من نقابة الفنانين او جمعية التشكيلين لمواصلة مسيرته الفنية؟
النقابة والجمعية في العراق مهما بذلوا من جهد فلا يستطيعوا سد حاجياته ولان الميزانيات المالية التي تصرف لهم محدودة فيبقى الفنان متعلقا بمشاركة تقام على هامش احتفال او ذكرى او محفل سنوي تقيمه النقابة او الجمعية، لكن جمعية الفنانين التشكيلين اليوم تبلي بلاءاً حسنا بمساعدة الفنانين المحتاجين وصرف رواتب رمزية للفنانين من جميع الاجيال منها الثابت والدائم والمتغير، بالتعاون مع مؤسسة المدى، وهذه خطوة مباركة للجمعية لانها اليوم تسعى وبشكل جدي لاحتضان اكبر عدد من الفنانين والمواصلة معهم والاخذ بيدهم وانتشالهم من المآساة التي يعانوها، فجمعية التشكيلين اليوم تبارك وتشد على يد اي فنان يقوم بنشاط فني ويرسم خلال هذا الوضع المزري.. لان الفن في العراق اصبح جهاد، وانا ابحث عن مسمى جديد له غير المسميات العادية لان الفن كلمة وحدها لاتكفي بتعريف الرسام او النحات العراقي بل اكبر من ذلك... المبدع العراقي في العراق هو الشكل والصورة للحزن وللسياسة، الانفراد، الوحدة، المعاناة فتاريخ الفن العراقي لم يذكر تلك الصفات ان تجتمع في كتلة من احاسيس هدفها رسالة الجمال، وانسان الكهوف لم يدون سوى مشاكله مع الحيوانات، فالفنان العراقي ماذا يدون؟ ومن اين يبدا ومن اين ينتهي هل ينشغل بثقافته واطلاعه الشخصي والتفكير بانضاج فكرته فقط ام ينشغل بمآساة ما تمر به بيئته؟

[email protected]