كان في قديمِ الزمان، حمار جبّار يبلغ وزن كلّ حافر من حوافرِه الأربعة ما لا يقلّ عن خمسين كلغ، فيما يبلغ حجم كلّ عين من عينيه الجاحظتين حجم مصباح سيّارة فولز فاغن. أمّا نهيقه، فهدير محيط متلاطمِ الأمواج غضباً إذْ تخترق مجاله عاصفة هوجاء فارّةً من وجه العدالة أو قولوا هو زمّور خطر عابر للقارّات.
و تقولُ الرواة أنّ هذا الحمارَ كان يحتل ّ ناحية ً من نواحي الأرض كلّها خضراء ورقراقة بالماء الذي ينبجس من ينابيع عظيمة ويجري دفّاقاً في أنهرٍ لها أوّل وليس لها آخِر. وليس هذا وحسب فهو يحتكرُ هذه الناحية احتكاراً مطلقاً لروحِه فيما يحشر أهلَه وربعَه وبني جلدته كلّهم في الناحية المقابلة الجرداء القاحلة الموات. والذي يتجرّأ منهم ولو فيه خصاصة أو مشرف على الهلاك والبوار جوعاً وعطشاً، ويتجاوزَ حدوده إليه، يلقى من فوره العقاب الصارِم، ليكون عبرةً لمن يعتبر.
هذا ولم تسلمْ من عَنَت هذا الحمار مخلوقاتٌ هي من السكّان الأصليين للناحية، وعلى سبيل المثال، فهو يلبط كَيداً دائماً قلبَ الهواء، وينهق عامداً متعمّداً كلّما رأى حرذوناً فوق حجر أو صخرة ينحني للشمس، وما ذلك إلاّ ليشوّش عليه مناجاته لها كما ينهق عامداً متعمّداً وفقط ليشوّش أيضاً على نملةٍ تهمسُ لرفيقتِها بأمرٍ حميميّ كأنْ تهمس لها أنّها غارقة حتى شوشتها في حبّ فلان من النمل وما إلاّ يختلط عليها الأمر بسبب النهقةِ المنكرةِ فلا تدري إلاّ وهي تقول لصديقتها المحتارة: لديّ عمل كثير اليوم. ثمّ تسألها لو تساعدها على نقلِ خيشةِ شعيرٍ قريبةٍ إلى الوكر. إلى ذلك فهو يبعِّر ولا يسأل أين يبعِّر وغالباً ما يبعِّرُ في عشٍّ لقبّرةٍ غير آبهٍ بزعيقِها الذي يملأ الفضاءَ، وبكلّ محاولاتها اليائسةِ لإبعادِه عن بيتِها الذي ابتنتْهُ بعرقِ جبينها وبكدّها وتعبها، ولم تنهبه من غيرها كما هي سيرة أشرار غبار يأتون من غرب الأرض وشرقِها متخفّين تحت عباءةِ الإستعمار ويعيثون في الأرض ِ فساداً.
و باختصار، انقضت ْ سنوات ٌ طوال وهذه سيرته حتى برزَ من لا مكان في يومٍ من الأيّام شيطان على هيئة ذئب أغبر له أنياب أطول من رماح الرومان ومخالب ولا خناجر الحشّاشين. رآه الحمارُ الجبّار فأرعبه منظرُه ولكن لم ييأسْ وراح يكبس الأرض بحافريه الأماميين ثمّ ينقرها نقرات ذات مغزى، ومن دون أن يبعد عينيه عنه. كان الذئب الأغبر يلفّ ويدور حوله وهو يدور معه ولكنْ حول ذاته وكانت فوقهما في السماوات العلى غيمة شاحبة كلّما تتعاظم وتحتها قطيع من العقبان يلفّ ويدور أيضاً.
والحق يُقال أنّ الذئبَ غير مطمئن كفاية. كان متردِّداً، ويشيل ويحطّ، فالحمار ليس هيِّناً. وكأنّما ينشد التشجيع، خفّض أكثر من سرعةِ دورانه حول غذائه لكي تسمعه جيِّداً ديدان بطنه، وسألها: أأكرّ؟ واستتلى قائلاً قبل سماع جوابها: لم أرَ بحياتي كلّها حماراً بهذا الحجم. إنّي أرى أوّل ذيلِه ويقصِّرُ بصري عن اللحاق بآخره. قالت له الديدانُ، بطيشٍ ما بعده طيش، وبقهرِ مَنْ أضناه الجوع: وما شأننا بذيله أيّها الوحش؟ كرّ عليه ونيّبه وابقر بطنَه، فمنذ أيّام لم تدخل بطوننا لقمة. ألا إعلم يا صاحبنا وولي نعمتنا أنّ القائد العظيم هو الذي يسمِّن جنده، أمّا الجند الحفاة العراة الذين يبيتون على الطوى فليس منهم جدوى. ألا اعلمْ أيّها البطل الصنديد أنّ البطلَ الصنديد هو هباء إذا لم يكن له مَنْ يحمي ظهره. ألا اعلمْ أيّها الفارس المغوار أنّك لا محالة هالك إذا نحن هلكنا. كرّ عليه يا حرّ ونحن سنكرّ معك ونشدّ عضدَك.
وما كاد الذئب الأغبر يكرّ حتى دخل على الخطّ عقله وقال له:
مكانك يا مجنون. أتكذِّب عينيكَ وتصدِّق هلوسات ديدانك؟ يا حيفي عليك، كيف لك عين تنساني هكذا؟ أتستشير العُوجَ وتهملني؟. أنظرْ إلى حوافره. ماذا لو أصابك حافرٌ طائش؟ سيفجِّمكَ وسأتفجّم أنا بالطريقِ معك وستفارقك روحُك وحتماً ستصبح نهباً لعسكرك الرعاع الذين أمرضتَهم بقلّةِ تدبيرك وكثرة جهلك. إصغي إليّ، أنا وحدي صديقك. قال الذئبُ الأكبر أنّ النابَ من دون عقل هو هو العقل من دون ناب. الناب الذي لا عقل له هو كالعقل الذي لا ناب له. وقال الذئب الأكبر الذي هو جدّك وجدّي أنّك يجب أن تحتال على معيشتك وإلاّ احتالت المعيشة عليك. وقال أنّ الحربَ خدعة. الخادع في ساحةِ الوغى منصور والمخدوع مقهور ومطحون بين حجريّ الرحى. حاربْ خصمَك بسلاحِك لا بسلاحِه. قدّمني يا صاحبي أقدِّمك أو اخذلني واهملني أخذلك وأهملك.
وشال َ الذئب ُ الأغبر وحطّ ، ووازنَ بين ما قالته ديدانُه وما قاله عقلُه فوجد أنّ عقلَه لا يقول إلاّ الحقّ ، وليس غير الحق.
ولم يكذِّب خبراً. وجمد من فوره في مكانه . و بسرعةٍ أسدل َ الستارةَ على أنيابه و أعاد مخالبَهُ إلى أغمادِها وذرف َ دموعاً ليطفئ بها جمر َ عينيه وأحنى رأسَه مطرِقاً مفكِّراً في ما يجب أن يفعله الآن.
واشتبك الحمارُ الجبّار الذي لم يكن أقلّ من خصمه تهيّباً مع ذاته. قال لروحه: لا بدّ أنّي قضمتُ عشبةً غريبة، فساعة، أرى أمامي شيطاناً، وساعة، أرى حملاً من الحملان. وقال لها:
أنظري يا روحي إليه، فقبل قليل كان يبدو كأنّه سيريني الأهوال، وها أنا الآن أراه طفلاً من الأطفال، ويبكي. أنظري إلى عينيه كيف يقطر منهما الدمع. وسألَها: أهو تائه ويبحث عن أمّه؟. وفيما هو يسأل روحَه، (وقلّما تسأل الحمير)، وروحُه تجيب، وإذ بالذئب الأغبر يقول له بالثغاء متلِّهفاً مشتاقاً مدنفاً: أجل أجل هذا أنت. واستتلى: صدِّقْ أيّها العظيم أنّي قلتُ لروحي من بعيد أنّ هذا أنت. يا لسعدي وهنائي. على أنّ روحي لم تصدِّقني حتى اقتربتُ منك وتفحّصتُك من كلِّ نواحيك. أجل أجل إنّك أنت. الظلام الخفيف عليك أيّها الجليل. فرحتي بك وبلقياك لا تعادلها فرحة. صيتكَ مالئٌ الدنيا وشاغل الناس. إسمك يرنُّ وذهبٌ. حقّاً لا يليق بهذه الربوع الغنّاء إلاّ أنت. ألا اعذرني يا سيّدي إذ اقتحمتُ حماكَ من دون إذنك. فقد طاش عقلي من بهاءِ طلّتك ومحيّاك. أجل أجل هذا أنت. قلتُ لروحي أنّي يجب أن أقبِّلَ الأرض بين حوافرِك، وأن أضيِّعَ، أنا المستوحِد المستوحش، بعض الوقت معك، بالإستفادة من بحر علمك. لا بل من محيطات علمك. ولا بل من مجرّات علمك. اعذرني يا سيّدي على عجلتي. وأنا معذور كما لم يعد يخفى عليك. أرجوكَ يا سيّدي القاضم العِلمَ قضماً أن تعطيني رأيك بنظريّةِ نهايةِ التاريخِ وبنظريّةِ تصالحِ الطبقات وبنظريّة نهايةِ الأيديولوجيّات وبنظريّةِ موتِ الشِعر وبنظريّة موتِ الإنسان وبمفهومِ صراعِ الحضارات ومفهومِ الضربات الإجهاضيّة أو الوقائيّة أو الإستباقيّة. ما هو رأيك بالكوزموبوليتيّة وبالعولمة؟. أرجو يا سيّدي ولا سيِّد لي غيرك أن تجيبني على هذه الأسئلة السهلة عليك ومن دون أدنى شكّ، فأنا طامع بالنهل من بحرِ علمك بل عفواً، من مجرّات علمك.
أطرقَ الحمارُ الجبّار قليلاً، من دون أن يرفع عينيه عن هذا الواقف أمامه، ونقر الأرضَ نقرتين خفيفتين بحافرٍ من حافريه الأماميين ورفع رأسَه وسأل الذئبَ مبتسماً: أجبني أوّلاً وبصراحةٍ، أحقّاً أنتَ طالب علِم أم أنتَ طالب لحم؟.
واختلط بعضُ الذئبِ ببعضه من هولِ السؤال. وزاغتْ عيناه ثمّ ارتعش كأنّه يختلجُ مفارِقاً هذه الدنيا مرّةً وإلى الأبد. وبصوتٍ كأنّه يصعد من قبرٍ سألَ عقلَه: أسمعتَ بأذنك ما سمعتُه أنا يا عقلي بأذني؟. استتلى من دون أن يسمع الجواب: والله مَنْ يسأل هذا السؤال لا يُهزَم. إنّه ينمّ عن فطنةٍ ما بعدها فطنة. إنّي بأذني سمعتُ جدّنا الذئب الأكبر يقول: quot;لا تقارع مَنْ يسألquot;. لا مناص من الفرار. وإذا كنتَ يا عقلي مستغنياً عن حياتك فأنا عندي زوجة وصغار، وسيهلكون من دون عوني لهم، ولذلك أنا غير مستغني عن حياتي.
قال له عقلُه: إثبتْ. أراك قد انهزمتَ والحرب لم تبدأْ بعد. ألا إعلمْ أنّه إذا يَسأل سؤالاً فإنّ في جعبتكَ ألف سؤال من وزن سؤاله وأصعب وأخطر. إنّك تحيِّرني يا صاحبي بتصرّفاتك اليوم. ولولا أنّي نشأتُ معك، وأعرفك حقّ المعرفة، لأنكرتُ أن تكون أنت أنت. ألا إعلمّ أنّ كلّ حيّ فوق الأرض وتحتها إلاّ وفي جعبته أسئلة. وكان على العظيم داروين أن يضيف هذه المعلومة إلى كتابه الخلاصة quot;أصل الأنواعquot;. وكيف لهذا الحمار أن يكون أصلاً لو لا يسأل؟. لا وجود لمن لا يَسأل. المهمّ أن تظل تسأل. المهمّ أن لا يكون السؤال يتيماً. المهمّ أن تصعدَ من ذروةٍ إلى ذروة. المهمّ أن تكون جادّاً حين تَسأل. أنظرْ إلى غذائك كيف يبتسم. أيسأل ويبتسم في الوقت ذاته من حقّاً يَسأل؟. أجل إنّه يسأل، ولكنّ سؤاله ليس هو السؤال، وهو على هذه الحال. وليس سؤال الغريزةِ بمهاب. هيّا شدّ حيلك، وتقدّمْ في مسعاك، لكنْ لا تثرثرْ كثيراً فيضيع الوقت ومن يضيّع الوقت يضيّعه الوقت. هيّا قبل أن يدخلَ على الخطّ ضبعٌ حقيرٌ فينهب منك ما هو حقّ لك. والمثل يقول: من يسبق يشمّ الحبق.
طلع َ الذئب ُ ونزل ، وفلفش وبحبش ، وراح ورجع ، ونكّش وبلبش ، فوجد أن كلام َ عقله هو عقل الكلام ، ولا يعتوره باطل ٌ لا من وراء ولا من قدّام .
التفت َ إلى السماء مستوثقاً أكثر ، فرأى قطيع َ العقبان دائب على اللفّ ِ والدوران ، وفوقه الغيمة كلّما تتلبّد بفعل التحام الغيوم الجيران بها استعداداً للّحظةِ المناسبة كما كان من قبل وكما سيكون من بعد إلى يومٍ معلوم ٍ ومفهوم: معلوم بحساب الزمن الذي لا زمن له ، ومفهوم بحساب العقل الذي لا يفتأ يتكرّر ولو كرِه الكارهون.
سقطتْ قطرتان على خدّ الذئب فانتبه. أحنى رأسَه ورفع َ ه ، كمن ينفض غباراً عن كاهله ، وقال للحمار الذي لا يزال ينتظر مبتسماً جواباً على سؤاله:
إنّ سوء الظن ، أيّها الحكيم ، دليل قاطع على حسن الفطن. أجل ، من زمان كنتُ أطلب اللحم إلى يوم التقيتُ فيه من نبّهني وأيقظني وعلّمني ودلّني أنّ اللحم مضرّ بالجسم. وأنت أعلم أنّ من لا رأس له لا مكان له ، ومن لا مكان له هو حتماً لا رأسَ له. واستخدمتُ رأسي وانقلبت ُ بين ليلةٍ وضحاها بالضدّ من داروين وماركس وعموم الماديين ، إلى آكل عشب. أنظرْ إلى جسمك أيّها الكبير ، فيا عيني ما أكبرك ، ذلك لأنّك ناهض على العشب ، وانظرْ إليّ فبالكاد أبلغ ثلثك ، ذلك أنّي نهضتُ على اللحم ولو لم أستدرك ما فاتني لرأيتني بحجم فأر. بل أنا طالب علم . وحقّ قطيعِ العقبان الذي يدور الآن فوق رأسي ورأسك . وحقّ الغيمة التي تظلِّل القطيع من حمأة الشمس.
رمق َ الحمار ُ الجبّار من طرف ِ عينه، فيما الأخرى على الذئب، فرأى القطيع َ والغيمة. قال للذئب: لو لم أر َ القطيع َ والغيمة َ لقلتُ أنّك َ كاذب. الآن أيقنتُ أيّها الصاحب أنّك لا تقول إلاّ الصواب. ومن عاداتٍ أن تكون ضيافة أوّلاً ولثلاثة أيّام متتالية ، وبعدها يكون أخذ وردّ ، وسؤال وجواب . فكن ضيفاً عليّ ، وبعدها يحلّها حلاّل ، وأجيب على كلّ أسئلتك . يا أهلاً وسهلاً بك . إسرحْ وامرحْ والأرض أمامك سدح مدح . إسترحْ ، نم ، وكلْ واشربْ ، وضيِّع الوقت بقدر ما تشاء معي ، فأنا خير من تضيِّع كلّ الخلائق وقتها معه ، ولكن رجاءً إبقِ على مسافة ٍ في ما بيني وبينك ، فقد يطرأ ُ عليّ حال ٌ فأعضّك أو ألبطك أو أضرط بوجهك ، وهذا أمر لا يخفى على كلّ جبّار مثلي ، وأرجو ألاّ يكون يخفى على واحد ، ومع عدم المؤاخذه ، من شِكلك.
قال عقل ُ الذئب للذئب فيما الديدان هامدة كأنّما تترقّب وموقنة بقرب ِ نزول الغيث وما سيعقبه من الخير الوفير: صدِّق ْ يا أخي الذئب أنّ أخطر إثنين في الكون هما الحمار وأينشتاين. أهذا الماثل أمامنا حمار أم أينشتاين؟ ورغم ذلك فتيقّن أنّه مأكول أكان هذا أم ذاك ، فكلاهما حلال عليك. كما لا أشكّ ُ أنّك في حربِك قد تقدّمتَ خطوة، وخطوة جبّارة حقّاً. أنتَ الآن في وضع ٍ أفضل، فالقصبة في يد ِ ك ، والطعم الذي يغلِّف الصنّارة َ يتلألأ ُ في الأعماق ، ولن يمنع َ حذر ٌ وقوعَ قدرٍ . فقط تذكّرْ عاملَ الوقت. أعود وأشدّد: حاذر الوقت، فإذا خرج عن طوعك انقلب عليك وفتك بك وجعلك عبرةً لمن يعتبر، فتنفق وأنفق بالطريق معك. الوقت حتى الآن لا يزال معك. لا نريد أن نستعجل ولا نريد أن نتكاسل. الزائد أخو الناقص. أنظرْ فوقك ووراءك والتفتْ يميناً ويساراً والمهم ّ : الطريق التي أمامك. حبيبك لا تهجره ولا تقطع ْ كلّ صلة بينك وبينه ، وعدوّك لا تأمن له ولا تحلّه محلّ نفسك. إعرضْ عليه أن تتصارعا حبيّاً ، فإذا وافق قل ألف مبروك ، وهنيئاً مريئاً لك ولي وللحمك ولديدان بطنك ، واحفظ ْ شيئاً منه في جرابك لجرائك وزوجك السيّدة الذئبة الغبراء ، فهم في انتظارك ، وعلى أحرّ من الجمر. اطمئنْ ، ستصطاد ، وسيكون في السلّة سمك. هيّا بنا إلى العمل.
عوى الذئب ُ كأنّما يثغو ، وسأل َ الحمار َ ما دام الطقس معتدلاً ومنعشاً لو يتصارعا حبيّاً ، على أن ّ المنتصِر َ يرقد في مكانه ، والمنكسِر يقوم ويعشِّب . وعلى أ ن المنتصِر يلتهم وحده ما عُشِّب له ، وعلى أنّ المنكسِر يقف ويبحلق بعينيه . وعلى أنّه شخصيّاً شبعان ، فمنذ قليل التهم معلفاً ، وليس في بطنه مكان بعد لحشر عشبة واحدة ، وبالتالي فإنّه حتى ولو كان المنتصِر ، فإنّ المحشوش يجب أن يؤكل وهو أخضر وعلى عجل ، أي على الحمار ذاته أن يلتهمه أيضاً .
وحثّه على ألاّ يبذل أيّ جهد . وفقط عليه أن ينفث َ الهواء من فمِه ، أو فقط أن ينهق َ، فينتصِر ، (وكم تظنّ الحمير أنّها تنتصر لمجرّد أ ن تنفث الهواء من أفواهها أو لمجرّد أن تنهق) ، وهنّأه سلفاً.
جمع َ الحمار ُ وطرح وضرب وقسم َ وفكّر بالجذر ِ التربيعي . أخيراً قال لروحه : هذا الربيع ربيعي ، والربيع يحبّ أهلَه ، كما للخريف أهله . واستتلى أن ّ الذئب َ هذا حمار بإهاب ذئب . وأنّه هو ذاته ، وعلى ضوء ِ ما سمعه ربحان ، ومضيف لحماً إلى لحمه من طريق بطنه ، كيفما كان الحال ، ومن دون أن يبذل أدنى جهد تقريباً .
ورمق بطرفِه قطيع َ العقبان ، وقال له: كنْ شاهداً وسترى ما يسرّك ويفرِح قلبك َ ويطيل عمرك ويكثِّر من ذريّتك . ثمّ رمق الغيمة َ الداكنة المحتدمة والتي حجبت ْ بجحافلها السماء كليّاً بنظرة ودودة ٍ وقال لها: كم أنتِ أيّتها الغيمة مباركة ! ثمّ التفت إلى الذئب الأغبر بكليّته وقال له ناهقاً: ولماذا لا نتصارع حبيّاً وفوراً؟ موافق ، هيّا.
وبطرفة عين قال عقل الذئب وديدانُه ولحمُه وروحُه ونداء ٌ من بعيد يستشعره: استعجلْ ، إنتر ْ القصبة َ وافتح الأمّان َ وردّ الخيط َ إلى البكَرة فقد علقت السمكة . وبطرفة عين أيضاً شبح َ اللئيم ُ باتّجاه الغشيم ِ، وكان قطيع العقبان يرى ويُسرِع في حركة دورانه ، والغيمة ُ ترغي وتزبد وترعد ، فجفل الحمار . وبأسرع من البرق الخاطف طيّر َ حافراً فاجتاح في طريقِه إلى مسافة عشرين متراً الذئب َ المسكين ، فما كان من هذا إلاّ أن عوى ألماً عشرين مرّة . ثمّ نهض ، وكرّ كرّةً ثانيةً . وكانت العقبان ترى ، وقلِقة . والغيمة تزمجر ، وتومض بالصواعق . فجفل الحمار أيضاً ، وطيّر َ على غير هد ى منه حافراً آخر ، فدفع الذئب َ، إذ ْ أصابَه في صدره ، إلى مسافة مائة متراً . فصرخ هذا بالعواء ، من شدّة الألم ، مائة مرّة . وحدّد نظر َ ه الكابي من بعيد بالحمار ، فرآه لحوَلٍ أصاب عينيه ، بعدما برمتا في محجريهما ألف برمة ، مرّةً جيشاً عرمرماً من الحمير ، ومرّةً غضنفراً. عوى مرعوباً ، وقال: بل يومي هو الأغبر. جئتُ طالباً ، فإذا بي المطلوب. اللعنة على ديدان ِ بطني ، فقد صوّرت ْ لي مِن عماها وجوعِها النهاية َ بداية ، والموت حياة ، والبعيد َ قريب . بل قاب قوسين أ و أدنى. لا بدّ من طلب ِ النجاة بالفرار . وكما يقول الأنذال: الأفضل أن يُقال ألف مرّة أنّك جبان ، ولا يُقال مرّة واحدة: الله يرحمك.
وما هَمَّ بإطلاق ِ قوائمه للريح هرباً من الموت المحتّم ، حتى كان الصدى يقرئه السلام ، آتياً من بعيد ، ويقول له بالعواء الذي بثّتْه الذئبة ُ الغبراء الزوج ُ المصون للسماء: أين أنتَ يا سبعي؟ أليس لك جراء من صلبك وحليلة؟ منذ ثلاثة أيّام ولم نعرف الطعام. إنّ أثدائي ناشفة ليس فيها قطرة حليب . ومن أين يأتي الحليب؟ ! أنتَ تعرف يا سبعي أنّ الجوع َ لا يرحم. القطار يا سبعي يتّجه بي وبالصغار صوب الهاوية. إنّنا يا سبعي نتقلّب بين جنبات ِ كرب ٍ عظيم وخطبٍ جلل. فكّرتُ أ ن أ ترك الوكر َ بحثاً عن لقمة ، لكنّي خ شي تُ على الصغار أن تتخطّفهم في غيبتي وغيبتك الوحوش ُ الكاسرة. إنّنا ن حيا يا سبعي في غابة. أتسمع يا حبيبي ؟ إنّنا نعيش في غابة. وإنّي أ مهلك ساعة أ و ساعتين بعد ، فإذا لم تعد إلينا حاملاً محمّلاً باللحم والعظام والدمّ على بساط الريح أو بطائرة جامبو أو بصاروخ فسأعمل ما لا مناص من عمله. كلّها غابة هذه الغابة.
سمع الذئب ُ الأغبر المرسال َ وحاول َ أن يعمل َ أنّه لم يسمع ْ، فأسمعَهُ الصدى أنين َ الجراء . فصار الضياء ُ في عينيه ظلاماً . وهبّ واقفاً على قوائمِه الأربع ، وكرّ كالأسد الكرّار ِ على الحمار ِ الجبّار ِ. ضرط َ هذا فأجفل من ضرطته . فصار الظلام ُ في عينيه ضياء . ورأى من شدّة الرعب نجوم َ الظهر ، رغم كثافة الغيوم السوداء المولولة كالمجنونة ، وطيّر َ حافراً ثالثاً كأنّه نيزك ، وصدم َ النيزك ُ صدر َ المهاجِم وطيّر َ ه في السماء مسافة ً تجاوزت العقبان واخترقت الغيوم إلى الغلاف الجوّي لكنّ الجاذبيّة َ الأرضيّة ظلّت ْ مستمسكة بذيله . وعندما بلغ نقطةً محدّدةً ما كان عليه أن يتجاوزها شدّتْهُ إلى تحت ، فهوى كنيزك أيضاً . وأخيراً اصطدم بالأرض ، فأحدث َ فيها حفرة بقطر كلم ، وقيل بقطر ثلاثة كلم ، وقيل بقطر خمسة كلم ، وقيل بقطر ستة كلم .
وبينما كان في الحفرة يفتح عينيه ، وهو بين الحي والميْت ، وإذْ به يرى ما يصعق الجبابرة ويجعلهم عصفاً مأ كولاً أو رماداً. رأى العجب العجاب. رأى الموت. كان الحمار الجبّار يقف على قائمتيه الخلفيتين ، تماماً عند رأسه ، ويلاكم الهواء بحافريه الأماميين ، ويصهل ، نعم ويصهل ، فبدا كأنّما هو الحصان الأبجر ، مركوب أبي الفوارس العبسي عنتر ، أو كانّما هو الحصان الأخرج ، مركوب الزير سالم الهلالي ، الذي أفنى السباع في وادي السباع لأنّ واحداً منها أخرق أحمق أصفق تجرّ أ واعتدى بالضرب المبرح على حمار مهذّب لطيف مسكين ضعيف كان يلوذ بحمى العرب. فظنّ أن هذا يريد أن يهوي بحافريه من شاهق ويعجن بهما بطنه ويخبص لحمه بعظمه ، فعوى صارخاً: يا ليومي الأكحل. وكفخ ٍّ في الأرض ِ وفعط َ أو كرفّاص كان مضغوطاً وارتفع عنه الضغط ونطّ َ أ و كعصفور ٍ كان محبوساً في قفص ٍ وانطلق َ أو كصاروخ بعد انتهاء ِ العدّ ِ العكسي ّ ضرط ، فعط َ الذئب ُ ونطّ وضرط َ وانطلق َ وانشطر َ مبتعداً عن مقتله ، ولسان حاله يقول ، وعمركم يطول: لا روح بعدك يا روحي. الموت للبوم الغبراء الناعق صباحَ مساء.
وظلّ يسابق الريح ، حتى بلغ َ رابية ، وتلاشى خلفها . وراح بهستيريّة يلعق بلسانه مواجعَه ، ويتف ُّ كلّما علقت ْ شعرة ٌ بعنف ٍ كأنّما يقول: ألف لعنة على عيشتي. ألف لعنة على الساعة التي انحبستُ فيها بإهاب ذئب أغبر أو أسود أو أحمر أو أبيض أو ما شئت. ألف لعنة ، فحياتي كلّها سوا سية. إمّا أنا قاتل ، وإمّا مقتول . أعيشة هذه العيشة؟ أقصدٌ هذا القصد؟ أجمال هذا أم قبح؟ أنبْلٌ هذا أم ضِعة . أ كلٌ هذا عن سابق تصميم وتصوّر أم صدفة ؟ أهناءة هذه أم تعاسة؟ أذئبٌ أنا لا quot; تنطفيلي نار ولا ينذللّي جار quot; أم حشرة لا للعير ولا للنفير؟ .
وصار يهذي كمن أصيب بالحمّى. وفي هذه الأثناء كان الحمار ينهق بأعلى صوته ، ويقول: عدْ يا صاحبي عدْ. لم أقصِد. قُبِّحتُ من حمار. هذه حال من ينشأ على تعاليم ِ ياما ياما فر نسيس فوكوياما ، وتعاليم زميله صموئيل حُنْ فُن هانتنغتون. قُبِّحتُ من حمار ، أنهق ُ فألبط ، وألبطُ فأنهق، وأنهقُ فألبط، وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية. قُبّحتُ مِن حمار. لا تؤاخذني، أنا لا رباط عليّ. اللعنة، أنا فالت من كلّ عقال. أنا بطران يا صاحبي. أنا حمار شبعان، أتدرك ماذا يعني ذلك؟ أنا بحاجةٍ لأمثالك فأدفأُ من بردِ وحدتي، وأبترد من حرّ ظنوني السيئة وأطمئن وأنا في غياهب وحشتي. عدْ يا صاحبي، وسأكتب بإسمك كلّ هذه الربوع، وحين تنفق بعد عمرٍ طويل، سأنزلها معك إلى قبرِك.
غير أنّ الذئبَ الأغبر المتواري عن النظر لم يسمعْ، فقد كان مشغولاً بحاله، ساعةً كاملةً. يغيب عن الوعي لحظة، وينتفض، ويفتح عينيه مذعوراً لحظة. أخيراً انتصر فيه البقاءُ على الفناءِ وتسلّلتْ إليه عافيةٌ قليلة كان عقل الذئب يتحرّق شوقاً إليها، وما أن أحسّ بقدومِها حتى تنفّس الصعداء وقال لصاحبه بعد أن استوى في مكانه ولكن بحذرٍ شديد:
يا له من حمار جبّار، وحمداً لله أنّ نيازكَه سقطتْ بعيداً عن نافوخك، واستقرّتْ في نواحي أخرى من جسمِك، وإلاّ لكان فجّمكَ، وفجّمني بالطريق معك، ولمَا كانت لنا بعد قيامة.
قال الذئب لصاحبه: لو ملّكوني الدنيا بما فيها وعليها، لن أجوس بعد اليوم، في هذه الناحية.
قالت الروح للذئب متضامنةً معه قطعاً للطريق على العقل الذي همّ بقول شيء تظنّه لصالح اللحم والديدان: معك حقّ أيّها الذئب الحكيم، فالمخلوق لا يرِد موارد التهلكة إذا كان عاقلاً.
قال العقل: ولكنّي أنا العقل يا حضرة الروح. واستتلى قائلاً للذئب الذي هبّ واقفاً على قوائمه الأربع بعد أن استعاد تمام العافية: يا حيفي عليك، لقد خسرنا جولة، وليس الحرب ... والحرب كما خبرتَ جولات. كما في السياسة تكتيكات وأستراتيجيّات ... تخسر أحياناً في التكتيك، ولكن عينك دائماً على الإستراتيجيّة التي يجب أن تشيل من الضعف قوّة، ومن الوهنِ بأس، ومن الموتِ حياة، ومن البوار خلود. تذكّرْ يا صاحبي أنّك مدين لي. تذكّر أنّي قلّصتُ كثيراً من خسائرك. تذكّرْ أنّكَ كنتَ واقعاً تحت تأثيرِ جعجعات ديدانِ بطنِك، فانتشلتُكَ وحذّرتُكَ، فخدّرْنا معاً، في ما بعد غذاءك. تذكّرْ أنّكَ لولاي أنا العقل لا الروح الجبانة ولا اللحم الأحمق ولا الديدان الخرقاء التي لا يشغلها إلا حشو بطونها لكنتَ هناك نافقاً الآن وفي خبر كان وأخواتها. أتعرف ماذا أخاف الآن؟ إنّي أخاف أن يدري العظيم داروين بمآلك وتخريعاتك وخريناتك وسخفك وتفاهتك وشقائك فيهرع إلى كتابه الخطيرِ quot;أصل الأنواعquot; ويمزِّقه ويرميه علفاً للماعز فيعود الظلامُ أمبراطوراً وجحافلَ إقطاعٍ ونملَ عبيدٍ إلى هذا العالم الذي ما يزال يتقلّب بين الأشداقِ والأنياب والآلام والمظالمِ التي لا عدّ ولا حصر لها. أفلشْ يا صاحبي ما في جعبتك على الطاولة واطرحْ واجمعْ وابحثْ بكلّ طاقتِك واستغثْ بمجامعِ قوّتِك. أليس لك أصدقاء؟ أين هم أصدقاؤك الذين طالما عويتَ لهم لا عليهم، وطالما غفرتَ لهم أخطاءهم وتجاوزتها وضربتَ صفحاً عنها؟. أين هم أصدقاؤك الذين طالما نجدْتَهم ونجدُوك، وصدقْتَهم في القول والعمل وصدَقُوك في القول والعمل؟ كما لم تنسَ فضائلهم فإلاّ بينهم مَنْ لم ينس فضائلك. وكما غفرتَ عثراتهم فإلاّ بينهم من غفرَ عثراتك. هيّا إحملْ روحَك ولحمك وديدانك وعفشك وطفشك أيّها الخليع، وامتطِ الرابية، وارفعْ رأسَك، ونادهم حتى إذا بلغهم النداء ستراهم بأسرع من ومض البرق واقفين أمامك، مطيّبين خاطرك، ومستنصرينك على معيشتك.
سكتت الروح، وسقسقت الديدان طرباً، وقام الذئبُ أخيراً وامتطى الرابيةَ ورفعَ رأسَه وعوى فهبّ الصدى هبّة الكريم لنجدةِ الكريم وحملَ العواء إلى أبعد مدى قاطعاً به سهوباً وقفاراً وجبالاً وودياناً وأنهاراً وغاباتٍ حتى استقرّ في آذان عصبةٍ من الذئاب كلّهم من الأبطال الصناديد الذين ليس فيهم جبان أو خؤون أو رعديد واحد. حلّلوا شيفرةَ العواء. شالوا وحطّوا، واتّفقوا على نصٍّ واحد، وقالوا لبعضهم البعض: إنّ صاحبنا في ضيق. وحقّ العِشرة والخبز والملح إلاّ سننجده.
وعووا له قائلين: لبّيكَ، نحن هابّون إليكَ. إصبرْ، واصمدْ. وبيننا وبينك من الوقت فقط ما تستغرقه مسافة الطريق.
وطاروا إليه طيرة نسِر واحد.
وصلوا. كانوا خمسة. استوضحوا منه أكثر.
أوضحَ لهم. وأضاف:
صحيح هو كبير الجسم وكثير اللحم، ولكنّه في الوقت ذاته، وبسببٍ من حقارته واستكباره وقلّةِ ذوقه وضحالةِ أخلاقه وانعدام ضميرِه، عديم الفهم. يقضي سحابة يومه بالنهيقِ والضراط ليلوِّثَ الجوَّ بالضجيج والسموم ومنها غاز الكربون. ولا يكفّ عن اللبيط، خصوصاً إذا جفل وارتعدت فرائصه، فتصيب حوافرُه مَنْ تصيب، فلا فرق عنده، أأصاب عدوّاً أم أصاب صديقاً أم أصاب الهواء. ويجلد بسوط ذيله ليلاً نهاراً قوماً ضعفاء يقتاتون القليلَ ومن بعضِ بعضِ بعضِه، وهم الذباب. ويحوفر، مرّات بسبب ومرّات من دون سبب وربّما مللاً من كثرة بطره وقلّة أعماله في الأرض، فتهلك بسبب ذلك أعشاب طريّة يانعة نديّة طفلة.
قاطعوه، وقالوا له محتدمين غاضبين مزمجرين ثائرين وعيونهم تقدح شرراً، فيما اللعاب يسيل كشآبيب المطر من حوافّ أشداقهم:
كفى، لقد تمزّقتْ قلوبنا. تعساً له. لنؤدّبنّ هذا الديكتاتور، ولنجعلنّ منه عبرة لمن يريد في هذا الكون الموبوء أن يعتبر.
وقصدوا الحمار، فرأوه من بعيد يفعل ما خبروا عنه، ويرعى، ولا على باله.
ضربوا طوقاً حوله.
لم يضيّعوا الوقت بالقيلِ والقال.
ناوروا عليه. هذا يغفّ وينتشه في قفاه ويتراجع، وذاك يغفّ وينتشه في بطنه ويتراجع، وذيّاك يغفُّ وينتشه في رقبته ويتراجع.
هو لم يقصِّرْ. خابطَ ولابطَ. طلعَ ونزلَ. عضّ وضرطَ. نهقَ مستنجداً.
لم يزرعْ حتى يحصد.
نزفَ كثيراً من الدمّ.
ربخَ على الأرض مذعوراً مقهوراً متهالكاً.
قفزوا معاً وغطّوه بأجسامهم.
شكّوا كلّ رماحهم وخناجرهم فيه.
فنجر عينيه. عضّ على لسانِه حتى انقطعَ، ولفظ آخر زفرةٍ أطلقها كير بطنه، وهمد تماماً.
شقّفوه شقفاً فيما السماء تمطر وقطيع العقبان ينتظر بالجوارِ محدِّقاً.
حشت الذئاب من النافق لحماً في بطونِها وجراباتها.
وبعضُها تبرّزَ بعضَه
كما تبرّزَ بعضُ أجدادِها بعضَ جدٍّ للحمارِ النافقِ ذاته.
وأين؟
في المكان
ذاته.
التعليقات