بعد هدوء اصوات الرصاص والمتفجرات و السيارات المفخخه

كاظم صالح من كوبنهاكن: على هامش مهرجان كوبنهاكن السينمائي كان بريق كوستا غافراس مخرج فيلم زد يملأ المكان. المخرج الذي سحر من هم من جيلي واثار الحماس السياسي فيهم ودفعهم اكثرنحو اليسار في نهاية الستينات . بدا رجلا هادئا متزنا يتميز بعظمة التواضع وتواضع العظمه لا تبدو على ملامحه شيخوخة الثوره وتجاعيد البطل السياسي الا انه مايزال متمسك بموقفه المناهض للعنف السباسي والحرب واستغلال الآنسان لأخيه الأنسان . قال بصوت هادئ قبل عرض فيلمه الأخير رجل الورق في صالة سينما كراند انكم لن تشاهدو Z آخر لقد تراجع العنف السياسي في اوروبا وانحاء كثيره من العالم . ان القاتل اليوم هو الأقتصاد ورأس المال .
وسط زحمة المشاركين والحضور في الحفل الختامي لمهرجان كوبنهاكن للسينما لمحت غافراس ينتظر مع الآخرين للدخول الى القاعه المخصصه لحفل توزيع الجوائز فانتهزت الفرصه للحديث معه . رحب بي وعندما عرف اني من العراق قال لي ارغب بحديث طويل معك الا ان المكان والوقت لايسمح ، وتابع حديثه اني اراقب مايحدث في العراق منذ اكثر من 7 سنوات ، دفعني الفضول لسؤاله هل لديك مشروع فيلم عن العراق ؟ صمت قليلا وقال لا أستطيع ان اصرح لك بذلك الآن خذ رقم تليفوني في باريس وسنتحدث براحه وهدوء . انفتحت ابواب الصاله ومضى مع المرشحين لجوائز المهرجان لاستلام جائزته .من خلال نظراته المتردده يمكن الأستنتاج ان في حقيبة هذا المبدع المخضرم سيناريو عن ملحمة العنف السياسي في العراق. لم يكن فيلمه رجل الورق ضمن الأفلام المشاركه في المسابقه إلا انه جرى تكريمه بمنحه البجعه الذهبيه ( جائزة مهرجان كوبنهاكن الدولي للسينما ) لمجمل اعماله ومسيرته الطويله في صناعة السينما .
ولد قسطنطين كوستا غافراس عام 1933 في مدينة لورا آرياس في اليونان . غادر الى الى باريس لدراسة الأدب في جامعة السوربون وبعد ان انهى دراسته في الجامعه الفرنسيه العريقه تحول الى دراسة السينما. يعتبر غافراس واحدا من أهم المجددين في فن صناعة السينما ومن رواد الموجه الحديثه بدأ حياته الفنيه مساعد مخرج مع رائد الحداثه في السينما المخرج الفرنسي كودار.
ولعبت الأحداث السياسيه الهامه في نهاية الستينات وما رافقها من تصاعد المد الثوري واشتداد المقاومه الفيتناميه ضد الغزو الأمريكي وتحرك جيفارا لنشر الثوره في امريكا اللاتينيه وتعاظم حركات التحرر في افريقيا وآسيا ، هذه الأحداث الكبيره اثرت في الأدب والفن والموسيقى والفلسفه انذاك وشهدت فترة نهاية الستينات تغييرات جذريه في المسارات الفنيه والثقافيه . هذه الأحداث مهدت لغافراس التوجه نحو الدراما السياسيه وخلق البطل التراجيدي السياسي ليس على حساب المعالجه الفنيه والأبعاد الجماليه المتعارف عليها في الفن السينمائى ولم ينزلق في شراك الفيلم التسجيلي بل تمكن في اخراجه لفيلم Z ان ينتج فيلما يتميز بحبكه دراميه محكمه ويتمتع بكافة الشروط الفنيه للفلم الروائي وحقق نجاحا عالميا كبيرا وحصد العديد من الجوائز الكبرى ومن ضمنها الأوسكار الهوليودي.
استطاع غافراس ان يبدد مخاوف المنتجين من استثمار اموالهم في الأفلام الجاده والأفلام التجريبيه الحديثه . يقول غارفاس لقد رفض بعض المنتجين في بادئ الأمر تمويل انتاج فيلم Z قائلين من يهتم باغتيال سياسي يوناني!؟ ورغم ذلك حصل منتج الفيلم على جائزة الأوسكار في امريكا كافضل انتاج أجنبي .
الجدير بالذكر ان فيلم Z استمد احداثه من روايه وثائقيه للكاتب اليوناني فاسيليس فاسيليكوس تروي حكاية اغتيال معارض سياسي للطغمه العسكريه التي استولت على السلطه في اليونان في فترة الستينات .
أسس فيلم Z مدرسه جديده في عالم السينما اطلق عليها البعض تسمية فن الفيلم السباسي تميزت بطرح الموضوع السياسي الشائك والمعقد والممل احيانا للمشاهد العادي في اطار حكايه دراميه مثيره ومشوقه تمسك بمشاعر المشاهد وتحرك افكاره وتساؤلاته عما يدور حوله ويمس حياته ومستقبله وبذلك استطاع تحقيق هدفين مهمين ايصال الرساله السياسيه واستقطاب الجمهور الى شباك التذاكر اي الحفاظ على الألتزام الفني وأرضاء المنتج.

فتح فيلم Z آفاق واسعه وامكانيات غير محدوده امام غافراس للمضي في مسيرة الفيلم السيلسي يلهمه في ذلك موقفه اليساري وعمق ايمانه بالقضيه الأنسانيه الكونيه ، حيث اخرج عام 1970 فيلم الأعتراف يروي باسلوب كافكا قضية اعتقال وزير تشيكي وتعذيبه دون معرفة السبب والفيلم مبني على احداث واقعه حقيقيه .
عام 75 دائره خاصه عن مرحلة حكومة فيتشي الفاشيه التي حكمت فرنسا ابان فترة الأحتلال النازي. والرهينه 73 وهو فيلم مثير للجدل حو قضية اغتيال سياسي في اوروكواي وهو مثل بقية افلام غارفاس يستند الى وقائع حقيقيه .وفيلم المفقودبطولة جاك ليمون يروي حكاية شاب امريكي يساري يختفي في تشيلى خلال فترة الأنقلاب العسكري في تشيلي وقد حصل الفيلم على السعفه الذهبيه في مهرجان كان. وفيلم حنا كاف 83 عن المأساة الفلسطينيه وشارك فيه الممثل الفلسطيني محمد بكري وفيلم آمين 2002 اما فيلمه الأخير رجل الورق 2005 يتحول الى معالجة الجريمه الأقتصاديه يحكي قصة مدير في احد مصانع الورق يفقد عمله يقتل كل منافسيه المتقدمين لطلب الوظيفه .

غافراس وكاظم صالح

كوستا غارفاس اسس مدرسته في السينما وسلك دوربا جديده في مجال الأبداع السينمي وكسر طوق الجدار الكلاسيكي الهوليوودي وسلط بقعة الضوء على شظايا الألم الأنساني والقضايا العادله من فلسطين وحتى اروكواي وترك بصمات واضحه في تاريخ السينما العالميه . غارفاس فنان وانسان ومخرج كبير جدير بالحب والتقدير .

[email protected]
الصور خاصه بـ"ايلاف" .