الحلقة الأولى / الثانية / الثالثة / الرابعة/ الخامسة /
للمارشال بالبو نساء الارض مشرقا ومغربا، لان كل الحدود تسقط وتتهاوى اما الطائرة التي يقودها والتي يعبر بها القارات والمحيطات في مسابقات دولية، حيث يكون ختام هذه المسابقات حفلات تكريم لرائد عصر الطيران، مارشال الجو، وفتي ايطاليا المدلل، ايتالو بالبو، وهو واقف وسط الاضواء، تحيط به النساء الجميلات، وايدى الملوك والامراء والرؤساء تتقدم لتضع في عنقه اكاليل الغار، اما في عاصمة ملكه طرابلس، فان انوار المهرجانات التي يقيمها، ويدعو اليها امراء العالم واميراته، ونجوم التمثيل والغناء، لا تنطفيء الا لتضاء من جديد، ويكون حلم كل ضيفة من ضيفاته العازبات الجميلات، ان تسمع كلمة عشق، من مظيفها الوسيم، يهمس بها اليها، وسط ليل الصحراء المفعم باريج الشرق ونفحاته. ولذلك فان اختياره لفتاة ليبية مثل حورية، وتفضيله لها، على كل هذه الحشود من جميلات العالم، لتكون صديقته الثابتة، الدائمة، التي يأوي الى مضجعها آخر الليل، لم يكن امرا جاء بمحظ الصدفة، وانما حدث لسبب وجيه، هو ان حورية تملك شيئا تفوقت به على جمال كل هؤلاء الجميلات القادمات من اركان الارض الاربعة، هو ذلك الحسن الاخر، الذي لايعرفه الا من اقترب منها وتعامل معها، والذي لايمنح نفسه للاخري دفعة واحدة، لانه اكثر عمقا ورحابة وثراء من الحسن الجسماني الذي لا شيء لديه يضيفه للرائي بعد النظرة الاولى. انه ذلك الجمال الذي كلما زدته نظرا، زادك هو من خزائنه التي لا تنفد، وكلما تعرفت عليه اكثر، وتعايشت معه مدة اطول، كافأك بفيض دائم من كريم عطاياه.
كان باستطاعة حورية ان تستغل علاقتها الخاصة بالحاكم العام، فتحيط نفسها بابهة الحكم وتجعل لنفسها نفوذا وسلطانا على رقاب الناس، وتختار لاقامتها قصرا تحيط به الحدائق بدلا من هذه الشقة الانيقة الصغيرة، لان ذلك كله لا يتفق على سماحة طبعها، او يناسب ما تتميز به من روح البساطة واليسر والسهولة في شخصيتها وابتعادها عن الافتعال والتكلف والتعقيد. فقد ارادت ان تعيش حياة بسيطة، هادئة، بعيدة عن مظاهر السلطة والقوة، في ظل الرجل الذي احبها واختارها لتكون المرأة الثانية في حياته، بعد دونا مانو، زوجته وام اطفاله الثلاثة، التي تقضي اغلب اشهر العام في روما.
كل الدلائل في حياتها تشير الى ان حورية وهي تدخل حياة رجل خطير مثل بالبو، وتنتقل للاقامة في بيت واحد معه، كانت سعيدة بهذا النقلة في حياتها، راضية بمكانتها كامرأة الظل لرجل له زوجة تحمل اسمه وتظهر في المحافل باعتبارها قرينته، رغم ان بالبو لم يبخل عليها بالظهور معه في بعض المحافل والمناسبات. ولكن كيف تراها تفكر في علاقاته النسائية الكثيرة الاخرى، التي يتناقل الناس اخبارها وتنشر الصحف تلميحات عنها، مرفقة بتصاويره وهو يتقاسم الانخاب مع جميلات العالم اللاتي يتواتبن في الفنادق الجديدة الجميلة التي بدأ في بنائها حكام سابقون واكتملت في عهده، كما حدث مع مشاريع اخرى كانت توقف بسبب الازمة المالية التي عانت منها البلاد، ولم تحل الا مع مجيء بالبو لحكم البلاد، مفوضا بسلطات قوية، ومدعوما بميزانيات استثنائية من زعيمه موسيليني، فانطلق يجعل من طرابلس حاضرة تنافس الحواضر الاوروبية وجعل من افتتاح هذه الفناديق والمشاريع مناسبة لاستضافة جميلات المسرح والسينما في العالم.
كان واضحا ان حورية افلحت في ان تنآى بنفسها وتوصد ابوابه امام أي شي يقلق حياتها الهانئة مع المارشال. فمثل هذه العلاقات والمغامرات التي يتحدث عنها الناس وتأتي على ذكرها المجلات الفنية المصورة التي تهتم بصور النجوم والمشاهير، شيء لا وجود له بالنسبة لها، لانها ببساطة لا تقرأ هذه المجلات ولا تسمح بدخولها الى بيتها، اما الناس فعلاقتها معهم محدودة الى اقصى حد ممكن، بحيت لا سبيل لان تصل هذه الشائعات، رغم شيوعها،الى بيتها، واذا ما حدث، ووصلت الى بيتها كلمة او تسللت صحيفة تحمل صورة اواشارة تربط بين المارشاف وبعض من يدعوهن الى طرابلس من جميلات العالم، فهن بالنسبة لها نساء عابرات، وطارئات في حياته، لا ينازعنها مكانتها الثابتة والدائمة التي لا تتكافأ الا مع مكانة الزوجة، بل ولعلها ترى في هذه العلاقات، ما يراه بعض محبيه ومؤيديه، بانها جزء من ضرورات المنصب الذي يتولاه، وتأتي منسجمة مع سياسته التي تهدف الى اعطاء انطباع جميل عن ليبيا باعتبارها، ارض المرح والترفيه والاستقرار، والمكان الذي يقصده اغنياء العالم والمشاهير من نجومه ونجماته للراحة والاستجمام، كما قرأت انت شخصيا في عدد من مجلة ليبيا المصورة، في اسطر وضعتها تحت صورة لسفينة سياحية تزور البلاد.
ما يؤسفك طبعا انها تعيش معه بالحرام، وكنت تتمنى لامرأة عربية مسلمة من بلادك، تملك روحا نبيلة واسلوبا راقيا في معاملة الناس مثلها، لو ان حياتها مع هذا الرجل كانت حياة مبنيةعلى شرع الله الذي احل الزواج وحرم الزنا. ولكن مثل هذا الحل لن يكون متيسرا لها مع رجل مثله، فليس في ديانته مايسمح بزوجة ثانية، ولا في وسعه ان يتحول عن ديانته، فماذا تراها تشعر ازاءعلاقة يدينها المجتمع الذي تنتمي اليه؟ انها ليس امرأة من بنات الروم، ليستوي لديها وجود عقد الزواج او عدم وجوده، واذا كانت قد اقنعت نفسها بان الحياة بلا زواج مع بالبو، خير من الحياة الزوجية مع واحد من عامةالناس، فكيف استطاعت ان تنسى امومتها، وان تسكت في اعماقها شوق الانثى لطفل يملأ حياتها ويحقق لها ركنا اساسيا من وظيفتها في الحياة؟ هل اجبرت نفسها مرة اخرى على تقديم هذه التضحية؟ وهل يسمح رصيدها من الهناء مع بالبو، وحبها له، بمواجهة كل هذه الديون والمستحقات مع نفسها، ولحظة الانصات للنداءات الصادرة من ذاتها الحساسة الرقيقة، والقناعات التي وان غلفتها بنظرة عصرية ايطالية لا تأبه لتعليمات الدين، الا ان ما تبديه من ايمان بالروحانيات وكرامات الاوليا، يكشف عن عمق البعد الديني في شخصيتها.
مرة اخرى، تضبط نفسك وانت جالس امام مقود السيارة، شارد الذهن، مشغولا بقضايا لا علاقة لك بها، ولا حق لك في خوضها، لانها تتصل بحياة وخصوصيات امرأة لا تربطك بها اية رابطة ولم تطلب هي منك ان تفكر لها،او تعاني وتتألم بالنيابة عنها، او تختارك وليا لامرها او مسئولا عن اسلوب حياة هي التي اختارته بارادتها الحرة. انها تحيا هانئة مع عشيقها، وما انت سوى مستخدم صغير لديها، بل انت اقل شأنا من كل العاملين في خدمتها، لانك هنا مجرد سائق احتياطي، ستنتهي مهمته المؤقتة، فور مجيء صاحب العمل الاصلي، فلماذا تنسى نفسك وتنسى موقعك بالنسبة لهذه السيدة. تتاسف من اجل امرأة مثلها، بينما انت الطرف الضعيف، البائس، المهدد بان يلقى بك في اية لحظة خارج هذه السيارة ويشحن في باخرة ليلاقي موتا مهينا في حروب الطليان. انت ايها المسكين من يستحق الشفقة والرثاء وليست هي. فاحفظ مشاعرك وهمومك لنفسك، وابحث عن طريقة تفتح بها فرجة في الطريق المسدود الذي يواجهك. ها قد اتيحت لك فرصة لم تتح لاحد غيرك من المجندين الليبيين، هي فرصة وجودك قريبا من الحاكم الاعلى للبلاد في المجالين العسكري والمدني، فلماذا لا تستفيد من هذا الموقع الذي اهدته لك الملائكة، في ايجاد سبيل ينجيك من المصير المرعب الذي يتهددك. لماذا لا تكون هذه الوظيفة الؤقتة وظيفة دائمة، باذن الله وقرار الحاكم العام، تضمن لك البقاء في طرابلس وتفادي السفر الى بر الاحباش. والبديهيات تقول ان الحكومة الايطالية في ليبيا لن ترسل كل جنودها الليبيين الى تلك الحرب، لانها ستحتاج دائما لمن يبقى داخل الحدود يحفظ الامن ويحرس البوابات ويقضي الحوائج للضباط الايطاليين، فلماذا لا تسعى لان تكون انت ايضا صمن هؤلاء المحظوظين الموعودين بالبقاء، اذ من تراه اجدر منك بهذه المعاملة؟ فليذهب الى هناك من شاءت له نجوم النحس ان يذهب، اما انت فلابد ان تبقى في طرابلس، لا تغادرها الا الى اريافها، او قضاء اجازة بين اهلك في اولاد الشيخ، ثم تعود اليها سليما هانئا، بعيدا عن اهوال المعارك وكوارثها. هذا ما يجدر بك ان تسعى لتحقيقه وتبدل اقصى جهدك في اقناع الحاكم العام بجدوى خدماتك له ولعشيقته كسائق وساع لا يملكان الاستغناء عنه.
قد لا يبدو ان هناك طريقا واضحا، سالكا، خاليا من المشاكل والعراقيل، يقود الى هذه النتيجة، ولكن عليك ان تحاول حتى تهتدي اليه، وهو امر ممكن، شرط ان تدع عقلك لا ينشغل باي شيء آخر غير خلاصك الشخصي. حورية هي بابك الذهبي لاقناع الحاكم العام، وهي التي سينصرف جهدك لنيل رضاها الى ان تبدو في عينيها افضل من سائقها عياد الفزاني، فلا تقبل بسائق سواك. ورضا حوريه، سيقود بالتالي لنيل المكافأة العظمى، وهو نيل رضا الحاكم نفسه. هذا هو الهدف الذي ينبغي ان تشغل به نفسك بدل ان تشغلها باوهام الشقاء الذي تعيشه حورية، وهي التي تنعم بهناء يصعب ان تنعم به امرأة غيرها في هذه البلاد، بدليل انك لا تستطيع ان تدعي انك رأيتها، ومنذ ان التحقت بخدمتها، تعاني لحظة واحدة من الضيق والكدر.
هاهي عربة نقل يجرها حصانان، تلاحقها صفارة الشرطة، وتطردها من الشارع الرئيسي المحظور على مثلها من العربات، فتمر عبر انعطافها السريع بمحاذاتك، ويتطاير غبار اسود من حمولة الفحم التي تنقلها، يلوث زجاج السيارة، وترسل انت شتائمك الى السائق المغطى بالسواد، الذي يمضي دون ان يلتفت الى الوراء، وتكتشف كيف تسلل هذا الغبار الاسود الى الكرسي الخلفي حيث تجلس حورية عبر فرجة في زجاج النافذه، فلا يغنيك الغضب والشتائم التي لاحقت بها صاحب العربة حتى بعد ان اختفى، عن جلب الممسحة وازالة هذه الاوساخ من فوق الكرسي وتلميع السيارة وتنظيفها باقصى سرعة ممكنة، لان السيدة حورية قادمة بعد قليل مع احدى صديقاتها، لكي تنقلهما الى الاحتفال الكبير الذي يقام في ظل السراية الحمراء، تحت اشراف الحاكم العام.
لم تكن تعلم وانت قادم من المعسكر الى بيت حورية، سبب هذا الاحتفال، فقد وجدت الشوارع تزينها الاعلام والحوائط مغطاة بصور الدوتشي، وعندما اقتربت من شارع البلدية، لاحت لك فرق الموسيقى وسمعت انغامها تتصاعد من مركز المدينة وعرفت بعد ان وصلت البيت، ان الحاكم العام سيستقبل اليوم باخرة قادمة من سيراكوزا تحمل اربعمائة عائلة ايطالية من طلائع المستوطنين الذين سيجدون في انتظارهم اربعمائة مزرعة حديثه اعدت لهم جنوب شرق طرابلس، كما تم بناء مرافق على الطراز الايطالي لتقديم الخدمة لهم، السوق والمدرسة والمركز الطبي والكنيسة والنادي الرياضي الاجتماعي الفني وقاعة السينما. انها واحدة من مستوطنات كثيرة تحت الانشاء ثم انتزاعها من الاراضي القريبة من العاصمة التي كان يستخدمها الليبيون للرعي.
جاءت السنيورة حورية ترتدي قبعة تزينها الاشرطة البيضاء،وفستانا وردي اللون تتخلله نقاط بيضاء، وفي جيدها عقد من الذهب الابيض، وتضع فوق عينيها نظارة شمسية لها اطار من العاج، وفي يدها حقيبة نسائية ذات لون فضي، وحذاء ابيض تزينه وردة مصنوعة من القماش في كل فردة منه، اما صديقتها الممرضة الايطالية فقد جاءت ترتدي كعادتها دائما رداء السوريلات،تحمل في حضنها حزمة من الورود الحمراء، لكي ترشق بها القادمين الجدد. انطلقت بها عبرالشارع الرئيس الذي ازدحم جانبية بالبشر الذاهبين للاحتفال، حتى وصلت الى ميدان القلعة حيث يقام الحفل فانزلتهما قريبا من منصةالضيوف، وقادك افراد شرطة المرور الى المكان الذي هيأوه لسيارات المدعوين، بمنآى عن الحشود الهائلة التي غص بها الميدان، وعدت بعد ان اوقف السيارة، لتأخذ مكانك ضمن اعضاء الحراسات الواقفين قريبا من المنصة لتقف هناك بينهم وتكون قريبا من حورية وصديقتها عند انتهاء الحفل لتأخذهما الى السيارة، وغير بعيد عنك اصطف طابور الشرف من جنود المراسم، وفرقةالموسيقي العسكرية، لتحية القادمين.
كانت المساحة التي وضعت فيها الكراسي المخصصة للمدعوين تمتد من مسرح الميرامار الى سور الكورنيش، وفي مواجهتها وبمستوى اعلى من مستوى الكراسي،ارتفعت المنصة المخصصة للحاكم العام واعوانه، وعلى جانبي الطريق الذي يقود الى المنصة وقف جنود ليبيون من سلاح الفرسان، يرتدون فوق ملابسهم العسكرية البرنس الليبي، المقصب بخيوط الذهب والفضة، وقد تمنطقوا باحزمة رشقت فيها السيوف، وعلى جدار القلعة العتيقة علقت لوحة من القماش غطت كامل الجدار، تحمل صورة رسمت حديثا للدوتشي، وفوق رأسه خودة حديدية، رصاصية اللون، وعلى صدره نياشين واوسمة متعددة الالوان، رافعه راسه باستكبار، ناظرا من عليائه للحشود الزاحفة على الميدان، وقد رفع ذراعه لتحية الناس الا انها تحية اشبه بالتهديد بسبب اليد المقبوضة وكانت المفاجأة التي اذهلت الحشود وجعلت صيحات الدهشة والاستغراب تصدر عن كل واحد منهم، عندما تحول موسيليني المرسوم علىجدار السرايا الى شخص حقيقي فقد تحركت يده تلوح للناس بقبضتها التي تدل على العزيمة والقومة، ولمع الشرر من عينيه وتحرك فمه بكلام ينقل تحيته للحاضرين ويرحب بالمستوطنين القادمين ويهنئهم بسلامة الوصول ويعبر عن ثقته في ان يكونوا رسل الحضارة الرومانية للبناء والتعمير وصنع الحياة في هذه القفار، كان الموضوع كله مجرد لعبة مسرحية اتقن الفنيون اعدادها، فهي لم تستمر الا لبضع دقائق كانت كافية لتحريك مشاعر هذه الحشود، فانطلقت حناجرها تهتف للزعيم وتدعو له بطول العمر.
وراسية على الشاطيء، قريبا من القلعة، بدت الباخرة القادمة من صقلية كأنها قلعة اخرى، بالغة الارتفاع والطول،تغطي خط الافق، وتهيمن على فضاء المدينة وقد اطلت من طوابقها الاربعة الطافحة فوق الماء، حشود المهاجرين، يصفقون ويلوحون بايديهم للمستقبلين ويرددون معهم الهتاف بحياة الدوتشي بعد الاستماع لكلماته التي ترحب بهم، وينتظرون لحظة الهبوط الى الارض الموعودة.
انها ليست المرة الاولى التي يأتي فيها المستوطنون الجدد لتعمير الشاطىء الثالث، كما يسمون الشاطيء الليبي، فهذه هي الدفعة الرابعة او الخامسة في عهد المارشال بالبو، والتي يحرص الحاكم العام، في كل مرة،على ان يجعل منها مناسبة لاقامة اعظم الاحتفالات، وكأنه يدشن عصرا جديدا لايطاليا التي تستأنف مسيرة الامبراطورية الرومانية وتعيد ضم المستعمرات القديمة التي كانت رمز عزتها وقوتها. نفخت فرقة الموسيقة النحاسية ابواقها، وضربت صاجاتها، وانطلقت في ذات الوقت ابواق الباخرة، ترسل تحياتها للمارشال بالبو الذي وصل في موكب كبير، تتقدمه الدرجات النارية، الى مقر الاحتفال، وقد اختار لنفسه سيارة مكشوفة، وقف بداخلها رافعا يده بالتحية الفاشية، يرد بها على تحية الجمهور الذي تعالت هتافاته بحياة ايطاليا وزعيمها موسيليني.
هبط بالبو من سيارته، وسار فوق البساط الاحمر، وسط عدد من اعوانه، وتحت الاضواء التي تبرق لعدسات المصورين، ذاهبا باتجاه البوابة الكبيرة للباخرة، ليكون في استقبال اول فوج يهبط من ركابها، ويرحب به في الارض الجديدة.
ثم انتقل مع عدد من ضيوفه الى المنصة، مستهلا مراسم الاحتفال بخطاب حماسي عن ليبيا الجديدة التي تجسد حلم \لحزب الفاشي وزعيمه موسيليني في استعادة امجاد الماضي وبناء ايطاليا الكبرى التي تقود مسيرة الحضارة والتقدم في العالم، ورحب بالمستوطنين الايطاليين في وطنهم الجديد، واعدا اياهم بحياة زاخرة باحتمالات النجاح والرفاه، منوها بجهود الشركات التي استصلحت الارض وقامت بانشاء المزارع وبناء القرى الحديثه لتكون جاهزة في انتظار هؤلاء المستوطنين، الذين عاد يناشدهم ان يبذلوا جهدا مضاعفا لتعمير الارض وبناء المستقبل الزاهر لانفسهم ولللاجيال القادمة من ابنائهم واحفادهم، لان نجاحهم في مهمتهم سيرفع رأس بلادهم ويؤكد ثقة الزعيم الذي فتح لهم الامصار واتاح لهم فرص العمل والانتاج في هذه الديارالتي يرفرف فوقها العلم المثلث الالوان، دون ان ينسى الاشارة الى الليبيين الذين اسماهم ابناء ليبيا الاصليين الذين سينتفعون بثمار الحضارة ومشاريع النهضة وحالة الازدهار والسعادة التي انتقلت اليهاالبلاد منذ ان اصبحت جزءا من ايطاليا. اعقبه عجوز ايطالي قدموه بانه شاعر شعبي فالقى قصيدة عن هؤلاء الرواد الذين جاءوا من ايطاليا الام وتركوا وراءهم اهلا وبيوتا وقرى تآلفوا معها طوال العمر، من اجل تأسيس امتداد عمراني وحضاري للوطن الام في هذه الارض الجديدة، ونقل رسالة البناء والتشييد والتمدن الى الشاطىء الرابع، عن طريق عزق الارض واخراج الكنوز الكامنة فيها، تلبية لنداء الزعيم الملهم، الذي سيبقى على مدى الزمان، شمسا لا تغيب.
وقام بالبو يسأل القادمين من ايطاليا ان ينتشروا بين الناس وان يتعرفوا على المعالم الرئيسية لشوارع وميادين طرابلس حيث اقام لهم في كل ركن من اركانها كشكا يوزع المشروبات والمرطبات والاكلات الخفيفة هدية من المقيمين الاوائل لاخوتهم الوافدين الجدد، واختار من بنات المدارس الايطالية عددا من الصبايا الجميلات لكي يقمن بتقديم الخدمة لهؤلاء الضيوف ولكل من جاء للمشاركة في هذا الحفل، ثم دعا احد القساوسة لقيادة هذه الجموع في صلاة صغيرة للوطن تختم بها مارسم الاحتفال.
خرجت حورية من الحفل مبتهجة بما رأت، تتحدث لصاحبتها بحماس عن اجواء الالفة التي افلح بالبو في خلقها بين الليبيين والايطاليين، ثم تحولت من اللغة الايطالية الى العربية، وهي تخاطبك اثناء رحلة العودة الى البيت:
- اما سمعت المارشال وهو يتوجه بخاطبه الى الليبيين ايضا، قائلا بانه يريد ان تكون ليبيا محلا للسعادة المشتركة بين ابناء ليبيا الاصليين والمحدثين، وانتفاعهم جميعا بثمار التقدم والحضارة.
ابتسمت لنفسك ابتسامة لا تستطيع ان تراها حورية، وهي جالسة في مقعدها الخلفي، وقلت لها في سرك، بانك تريدها ان تكون شاهدة على هذا الوعد بالسعادة التي قدمها بالبو لليبيين، لانك ستطالبه بحصتك من هذه السعادة والانتفاع بثمار التقدم والحضارة، ولا تريد ان تجد نفسك منبوذا ومطرودا ومسجونا في بواخر البؤس والموت المتجهة الى بر الاحباش. ووعدتها من جانبك، وبصوت عال هذه المرة، بان تسعى لتحقيق ارادة المارشال في ان تحصل على حصتك من السعادة التي دعا اهل البلاد الاصليين للحصول عليها.
وكما فعلت معك حورية، في مرات كثيرة سابقة، وانت تعيدها الى البيت، فتحت شنطة اليد الفضية واخرجت عشر ليرات دفعت بها اليك، وصرفتك مبكر ا، لتمكينك من الاستمتاع بالاجواء الاحتفالية التي تغمر المدينة.
تسكعت قليلا في الشوارع العامرة بضجيج الايطاليين وموسيقاهم ورقصات بناتهم وصبيانهم، دون احساس قوي بالبهجة، فانت تعرف ان هذه الاحتفالات ليست لك، وان هذا العالم ليس عالمك، بل ثلاثة ارباع هذه المآكل والمشارب لن ستطيع ان تستفيد منها لان المشروبات اغلبها مشروبات كحولية، والوجبات اغلبها بلحوم غير مذبوحه او يدخل الخنزي في طهيها، حتى هذه الرقصات التي يرقصونها ليست لك، ولا مجال لان تكون طرفا فيها، انه عالم هؤلا ء الايطاليين الوافدين وافراحهم وسعادتهم هم، رغم حديث بالبو عن السعادة المشتركة التي لا وجود لها. لم يعد يدهشك الا تجد عربا يشاركون في هذه الاحتفالات، رغم انها مفتوحة للجميع، ورغم حاجة المعوزين منهم للاستفادة من هذه المشروبات والحلويات وانواع الاكلات الخفيفة التي يقدمونها مجانا، لانهم يعرفون انها ليست احتفالاتهم وانما احتفالات شعب آخر ياتي من وراء البحر في موجات متتابعة لينتزع الارض من تحت اقدامهم.
تمنيت ان تلتقط عيناك وجه انسان واحد تعرفه، عربيا او ايطاليا، يخفف قليلا من وطأة احسساك بالاغتراب في هذا الزحام، ولكن لا أحد. وقفت امام حلقة رقص صنعها المتسكعون في الشوارع من نساء ورجال ايطاليين، دون ان تجرؤ على المشاركة فيها. كان منظر النهود المترجرجة،الراقصة، غواية صريحة، تتحدى رجولة الرجال، ولم تكن تكره ان تكون جزءا من هذا المشهد الراقص وشريكا فيه، ولكنك تصورت وجود جدار لامرئي يمنعك من المشاركة فبقيت متفرجا وحيدا متحصنا بوحدته وعزلته، متوجسا ان يتقدم اليه أي انسان يسأله عن سبب وجوده في هذا الحفل لانه ليس واحدا من المدعويين، وهروبا من هذه الهواجس تسللت خارجا من الشوارع والميادين الرئيسية باتجاه الطريق الذي يعود الى معسكر ابي مليانة. كنت تعلم ان المجندين مشغوليون الان بتدريباتهم العملية، بعد انقضاء فترة الغذاء، وكنت تتطلع لان تتكيء على سريرك بمفردك، في العنبر الكبير، ومعك بعض الوقت تقضيه في التأمل والتفكير بحثا عن افضل السبل التي تضمن لك البقاء في خدمة المارشال بالبو. وقبل ان تصل العنبر بمسافة قليلة، اعترض طريقك الشاويش عنتر:
- اهلا بمندوبنا لدى الدوائر العليا. ماذا لديك من اخبار؟
- اخبار عن ماذا؟
- عن حرب الحبشة التي يقولون ان موعدها صار قريبا.
- من قال هذا الكلام؟
- جريدة quot; البوستا دي تريبوليquot; في عددها الصادر اليوم كما يقول جندي الحراسات.
- لست معنيا بهذه الحرب. ليذهب من يذهب، اما انا فباق في طرابلس.
- ليتك تفلح في اعفائي انا ايضا من الذهاب الى هذه الحرب، ولكن هيهات، فلا امل لي ولا لك، لان اسمك يأتي مباشرة بعد اسمي في لائحة الذاهبين الى هناك.
- ساسعى وسانجح في اعفاء نفسي باية طريقة، وعليك انت ايضا ان تحاول.
- لا تمني نفسك كثيرا، فهذا امر يحتاج الى استثناء من القائد الاعلى نفسه، وهو اعفاء لم يصدر بحق أي عنصر من الايطاليين فما بالك بالعرب امثالنا، عدا اعضاء الحزب الفاشي، الذين هم فوق القانون والمحاسبة، فهل انت زميل للمارشال بالبو في الحزب.
ارسل الشاويش عنتر ضحكة عالية وهو يقول جملته الاخيرة، ولكن الفكرة رنت في ذهنك رنينا قويا، دون ان تتفوه باي تعليق. عضوية الحزب الفاشي. كيف لم يخطر على بالك الانضمام للحزب. ان ما يقوله الشاويش عنتر عن عضوية الحزب الفاشي باعتبارها امرا بالغ الصعوبة يصدق على الايطاليين فقط. لقد انتهى الفرز بالنسبة لهم، وصار متعذرا على من فاته الانظما م اثناء وجوده في ايطاليا، ان يصبح عضوا، زميلا لبالبو، بعد نزوحه الي ليبيا. ولعله في ايطاليا نفسها سيكون امرا صعبا، خاضعا لاختبارات قوية، لكل من جاء ليستفيد من سلطة وقوة ونفوذ الحزب، وتأخر في الانضمام اليه عندما كان يخوض صراعاته الشرسة، ذات الطابع العنيف في اغلبها، مع القوى السياسة الاخرى مثل من يسمونهم بالشيوعيين والتقدميين وغيرهم. الامر يختلف كاملا بالنسبة لليبيين، لان سياسة بالبو تجاههم تقوم على الاحتواء والاستقطاب، واحدى اولويات هذه السياسة خلق قاعدة للحزب الفاشي من الليبيين، ولقد قرأت بنفسك اعلانا في مجلة ليبيا المصورة يدعو الليبيين الى الانضمام الى الشبيبة الفاشية، فما الذي يدريه رجل امي مثل الشاويش عنتر عن هذه الاشياء. انت شخصيا لا تعرف شيئا عن مباديء هذا الحزب، ولاتحتاج لان تعرف ذلك الان، لانه لو صح منك العزم على الانضمام اليه، فانت لن تذهب اقتناعا بمبادئه، اوايمانا باهدافه وافكاره. انت تذهب من اجل شيء واحد هو خدمة مصالحك الشخصية، وتعزيز فرص النجاح امامك في العمل والحياة، فكما عرفت ورأيت، سواء في الحياة المدنية والعسكرية، فان عضو الحزب يحظى بمكانة متميزه تجعله اكثر اهمية حتى من رؤسائه في العمل. وهذا ما ستحصل عليه انت ايضا اذا نجحت في الانضمام الى الحزب. انه امر تحتاج اليه حتى لو اخفقت في تحقيق حلم البقاء في طرابلس، لانه سيضمن لك، في حالة ذهابك الى الحبشة، مكانة متميزة علي كثير من الايطاليين انفسهم.
ظل جهدك لاكثر من يومين منصرفا لتحقيق هذه الفكرة. اشتريت الصحيفة العربية، واستمعت في المذياع الى الحصة التي تذاع باللغة العربية وعرفت ان هناك نشيدا للطليعة الفاشية من الشباب الليبي تذيعه الاذاعة مع معلومات عن تاريخ الحزب وانجازاته، وفكرت في ان تسأل السنيورة حورية، ثم عدلت عن الفكرة، لانك تريد ان يكون القرار قرارك انت، الذي تتخذه بمبادرة حرة منك، لا لان شخصا نافذا، امرك بذلك او استحثك عليه. عرفت ان للفرع العربي للحزب مقرا في مبنى المعرض التجاري، بجوار اذاعة quot; الراي quot;، حيث يخصصون وقتا لمقابلة المستجدين كل مساء بعد الساعة الخامسة، فانهيت عملك مبكر ا وذهبت الى هناك. كنت مترددا، مشككا في سلامة ما انت مقدم على عمله، مدركا انه يشبه قفزة في الظلام، لانك حتى وان عرفت شيئا عن المزايا التي يحصل عليه عضو الحزب، فانت لا تعرف بالضبط ما يجب ان يؤديه من خدمات مقابل هذه المزايا.
دلفت الى ساحة كبيرة تشبه ساحة المدرسة، عبر بوابة مفتوحة كتب فوقها quot; الطلائع الفاشية الليبيةquot; راودتك فكرة العودة من حيث اتيت، والعدول عن قرار الانضمام، عندما رأيت في عمق الساحة فرقة اطفال يتمرنون على الالعاب السويدية. لا تزيد اعمارهم عن سن العاشرة،يرتدون قمصان الحزب السوداء، والبنطلونات القصيرة، فوقفت ترمقهم وهم يفرغون من العابهم وينتظمون في طابور، وسمعتهم وهم يؤدون قسم الولاء للزعيم. ثم سمعتهم ينشدون نشيدا عربيا يمتلىء بكلمات التمجيد للحزب وشرف الانضمام اليه. كنت قد ادرت لهم ظهرك، عائدا ادراجك، متنازلا عن احلام القوة والمجد القادمين في ركاب الحزب، بعد ان ادركت مما رأيت انك تجاوزت المرحلة العمرية المناسبة لرضاعة حليب الفاشية، عندما وجدت قبالتك شابا ايطاليا يماثلك في السن، ويرتدي القميص الاسود، يسألك عن الخدمة التي يستطيع تقديمها لك. تشجعت بسبب لهجته الودودة، وسألته ان كانت عضوية الطليعة الليبية تقتصر على الاطفال، لانك لا ترى في الساحة غيرهم.
- لعل وجود هؤلاء الاطفال يمسح الانطباع الغالب في اذهان الناس، باننا
- نعم.
- تعمل سائقا مع الحكومة.
- نعم.
- هل جئت لنقل احد ابناء المسئولين الليبيين؟
رنت في اذنك كلمة المسئولين الليبيين رنينا غريبا، فهل هناك داخل الادارة الايطالية من ينطبق عليه وصف المسئول الكبير؟ هل هناك حقا من حقق هذا الاختراق لدوائر النفوذ والقوة الذي تحلم به، وتسعى اليه بوهم انك رائد الرواد في هذاالمجال؟ ضاعت الريادة اذا وما بقى لك الا الحلم بان تكون احد التابعين، اذ هاهو كلام الرجل يسوق اليك الدليل على ان هناك اناسا ليبيين صار المنصب الكبير في الحكومة الايطالية واقعا بالنسبة لهم لا مجرد حلم يحلمون به. واكثر من ذلك فهم يعدون اطفالهم منذ هذه السن المبكرة لمراكز الحكم والنفوذ، لانهم يعرفون ان مستقبل البلاد اضحى مرتهنا بايدي هؤلاء الطليان، فجاءوا يرتبون حياتهم وحياة اولادهم على هذا الاساس. هؤلاء هم اساطين المكر والدهاء الذين يجب ان تحدو حدوهم، وتنتهج الطريق الذي قادهم الى النجاح. اردت ان تسأله ان كانوا هؤلاء المسئولين الليبيين اعضاء في الحزب الفاشي مثل اولادهم، الا ان الرجل اسـأنف حديثه عن الحزب فلم تشأ ان تقاطعه، قائلا بان هناك عدا هؤلاء الاشبال، نخبة ممتازة من الشباب الليبيين، ممن يشكلون النواة الاولى في ليبيا لهذا الحزب، شارحا وهو يقودك الى مكتبه، كيف ان الانضمام الى الحزب الفاشي، يشبه تماما الانضمام الى احد الاندية الرياضية، لانهم هم ايضا يعلمون اعضاء الحزب مختلف الرياضات مثل السباحة وركوب الخيل والعدو والرماية، وهناك طبعا حصص للتدريب على السلاح لمن لم ينل تدريبا من قبل، واعطاك اثناء وجودك في مكتبه مجموعة من الكراسات الارشادية، بعضها مكتوب بالعربية، تتضمن معلومات عن الحزب وتاريخه واهدافه، مع كراسات اخرى تضم خطب الدوتشي في المناسبات التاريخية وتحليلاته للسياسة الدولية، كما ساعدك في تعبئة نموذج طلب العضوية الذي سيعرض على امانة المكتب الفرعي للحزب وعندما عرف انه بجوار عملك سائقا في قصر الحاكم العام، فانت منخرط في الجيش واكملت مرحلة التدريب الاساسي، طمأنك بان الموافقة على الطلب، مضمونة في مثل حالتي، فهي لن تأخذ وقتا كما يحدث مع طلبات اخرى تحتاج الى تحريات كثيرة لان أي تحريات بالنسبة لي لن تكون غير مسالة روتينية لا تستغرق يومين او ثلاثة ايام، واضاف مجاملا بانه يمكنك ان تعتبر نفسك عضوا في طلائع الشبيبة الفاشية الليبية منذ هذه اللحظة.
لم ينس الرجل اثناء توديعه لك، ان يحييك على هذا التفكير الصائب الذي هداك الى اختيارافضل الطرق، لخدمة الدوائر الثلاث المهمة في حياة أي مواطن يقطن هذه البلاد، دائرة الوطن الكبير ايطاليا، ودائرة الوطن الصغير ليبيا، ثم دائرة الذات بسبب ما يتيحه الحزب من فرص النجاح امام اعضائه،واعطالك معلومةاخيرة لاسعادك وهو ان المارشال بالبو باعتباره اعلى مسئول في الحزب قرر اعفاء الاعضاء الليبين من رسوم الاشتراك في هذه المرحلة تشجيعا لهم على الانخراط في الحزب. قلت وانت تصافحه مودعا:
ـ جزى الله المارشال كل خير عن اخوته الليبيين.
لم تكن ساذجا لتنخدع بكلام الرجل عن الدوائر الثلاث، فقد جئت عارفا ما انت مقدم عليه، ولم تكن بحاجة لغواية احد او تنفيره لك، كما لم تكن بحاجة لهذا الغطاء النبيل عن خدمة الاوطان كبيرها وصغيرها، فانت لم تكن معنيا بغير دائرة الذات التي اشار اليها، تبحث عن خلاصك الشخصي، اما الوطن الذي تنتمي اليه فان خدمته لا تكون بالانضمام للحزب الفاشي، ولا تقول في هذا الشأن الا ما قاله جد النبي لابرهة الحبشي عن الكعبة، فالوطن مثل الكعبة له رب يحميه، بل ان الانضمام لهذا الحزب شيء مدان من الناحية الوطنية، ولكن من تراه يملك هذه الايام شرف التطلع لخدمة القضية الوطنية، بعد ان وقعت البلاد بكاملها تحت نعال المحتلين. عبد المطلب سعى لاسترداد نياقه، تاركا امر الكعبة لخالق الكون، واحرص ما يحرص عليه أي انسان ليبي مثلي، في ظل هذه الظروف، شيئا ربما اكثر تواضعا من ذلك، وهو ان يتمكن من البقاء على قيد الحياة، فلا يقتله ابرهة الايطالي، او يدفعه الى الموت لانه لايجد طعاما او علاجا او مكانا يأويه. انك لم تفكر في حمل البطاقة الفاشية، الا بهدف النجاة من الموت في حرب الحبشة.هذا هو هدفك الذي لا هدف لك سواه، ان تبقى في وظيفة سائق كما انت، وان يرفع اسمك من لائحة الذاهبين الى الحرب. بل انت حتى الان لست واثقا من ان
اللجوء الى الحزب الفاشي، سيحقق لك هذا الامل. انها مجرد محاولة، او مقامرة، ربما تكسب ورما تخسر. الخطوة التالية التي تنوي اتخاذها، وتعرف انها اكثر تاثيرا واهمية، رغم انها ليست محملة بهذه الحمولة السياسية الثقيلة لعضوية الحزب النازي، هي البحث عن وسيلة لاقصاء عياد الفزاني عن الوظيفة، بمعنى ان تمارس عليه نوعا من الضغط، يرغمه على طلب البقاء في مرزق، مثل تلفيق اشاعة كاذبة ترسل الخوف في قلبه، فلا يأمن االمجيء الى طرابلس، ويضطر مرغما للاعتذار عن مواصلة العمل مع حورية، بسبب ظروف قاهرة تجبره على البقاء مع اسرته.
وبمجرد الاهتداء الى هذه الفكرة، ذهبت مسرعا الى عبد المولى الشحاذ تترصد له امام جامع ميزران، وواعدته على اللقاء ظهر اليوم التالي في حديقة البلدية، فهو اكثر دراية منك بالاماكن التي يتردد عليها اهل فزان ووكالة السفر الخاصة بهم. اقتر ح ان يأخذك الى مقر الوكالة بالقرب من سوق الثلاثاء لتتولى بنفسك السؤال عنه والبحث عمن يبلغه الرسالة التي تريد، فافهمته ان المهمة تحتاج الى رجل مثله، لا يرتبط بدوام رسمي مثل ارتباطك، وشرحت له ما تحب ان يفعله، فهي رسالة في منتهى الخطورة، ويجب ان تصل الى صاحبها في اقصى سرعة ممكنة، وعليه وفقا لذلك ان ينتظر مهما طال انتظاره حتى يجد رجلا يستعد للسفر الى عاصمة الجنوب في التو واللحظة، ليأخذ الرسالة الى عياد الفزاني، واقترحت عليه الا يكتفي بمبعوث واحد يحمله الرسالة، وانما يسعى للعثور على عدة رجال، حتى اذا اخفق احد في ايصالها،اوصلها الرجل الاخر، مع ابلاغهم جميعا بانها رسالة في غاية السرية، يجب الحرص على كتمانها، ونقلها بمنتهى الحيطة والحذر الى صاحبها، وفحوى هذه الرسالة انه نتيجة لما يحشده الاحباش من جيوش في مواجهة الحملة الايطالية، قرر الجيش الايطالي مضاعفة عدد الاليات التي سيدخلون بها الحملة لمواجهة التفوق العددي للاحباش، ولذلك فقد صدر الامر لسلطات الولاية بجمع كل السائقين من اصحاب الخبرة، وفي مقدمتهم السائقين العاملين في الدولة، لارسالهم الى الحبشة، و لكي يضمن لنفسه النجاة من موت محقق في تلك البلاد البعيدة،فان عليه ان يبقى مع اسرته في فزان، والا يحاول المجيء الى طرابلس، باحثا عن أي مبرر يعفيه من مواصل العمل كسائق في قصر الحاكم.
تقاسمت معه الليرات العشر التي نفحتها لك حورية، وانت تلح عليه الحاحا شديدا ان يذهب على الفور لاداء هذه المهمة الانسانية، دون ان تخبره بحقيقة الموقف، وانك اختلقت هذه القصة اختلاقا من اجل ان تبعد عياد الفزاني عن عمله، كي تأخذه انت. تظاهرت بانك تفعل ذلك خدمة لصديق، تعرف انه صاحب اطفال، سيواجهون احتمال التيتم والتشرد في حالة سفره. لكن الشحاذ صار قادرا على الانصات لتلك التيارات العنيفة التي تتصارع وراء مظهرك الوادع، بفضل ما حدث من تواصل وتعاون بينكما منذ نزوحك من القرية، ولم يكن صعبا عليه ان يعرف حقيقة الدوافع التي تختفي خلف هذه المهمة الانسانية، لانه ابتسم بخبث وهي يأخذ الليرات الخمس، وشحذ عينيه الصغيرتين الخاليتين من الاهذاب، وقال وهو يقترب منك، كانه يتفحص شيئا في عينيك:
- ما اريده منك ليس هذه الليرات الهزيلة، وانما شيء اهم، وهو ان تلحقني بالعمل بوابا اوعساسا في بيت السنيورة، بعد ان يستقر بك المقام سائقا رسميا لها.
- اذهب يارجل وانزع من رأسك هذه الشكوك التي ستتحول الى نار تحرقك ان شاء الله.
عندما وضعت رأسك على الوسادة ليلا، كنت سعيدا بما اتخذته من تدابير تضمن لخطتك النجاح. فالاماني لا تتحقق بمجرد رفع اليدين اثناء الصلاة، والتوسل الى الله بان يجيب الدعاء، لان هذا الدعاء نفسه لابد ان يدعمه صاحبه بالعمل ليبرهن امام ربه انه جدير بعونه ونصرته، كما عبر عن ذلك سيدنا النبي للاعرابي الذي يريد ان يتكل على الله في حماية ناقته quot; اعقلها وتوكل quot;. ومنذ ان دخلت معترك الحياة في المدينة معتمد ا على نفسك تعلمت الا تترك الامور للصدفة وحدها ولابد ان تفعل شيئا لتحريك هذه الصدفة لكي تكون لك لا عليك.
لن يمر وقت طويل باذن الله حتى تأتي استقالة عياد الفزاني، وتنتهي اجراءات انتماءك للحزب الفاشي، وتحقق لنفسك الانتقال من حياة الطبقات السفلى، المدفونة في قبر سيدنا نوح، الى شرائح اجتاعية اوفر حظا واكثر يسرا ورفاهية، وبلوغ تلك المشارف العالية في المستقبل التي يبلغها الا قلة من الليبيين اصحاب الحظوة والنفوذ. ليقل رفيقك سالم ما شاء قوله من كلماته الكبيرة الهادرة، الفارغة من المعنى والمضمون، فكل ذلك لم يعد يثيرك او يجعلك تحس بالذنب من مواقفك، كما حدث منذ ساعات قليلة مضت عندما جاء الى لقاء الغابة غاضبا صارخا كمن لذغته عشرة ثعابين في وقت واحد، قائلا دون ان يعير انتباها لمن يمكن ان يسمع كلامه من الوشاة والمخبرين:
- هل حقا اصبحت عضوا في الحزب الفاشي؟
انكرت امامه ان تكون لك اية علاقة بمثل هذا الحزب، وسالته مستنكرا عمن نقل اليه هذه الاكاذيب.
- ليس هناك من الليبيين من لم يسمع بالخبر، فقد حرص الشاويش عنتر على نقله للجميع فردا فردا، ليبرهن لهم على الحضيض الذي وصلت اليه.
قابلت انفعاله الشديد باعصاب باردة، وحاولت ان تنتزع الضحك من وسط هذه العاصفة التي يثيرها سالم في وجهك اعتمادا على مقولات الشاويش عنتر:
- لا ارى الانضمام للحزب الفاشي من زاوية النظر للشاويش عنتر حضيضا، وانما قمة عالية لا يحلم بالوصول اليها. واقسم لك صادقا انني شخصيا لا اعرف انني اصبحت عضوا في الحزب الفاشي، فكيف استطاع هو ان يعرف عني شيئا، لا اعرفه عن نفسي؟
- لا تحاول ان تغطي عين الشمس بالغربال. لقد تقدمت انت بالطلب، وباشروا هم تحرياتهم عنك، التي قادتهم لسؤال الشاويش عنتر عن التزامك العسكري وولاءك للوطن الام ايطاليا. ولعل صاحب القميص الاسود الذي جاء يتحرى عنك لم يقل له صراحة عن السبب، ولكنه استخدم حاسة الشم القوية التي يملكها، حتى عرف السبب وجاء مغتبطا ينقله الينا، ويقول بانه اثنى بالغ الثناء على لائك الشديد لايطاليا وتفانيك في خدمتها.
- ليس مستغربا من الشاويش عنتر ان يقول عني ذلك.
- ولم يعد مستغربا منك ان تأتي بمثل هذه الافعال المعيبة.
قال بصوت هادىء يخالطه شعور بالاسى ثم اضاف
- لست هنا لكي اعاتبك او الومك، لان الامر هذه المرة اكبر من أي لوم اوعتاب. جئت فقط لاتأكد وها انا قد فعلت.
اذار ظهره ومضى. اوقفته قائلا:
- تمهل قليلا لتسمع رأيي.
- لا اريد ان اسمع منك شيئا، ولن تسمع انت مني كلمة بعد اليوم، واذا رأيتني صدفة في الطريق، فارجو الا تبادر باطلاق السلام، لانني لن ارد عليك.
اعترضت طريق وعندما رفض الوقوف،سرت بمحاذاته، وحين اسرع الخطى مضيت تلاحقه وتسرع الخطى مثله قائلا:
- كن حنبليا واخلاقيا وشديد التطرف في الوطنية، كما تشاء، ذلك لن يغير شيئا من حقائق الحياة، وحقائق الواقع التي تمنعك من ان تكون غير ما يريدون هم ان تكونه. انت ذاهب بمشيئة الله الى بر الاحباش. ماذا تراك فاعل هناك. ذاهب هناك لتقتل اناسا لا تعرفهم، ولا قضية لك معهم، ولا ضغينة بينك وبينهم، كل جريمتهم انهم يدافعون عن بيوتهم وقراهم ضد الغزاة. ستقتل كل من تستطيع قتله منهم، لانك لو لم تفعل ذلك فسيقتلونك هم، لتموت موتة قذرة لا شرف فيها ولا كرامة.لا خيار أخر امامك ايها الرجل الشريف الا ان تكون مجرما يقتل اناسا ابرياء. فما الذي تقوله الوطنية، والاخلاقيات عن هذه المهمة؟ انك تساق الى هذه الحرب قسرا، نعم، ولكن هذا لا يمسح او يلغي قذراتها، ولذلك اقول، بان أي شيء يفعله انسان مثلي، من اجل ان يتجنب الذهاب اليها، مهما كان بشعا، سيكون اقل بشاعة وقذاره واثما من المشاركة فيها. هل فهمت لماذا قدمت طلبا للحزب الفاشي؟ انني لا اعرف عن الفاشية او حزبها اللعين شيئا يغريني بالانضمام اليه. لا اعرف الا جانبها البشع الكريه الذي افنى نصف هذا الشعب، ولكنني انضم اليها باعتبارها شرا اهون من شر آخر. رضيت بان انغمس في متستنقع يصل مستواه الى صدري، لكي لا اغرق في مستنقع يفوق مستواه مستوى رأسي، واموت مدفونا في قذارته وعفونته. هل عرفت الان السبب؟
- لا اعرف الا شيئا واحدا، وهو انك انسان لا امل فيه، وان طريق الهوان الذي اختاره، طريقا لا حدود له ولا نهاية،
عندما مضى عنك، لم تكن غاضبا منه، ولا غاضبا من نفسك. تعرف انه سالم،الفتى الذي يحمل نقاء وسداجة ايام الطفولة في اولاد الشيخ، والذي لم يخرج من قماطه القروي كما فعلت انت، وانه لن يطول به الوقت حتى يصطدم بالحقائق الصلبة كالصخور، التي سوف تدمي جبينه وتقنعه بان واقع الحياة لا علاقة له بتلك المثاليات التي تعلمها في زاوية سيدي السني القرآنية.
المشكلة انك عندما عدت الى العنبر، وجدتهم جميعا يقاطعونك، ويتجنبون الحديث معك، ويرفعون انوفهم الى السماء تأففا ونفورا منك. القيت التحية، فابوا جميعا ان يردوا عليك التحية، ورغم غرابة ان يسهى الجميع عن الرد، فقد اعتبرته سهوا وكررت القاء التحية، ثم اردفت ذلك بسؤال تعمدت ان يكون مباشرا عمن رآى الشاويش عنتر، لا لانك حقا تبحث عنه، وانما للتأكد من ان زملاء العنبر كلهم قرروا وضعك تحت المقاطعة، وعندما تيقنت من ذلك، وقفت تنظر اليهم ذاهلا مستغربا من مثل هذا السلوك الذي يسلكه ضدك مجموعة من الاشقياء المندورين لحياة البؤس والقهر، وكل واحد منهم، يريد ان يمنح نفسه شرف ان يكون وطنيا على حسابك انت، ونسى الارض الموحلة التي يمشي ويجلس وينام فيها، واتخذ من هذه القصة فرصة لاظهار انه اكثر شرفا ووطنية منك. اردت ان تنفجر فيهم، لاعنا الارض التي حملتهم، واسقف البيوت التي اظلتهم، والاباء والامهات الذين انجبوهم، ولكنك منعت نفسك من الانفجار غضبا لكي لا تعطي لمقوفهم منك اهمية لا يستحقها، اطفأت نور العنبر وتمددت فوق سريرك ورايت ان رد الفعل المناسب، هو ان تضحك هزءا وسخرية منهم. نعم لان حجم المفارقة كان كبيرا لا يستدعي أي فعل من طرفك غير الضحك، ولذلك صرت تقهقه باعلى طبقات صوتك، لاشعارهم بان ما فعلوه كان مجرد نكتة في نظرك، وهو فعلا كذلك، اذ انهم يستهزئون بشيء لا احد منهم، يملك القوة او الجرأة او الشجاعة على فعله. انهم ضعاف وانذال وجبناء، وفوق ذلك يجعلون من هذه الخصال الذميمة مصدرا للفخر ويقاطعونك لاثبات انهم اهل الشهامة والنشامة بينما العكس هو الصحيح، وانك انت الذي ابى ان يكون فردا من افراد القطيع، واتخذ طريقه وحيدا، وبعيدا عنهم، وسيكون طبيعيا بعد ذلك، ان تتركهم يجرون الى الحرب و يسقطون في دوامة الموت والدم، وتنجو وحدك من هذا المصير، وستكون انت الذي يضحك كثيرا اولا واخيرا.
جلجلت ضحكاتك في ظلام العنبر دون ان تسمع ردا
من احد، وكأنما ازال الضحك كل الشوائب التي تركتها في نفسك كلمات سالم ومقاطعة زملاء العنبر، فوضعت رأسك على الوسادة وانت تشعر بارتياح عميق، تماما كما حدث عندما اتخذت قرارك بالانضمام الى حزب الاقوياء،لانك لم تفعل ما فعلت بناءعلى ارادة احد غيرك،او لمصلحة احد سواك، ولكنك فعلته بدافع مبرر ومشروع، تباركه ملائكة الرحمن وهو انك تريد الخير لنفسك ودفع الشر والاذى عنها. انك ما تزال عريفا للعنبر، وبامكانك ان تبحث عن ذريعة لتأديبهم، لكن أي تبليغ يجب ان يذهب الى الشاويش عنتر، ولعلهم دبروا معه مكيدة ضدك، والا ما تجرأوا على اتخاذ هذا الموقف العدائي منك، والخير كل الاخير ان تترك الامور تمضي الان، حتي تحين الساعة المناسبة للانتقام.
في الصباح تسارعت وتيرة الاحداث بشكل ازال من نفسك كل احساس بالطمأنينة والامان، وجعل كل شيء، مهدد ا بالانهيار والضياع، فقد صدرت الاوامر للمعسكر الذي تنتمي اليه، بالاستعداد للرحيل الى بلاد الاحباش خلال ثلاثة ايام. وبدأت الترتيبات منذ الصباح لتنفيذ الامر، وعند ما اردت مغادرة المعسكر وجدت من يستوقفك عند البوابة ليبلغك بالتعليمات التي تمنع أي احد من مغادرة المعسكر قبل ان يأخذ حقن التطعيم لان هناك لجنة طبية بدات تباشر عملها داخل المعسكر وهي تريد ان تفرغ سريعا من هذه المهمة، لالتحاق بمعسكر تاجوراء. لم يكن امامك الا الاستسلام للأمر الواقع ومحاولة الانتهاء من عملية التطعيم سريعا، متحججا امامهم بان لديك عملا ينتظرك في قصر الحاكم، مدركا ان كل ساعة تفوت تنقص من فرصة البحث عن وسيلة ناجعة تخرجك من هذا المأزق. كان النصف الاول من النهار قد انقضى عندما استطعت اجتياز البوابة الى الخارج، ومعنى ذلك ان يوما من الايام الثلاثة اوشك ان ينقضي دون ان تحقق فيه شيئا. ومسرعا ذهبت الى مقر عملك، بامل ان تستفيد، مما تبقى من اليوم، وباقصى ما لديك من قوة وسرعة صعدت السلالم تطرق بيت حورية. تردد حواء في ادخالك لان السنيورة مازالت تأخذ حمامها. دفعت الباب قائلا بان لديك خبرا لا يحتمل التأجيل، ولابد من ابلاغها اياه في الحال. جلست يأكلك القلق، غيرقادر على ان تسيطر على اعصابك، او تمنع يداك من القيام بحركات لا معنى لها. فهما تتناوبان على ضرب الركبتين بقوة وعصبية وهرش الرأس بلا مناسبة، ثم فجأة قفزت واقفا وانت تسمع صوت سيدة البيت يسبقها، قبل ظهورها امامك في الصالون، تسأل عن طبيعة هذا الخبر العاجل الذي جئت به اليها. عقدت الدهشة لسانك وانت تراها تظهر امامك بهذه الصورة، فلم تستطع الرد عليها بكلمة واحدة كأنما اصابك البكم. لأول مرة ترفع السنيورة حورية الكلفة بينها وبينك، وتخرج اليك مباشرة من الحمام وهي لا ترتدي سوى فوطة بيضاء تحيط بجزء من جسمها وتركت اجزاء اخرى من الجسم تشع وتتوهج وتصدر اضواء تبهر القلب وتعشي البصر وتشل ملكة التفكير لديك. رأتك مرتبكا، عاجزا عن النطق، فسألتك ان تجلس، وجلست هي قبالتك وقد انحسرت الفوطة عن احدى ساقيه
التعليقات