حوار مع قاسم محمد:

-أنا ذاهب لدراسة الدماغ في تخليق ممثل عربي جديد
ـ علاقتي مع المسرح من المغرب حتى آخر قرية سعودية
ـ سلطان القاسمي كتب أفضل المسرحيات التاريخية

دبي من أحمد خضر: خمسون عاماً مضت وما زال هذا الطود المسرحي شامخاً يعطي لكل من يشاهده أو يحاوره أملاً في الحياة المتجددة التي لا تتوقف حتى آخر نبضة من بضات الفؤاد، ما زال لدى قاسم محمد الشيء الكثير من الفعل والإبداع في الحقل المسرحي، فقد تعمق في الوعي والمعرفة والثقافة، وقرأ منذ بواكير حياته في النظريات العلمية والتاريخية والفلسفية، وتتلمذ على أيدي كبار الأساتذة المسرحيين سواء في بغداد، أو حين ابتعث إلى موسكو في منحة دراسية، كان دائماً متفوقاً ويحتل المراكز الأولى في الدراسة. عاش ثلاثين عاماً من عمره الفني في العراق ثم غادره كغيره من المبدعين تحت وطأة القهر والألم، وها هو يستقر في الإمارات يمزج التاريخ بالفن، بنصوص مسرحية تاريخية تأليف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، أخرجها قاسم محمد كي تكون شاهداً حياً على ما يتمتع به من دراية ومعرفة في فن الإخراج المسرحي، عدا عن التأليف والإعداد لنصوص يثري بها المكتبة العربية ومعه كان لنا اللقاء التالي:

* ها قد اشتعل الرأس شيبا؟
ـ لكن القلب ما زال فتياً، والعقل متجدد ومستمر في التفكير والثقافة والمعرفة.

* كم مضى على وجودك في حقل المسرح؟
ـ خمسون عاماً.

* ما هي أبرز محطات هذه الرحلة الطويلة؟
ـ محطات عديدة وكثيرة جداً، والمحطة الأهم هي الإيمان بالعلم والمعرفة، حيث لا أدخل إلى هذا الحقل كهاو لا أعرف شيئاً، وإنما كمتعلم، ولحسن الحظ كان عندنا في بغداد معهد الفنون الجميلة الذي تأسس عام 1934 ، أي منذ حوالي 70 عاماً، وهذا المعهد يدرس النحت والرسم والموسيقى والمسرح بشكل علمي وبواسطة أساتذة متخصصين، وكان المشرف على حقل المسرح الفنان حقي شبلي، وهو قرين زكي طليمات في مصر، وبعض الفنانين في المغرب العربي، هذا الرجل كان يشجع الشباب أن يدرسوا، وقد ذهبت مع مجموعة دخلت مسابقة ونجحت في العام 1955، ثم بدأت أشتغل في فرقة مسرحية.
المحطة الثانية كانت حين أعلنت وزارة التربية زمن عبدالكريم قاسم عن مسابقة للذهاب إلى موسكو حيث نجحت في تلك المسابقة، وابتعثت كي أعمق دراستي أكثر.
أما المحطة الثالثة فهي عندما عدت من موسكو وعملت في المسرح العراقي، وهي الأهم من نهاية الستينات حتى نهاية التسعينات ( 30 ) عاماً حيث أسست بها تأسيسات رئيسة في المسرح، اشتغلت على التراث، ومسرح الطفل، والتجريب، والمسرح الاجتماعي، والشعر، ( 30 ) سنة كانت حافلة بالمنجز المسرحي.
المحطة الثالثة هي مرحلة الخروج من العراق، والاستقرار في الشارقة حيث احتنضتني دائرة الثقافة والإعلام، وبدأت أعمل في جو ثقافي هادىء بعيداً عن صخب الحروب والمشاكل.

* لماذا خرجت من العراق؟
ـ الحروب التي مر بها العراق، الداخلية والخارجية، كان الجو تأزم إلى حد كبير، لذا حفاظاً على ما أحمل من حمل مسرحي، وخوفاً من يضيع خرجت من البلد، وهذه مرحلة مهمة بالنسبة لي، لأنني حملت المسرح، وحافظت عليه.

* ما أثر الأحداث الموجودة في العراق على المسرح؟
ـ لو نرجع إلى إرث المسرح العراقي فإنه لا وجود له، بسبب الحرب القاسية التي مر بها العراق خلال السنوات الماضية، حيث محت الذاكرة، والتراث، الناس يقتلون في الشوارع، فنانون، مسرحيون، شعراء يقتلون، هذا ليس تبريراً لخروجي من العراق، لكن هذا هو الواقع، العلماء، والأطباء الموجودون في الخارج هم الذين يحملون علوم وفنون العراق، وسيأتي يوم نعود فيه بإذن الله.

* هل ثمة تواصل بينك وبين المسرحيين داخل العراق؟
ـ صلتي موجودة مع الفنانين العراقيين من الجيل الثاني والثالث، وإلى الآن أمد طلبة الماجستير والدكتوراه الذين يدرسون في العراق بمعلومات وكتب، أرسل لهم الحقائب التي تصل الواحدة منها أحياناً من 40 ـ 50 كتاباً، يراسلونني عن طريق التلفون، وأوفر لهم طلباتهم، لذا فإن الطالب العراقي الذي يدرس في كلية الفنون في بغداد أو كلية الفنون في بابل عنده معلومات، الحمد لله والشكر، ليس هذا تفاخراً، وإنما أشعر أنني مرتاح، وأعمل واجباً وطنياً كإنسان عراقي.

* ما الذي وفرته لك أجواء الشارقة كعاصمة للثقافة؟
ـ وجودي في الشارقة أتاح لي هذا الهدوء، وهذه الطمأنينة، حتى أقول التبني من قبل دائرة الثقافة والإعلام، أتاح لي نوعاً من الدراسات الجديدة في المسرح، المرتبط بالعلوم وليس الفنون، وهو فسيولوجيا الدماغ، وليس نظريات التمثيل والإخراج وغيرها، أنا ذاهب إلى دراسة أخرى وهي دور الدماغ الإنساني في تربية وتنمية وتخليق ممثل عربي جديد يختلف عن الممثل السابق الذي بدأنا نمل من أسلوبه، لأنه لا يوجد فيه متعة، مكرر، مألوف، معروف، أنا أعود إلى تجديد هذه الظاهرة بالاعتماد على معارف جديدة، وعلوم جديدة مجاورة لعلم المسرح، وهو الهبة الإلهية الكبيرة التي أعطاها الله تعالى للإنسان وهو العقل، حيث أن الإنسان يكتب ويبدع ليس عن طريق الموهبة، ولكن عن طريق العقل، في الطب، والفن، والشعر، وغير ذلك، نحن بشر، أما الوحي فهو خاص بالأنبياء.

* العلاقة التي تربط قاسم محمد مع المسرحيين العرب تكاد تكون حميمية ماذا أضافت لك هذه العلاقة؟
ـ علاقتي مع المسرح العربي من المغرب حتى آخر قرية في السعودية علاقة قوية، وكل المسرحيين أعرفهم، وألتقي معهم في المهرجانات، وكل هذا يفتح الذهن، ومن حسنات وجودي في الشارقة الهدوء الموجود الذي يتيح لي الذهاب إلى مناطق جديدة، وللعلم فإن مشروعي أشتغل عليه منذ العام 1974 ولكن بشكل مختصر في حينه، والآن أتوسع.

* أخرجت لسمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة ثلاث مسرحيات تم فيها استحضار التراث الإسلامي بشكل مبدع، كيف تم ذلك؟
ـ المسرحيات كما تعلم هي ( عودة هولاكو ) و ( الواقع صورة طبق الأصل ) و ( القضية ) وكلها تعبر عن السقوط الحالي للأمة، وقد وظفت خبرتي إلى الخبرة التاريخية التي يتمتع بها سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وهو رجل تاريخ معروف، وأستاذ جامعي، وصاحب مؤلفات، وصاحب شهادات عليا في الاختصاص، خبرتان توحدتا لتنتج عروضاً، وحسب كبار النقاد والفنانين المخرجين من مصر والعراق والمغرب وسوريا أن هذا هو أفضل شكل شاهدوه للمسرحيات التاريخية، لأن المادة التي توفرت لإنتاج هذه العروض كانت كافية لأن تبدع، إن اهتمام صاحب السمو الشيخ سلطان بالمسرح، وحبه للمسرح باعتباره رجل مسرح ومنذ كان طالباً، واحدة من الحسنات التاريخية.

* اشتغلت المسرح الشعري لسميح القاسم، لماذا اخترت هذا الشاعر؟
ـ اشتغلت 300 قصيدة للشاعر سميح القاسم، لأنه أقرب شاعر كتب الشعر الذي يحتوي على الشخصيات والحدث والقصة، وكانت مسرحية مميزة وهي ( الشهادة على بوابات الأقصى ).

* ما الفرق بين المسرح القديم والمسرح في الوقت الحاضر؟
ـ المسرح القديم كانت وسائل تعبيره محدودة ضيقة، والرقعة المكانية ضيقة، كانوا في الماضي يعتمدون على النص الكلامي أكثر من اعتمادهم على الحدث البصري، أما الآن فإن البصر هو سيد العرض، هو الكلام، قد نحذف الكلام، ونكتفي بخلق حالات بصرية على الخشبة، الآن المسرح العربي داخل في هذا، بعض المخرجين يدخلون التلفزيون والسينما في العرض المسرحي، العلوم الحديثة، والتقنيات الحديثة، المنجز في السينما والتلفزيون والإذاعة، والرسم والنحت والرقص بدأ يدخل أما المسرح القديم فهو مسرح فقير.

* ما رأيك في المستوى الذي وصل إليه المسرح الإماراتي؟
ـ إذا لم يتفرغ المسرحيون كلياً 24 ساعة في اليوم، 7 أيام في الأسبوع، 30 يوماً في الشهر، 12 شهراً في السنة فإن المسرح سيبقى ليس في الإمارات فقط، وإنما في أي مكان في العالم يراوح مكانه، تظهر شذرات وإبداعات أحياناً، لكن لا يعول عليها، لأنها ليست ظاهرة عامة، وإنما هي حالة خاصة تزول بزوال الشخص. وهناك بعض المبدعين من يحول إبداعه من حالة إبداعية إلى حالة أقل بسبب الإغراءات المادية، لكن المسرح الحقيقي هو الذي يتطور ككل وليس كأجزاء.