مسرح المدينة يحتضن النازحين
محترفات وعروض سينمائية ومسرحية

حسن المصطفى موفد quot;إيلافquot; إلى لبنان: كانت صرختها عميقة، وكان صوتها مبحوحا وهي تعلن أن quot;مسرح المدينةquot; سيُغلقُ لأسباب مادية قاهرة. ساعتها، كانت السيدة نضال الأشقر في وجعها محفوفة بعدد من المثقفين يرسمون بكائية بيروت، بكائية اشترك الجميع في إنشادها. نشيد جنائزي يليق بالشهداء، المنسي منهم والحاضر، القادم والمنتظر. الفقدُ برغم صدمته، والأيام برغم شُحها، لم تغلق كوة النور بستائرها المعتمة، فهاهي السماء تجود ببعض الغيث. وبدلا من أن يفارق المسرح مدينته دون رجعه، هاهو يودع quot;كلمنصوquot; ليُبعث من تحت الركام وتحتضنه عمارة quot;السارولاquot; في قلب الحمرا، وتعلنُ الأشقر عودة طائر الفينيق من جديد.
عاد المسرح، وعادت معه نشوة فرح الأصحاب. شربل روحانا، مروان عبادو، توفيق فروخ، ريما خشيش...وغيرهم الكثير توالوا على عرشه. الحياة دبت سريعا، والأحباب لبوا العناق، وأنشدوا نشيد العودة مجتمعين.
ندوات، محاضرات، مهرجانات، ورش عمل، مسرحيات، عروض سينمائية، غناء ورقص...وشباب متطوع لا يبحث إلا عن جمال معرفة تراه يرسم دربها كما يريد هو، لا كما يريد له الآخرون.
هو مسرح quot;المدينةquot;، المدينة كل المدينة، ولأن المُدن تَحملُ وجوه قاطنيها وأسماءهم. تتشكل بألوانهم، ومنهم تستمد عنفوانها. لكل ما مضى، انصهر المسرح وناسه، فاتحا أبوابه أمام المُهجرين القادمين من الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية، غير عابئ بما سيكلفه ذلك من أثقال مادية قد لا يكون باستطاعته تحملها.
quot;المسرح طوال حياته كان يعج بالناس، ولا بد أن يستمر معهم، ولا يصح أن يغلق أبوابه ويكون خالياquot;، هذا ما أجابت به نضال الأشقر رفاقها عندما هاتفوها في باريس، يسألونها عن إمكانية فتح المسرح أمام النازحين. جوابها جاء سريعا دون تردد quot;لا بد من مساعدتهم والوقوف معهم بكل ما نستطيعquot;.
200 نازح هو مجموع القاطنين في عمارة quot;السارولاquot;، كان نصيب المسرح منهم 85 شخصا، تم إسكانهم في القاعات وغرف الممثلين.
المسرح الجديد الذي افتتح حديثا، ورغم تواضع الإمكانيات المادية للقائمين عليه، وخشيتهم من تضرره بفعل العدد الكبير من العائلات المُستقبلة، كل ذلك لم يمنع من فتحه، لأن quot;البلد كلها في وضع حرج، ويجب علينا أن نقف مع المهجرين ونعينهم، وإلا فما قيمة الفن والثقافة إذا لم تكن على تماس مع الناس ومشكلاتهمquot;، كما يقول محمد فرحات، أحد القيمين على المسرح، والمسئول عن متابعة النازحين.
البداية لم تكن سهلة كما يخبرنا محمد quot;عانينا كثيرا، خصوصا أن المكان لم يكن مهيئا، وتنقصنا الكثير من التجهيزات، والغذاء والدواء. تكفلنا بنفقة بعض الحاجيات، وجزء تكفلت به جمعيات إغاثة. وأهم خطوة قمنا بها، أننا استقدمنا هيئة طبية من مستشفى الجامعة الأمريكية، مكونة من 20 حكيما، قاموا بفحص جميع القاطنين بالعمارة، وتشخيص الحالات المرضية لدى المصابين، وخصوصا الأطفال والشيوخquot;.
إدارة المسرح اجتمعت مع العائلات بهدف توعيتها والتنسيق فيما بينها. ولأجل أن تكون الإقامة مثمرة، تم وضع برنامجي فني تثقيفي منوع، يبدأ يوميا من العاشرة صباحا، وحتى الثامنة والنصف مساء.
الأطفال يفيقون باكرا، أمهات تروي عن استيقاظ أبنائهن منذ السادسة صباحا، منتظرين بدء محترف الرسم الذي يمتد حتى الثانية عشر ظهرا، يليه محترف للتمثيل، يشترك فيه شباب وصبايا تمتد أعمارهم حتى الثامنة عشر، إضافة لعروض سينمائية لأفلام توعوية تعرض عصرا بتنظيم من مؤسسة (جنى). وختام البرنامج اليومي مع أفلام مختارة من مهرجان quot;كانquot; السينمائي، تعرض بتنظيم من هانيا مروة في المسرح الصغير.
في الأيام الأولى، كان الأطفال يمارسون هذه النشاطات كنوع من التسلية، لكنهم فيما بعد، أخذوا يتزاحمون عليها، ويجدون في متابعتها، ليكون ثمرة ذلك، مسرحية سيتم عرضها الأسبوع القادم، سيكون الممثلون فيها شبابا وصبايا من النازحين.
من رحم الألم قد تشرق شمسٌ وإن كانت صغيرة. ولعل المأساة التي دفعت هذه العائلات لترك منازلها واللجوء لمسرح quot;المدنيةquot;، ترفع الستار عن مواهب لم تكن مكتشفة. مواهب كالبراعم الصغيرة تنتظر ساعة إبصار نور صباح جديد.