قصة الملا الكردي مع تلاميذه

كما توجد أمراض متوطنة مثل البلهارزيا والملاريا فهناك من الأمراض الاجتماعية المستحكمة في مفاصل المجتمع بأشد من الروماتزم الخبيث. وإذا كان المرض يولد المرض ويهيء الجو لمرض لاحق مثل السكري والسل، كذلك تفعل العواطف فالإحباط يولد العدوانية. وإذا كانت الأمراض تحلق معاً مثل سرب الطيور فتغتال الجسم كذلك تفعل الأمراض الاجتماعية. والمجتمع العربي اليوم يعاني من حزمة من عشرة أمراض تشكل حلقة تتبادل التأثير الخبيث هي: (1)(إجازة الغدر) و(2)(تأليه القوة)و(3)(احتقار العلم) و(4)(تبرئة الذات واتهام الآخرين) و(5)(الإيمان بالخوارق) و(6)(تقديس السلف) و(7)(ظن أن النص يغني عن الواقع) و(8)(الاهتمام بفضائل الجهاد من غير معرفة بشروط الجهاد) و(9)(ورفض الديموقراطية مع أنها أقرب إلى الرشد من كل ما عليه المسلمون) و(10)(ظن أن الأحكام لا تتغير بتغير الأزمان أي كأن العدل لا يمكن أن ينمو أكثر فأكثر).
نحن نحتفل في (أعياد الغدر) وجعلناها (مناسبات وطنية) تعطل فيها المدارس والدوائر الرسمية وهي ذكريات الانقلابات في الظلام وسرقة الشرعية من الأمة.
وأما(تأليه القوة) فهو مرض أموي منذ أن رفع معاوية السيف فقال من لم يبايع هذا وأشار إلى يزيد فله هذا وأشار إلى السيف. وما زال السيف يحكمنا حتى إشعار آخر.
أما (احتقار العلم) فشاهده عقم الإنتاج العلمي وشح التآليف والدوريات. أما(تبرئة الذات) فنحن نرى أن مشكلتنا هي إسرائيل وأمريكا ولا يخطر في بالنا أن نراجع أنفسنا لنطرح السؤال المزعج ما الذي يسبب المرض؟ هل هو وجود الجرثوم أم انهيار الجهاز المناعي؟
أما(الإيمان بالخوارق) فالجو عابق بالخرافة ينتظر الزعيم المخلص، وما زالت الجن ناشطة في ربوعنا، وهناك من يوزع البطاقات الانتخابية مثل الحروز، ويتحول الزعيم السياسي إلى (شيخ طريقة) يبايع على السمع والطاعة في بيعة أبدية، ويرقص الأتباع طرباً ليس على ضرب الصنج والطبل بل الزعيق بالروح بالدم نفديك يا أبو الجماجم إلى الأبد إلى الأبد؟! في تظاهرات لو رآها الألمان في فرانكفورت لظنوا أنها مجموعة ضلت طريقها من مصح الأمراض العقلية.
نعم إن الوطن تحول إلى مصحة كبرى بقضبان وهمية، في وطن يمشي على رأسه إلى الخلف.
أن من يمشي على رأسه يخسر رأسه ورجليه معاً....
أما السلف فهو يحترم ولا يقدس. ويستأنس به ولا يوقف عنده. ويستفاد منه ضمن خطة نقدية. والعلم يمثل حالة تراكمية من تبادل عمليتي الحذف والإضافة. وفوق كل ذي علم عليم.
وأفكار الرازي حول معالجة الأنورزما (أمهات الدم) جيدة عندما نصح بعدم (بطها) وربطها بخيطان حرير فهي معالجة سليمة في وقتها، ولكن طرق تصنيع الأوعية في الجراحة حاليا،ً من وضع أنابيب داخلية بخطافات (Stenting) بدون شق البطن تجعل ما أوصى به الرازي ذا قيمة تاريخية. وإذا كان هذا ينطبق على كتاب الرازي الجراحي فهو يصلح لفهم القرآن فلا يمكن إضاءته بتفاسير قديمة مثل ابن كثير، كما لا يمكن فتح جمجمة بأدوات فرعونية.
ولا يمكن تدريس السيرة على شكل مسلسل من (الغزوات والمعجزات) فلا بد من إعادة تصنيع الثقافة.
وكما كان للطب أدوات من مشرط وملقط؛ كذلك كان الأمر مع العلوم الحديثة والأدوات المعرفية المساعدة.
وأما (فك ارتباط النص عن الواقع) فهو يجعل أحدنا معلقا في الهواء أو تهوي به الريح في مكان سحيق. فلا قيمة للنظريات بدون ممارسة، والطبيب لا يكون ناجحاً بدون تردد حي بين النظرية والممارسة. وجدلية من هذا النوع تقود إلى تصحيح التصور ودفعه باتجاه التطوير.
ونحن نرفض الديموقراطية لأنها غربية لا تناسبنا ولكن لم يخطر في بالنا أن نقول أن السيارة غربية، وعندما نقلنا البرلمانات بنينا عمارات شاهقة بصالونات فخمة ولكنها كما وصف الإنجيل القادة العميان "مثل القبور خارجها أبيض مطلي ومن الداخل نجاسات وعظام أموات"
إنها حكاية بئيسة ينقلها أخرس عن آخر مهمته الكلام.
وأما الجهاد فحصرناه بالقتال ويمكن لأي مجموعة ناقمة أن تنظم نفسها وتنقض على أي نظام حكم وتقول عن عملها أنه جهاد في سبيل الله، كما لو أجرى الجراح عملية كبرى على قارعة الطريق بدون تهيئة الشروط ودخول الجراحة بشروط تعقيمية مشددة.
وأما الديموقراطية فنعتبرها كفرا، ولا يخطر في بالنا أن قضية التوحيد سياسية وليست تيولوجية، وأن الأنبياء نادوا بكلمة السواء أن لا يتخذ البشر بعضهم بعضا أربابا. إذاً لكانت مهمة الأنبياء سهلة ومريحة.
و عندما نقرأ آية (ملك اليمين) لا يخطر في بالنا أنها آية نسخها الواقع وليس لها سوى قيمة تاريخية، وأن كمية العدل غير قابلة للنكس والتوقف. إن حزمة الأمراض هذه في العالم العربي واحدة في النوعية ومختلفة في درجة السمية مثل التيفوئيد فهو يتظاهر عند مريض بارتفاع الحرارة، أو قد يضرب القلب والشغاف عند ثاني، أو قد يثقب الأمعاء بنزف خطير، وفي السياسة نرى دولاً نزفت وتنزف مثل الجزائر والعراق وأفغانستان، وأخرى تئن من الديون الخارجية، وثالثة في حالة اختناق سياسي مثل سوريا، وخشعت الأصوات للحاكم فلا تسمع إلا همسا.
وأمام المرض العاشر وجب الاستفاضة بالبحث وضرب مثل صارخ عليه هي إشكالية كلمة فاضربوهن التي حاول النيهوم الليبي أن يقول أنها تصحيف كتابي وهي فاعزبوهن ولكن مثل هذا يدخل الخلل إلى كل بنية القرآن، في الوقت الذي ذهب مثل محمد قطب إلى أنه علاج سيكولوجي، ولكن لم يخبرنا لماذا لا تضرب المرأة زوجها إذا كان للعلاج.
وفي بحث من 14 صفحة حاول كاتب إسلامي(1) أن يفك إشكالية كلمة (فاضربوهن)(2) ليصل في النهاية إلى أن كلمة فاضربوهن لا تعني فاضربوهن. وبغض النظر عن البحث المطول الذي كان يمكن أن نقنص خلاصته من الأسطر الأولى بدل انتظار ولادته بعد عناء كل الصفحات في ثلاث كلمات في آخر البحث فإن كلمة فاضربوهن انقلبت بعصا سحرية إلى كلمة (فارقوهن).
ومع أن الآية واضحة أن المرأة المتمردة تعالج بثلاث ألوان من الدواء: تبدأ بالحوار وتمر بالاستغناء الجنسي عنها ثم (الضرب). إلا أن الكاتب يقول إن الضرب لا يعني الضرب وأن حاصل ضرب ثلاثة في ثلاثة لا تعني التسعة وان كلمة (الضرب) تعني (المفارقة).
وهي نفس الإشكالية التي وقف حيالها المفسرون حيارى في تصور (امرأة) تمارس (السياحة)؟(3) فالآية واضحة وتقول أن هناك نماذج متميزة للنساء المؤمنات بمجموعة سداسية من الصفات يدخل فيها (السياحة). (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خير منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات).
وهنا رأى المفسر تحت ضغط ثقافة لا ترحم أنه لابد من الالتفاف حول النص فقال إن كلمة (سياحة) لا تعني سياحة بل تعني (الصوم). ونحن بفعل هذا المرض لم نعرف وزارة السياحة إلا تقليدا غربيا، و لم نهتم بالآثار إلا للتنقيب عن الكنوز حتى دخلنا العصر.
وفي يوم أراد كلاً من هارون الرشيد والمأمون هدم إيوان كسرى وهرم خوفو ففشلا كما ذكر ذلك ابن خلدون في مقدمته(4) ولم يقدرا على ذلك مع أن الهدم أسهل من البناء بما لا يقارن.
وهذا القلب للمعنى من اللفظ يذكر بقصة الملا الكردي مع تلاميذه. فعندما كان يقرأ نصا باللغة العربية عن تطهير النجاسات إذا وقعت الطيور والحيوانات وما شابه في البئر وكيف تنضح المياه وعدد القلال وهي أبحاث فقهية درسناها وما زالت تدرس مع أننا لم نستخدم الآبار منذ نصف قرن. مر على نص باللغة العربية يقول: "أن الفأرة إذا سقطت في السمن فخرجت (حية) يبقى السمن حلالاً" وهنا أشكلت كلمة (حية) على الملا الكردي كما أشكلت كلمة (فاضربوهن) على كاتبنا، فترجمها إلى (ثعبان)؟!. ارتاع أحد الطلبة من هذا الانقلاب المفاجيء للفئران فتصبح ثعابين. فتجرأ وسأل: أيها الملا كيف خرجت ثعبانا وكانت فأرة؟ قال الملا منفعلاً: اسكت أيها الفاسق إنها قدرة القادر.
وعبد الحميد أبو سليمان الكاتب في مجلة الفيصل يريد منا أن نفهم أن كلمة (اضربوهن) معناها فارقوهن. مع أن الاعتزال في المضاجع سبقت كلمة اضربوهن. مما يفيد أن هناك ثلاث مستويات للتعامل وليس اثنين. أي تصعيد وسائل الضغط بدء من الحوار وانتهاء بالعنف، كما هو الجاري بين الدول بين الحوار واستخدام الحرب كوسيلة لحل النزاع. ومحاولته تأتي في محاولة لفك إشكالية لم يتقدم فيها بحل. ولذا فهو كرر أفكاراً قديمة بكلمات جديدة.
وقصة توليد (المعاني) من الألفاظ تعرض لها الغزالي فيما سبق في كتابه (المستصفى من أصول الفقه) واعتبر أن الذي يولد المعاني من الألفاظ يشبه من يريد الذهاب إلى الكعبة فيتوجه إلى بلاد الاسكيمو. وهي نفس الإشكالية التي تعرض لها (ابن خلدون) في مقدمته عندما تضطرب المعاني ببحر الألفاظ وفوضاها فنصح ابن خلدون بتطليق الألفاظ (5) والعودة إلى ملكوت الفكر فإذا لمعت الفكرة قنصها الذهن فصبها في القالب اللفظي المناسب.
وهي حكمة يعرفها (النحّالون) فعندما يضعون الأحجار والعلامات المختلفة على الخلايا حسب إصابتها وحاجتها ثم تكثر وتختلط العلامات فتربك وتضلل يعمد النحال إلى إزالة كل العلامات والعودة للواقع. فالعلامات هنا لم تعد مفيدة بل مشوشة. وكذلك اللغة فهي معلومات مرت من الواقع على الدماغ ثم عملت عليها اللغة فتعرضت للتشويش ثلاث مرات: بالتعميم والحذف والتشويه كما اهتدى إلى ذلك علم البرمجة العصبية اللغوية(NLP)(6).
فالألفاظ توابيت لجثث الكلمات. والمعاني شمس للحقيقة تشع . واللفظة أو الكلمة هي قمر يعكس المعنى. والكلمات نحن من يشحنها بالمعنى. وكلمة غائط لا تعني برازا بل المنخفض من الأرض. والوضوء لا يعني غسيلا محددا بل الطهارة. وكلمة شجرة باللغة الألمانية هي باوم (Baum) ولكنها بالإنكليزية هي تري(Tree) .
بكلمة ثانية المعنى روح يتسربل بجسد من الكلمة. المعنى جسد يتلفع رداءً من الألفاظ. وكما نبدل ثيابنا ولا تتبدل حقيقتنا كذلك العلاقة بين الحقائق والألفاظ.
وفي كتاب محمد شحرور عن القرآن(7) نرى نفس هذه المنهجية غير العلمية في (توليد المعاني من الألفاظ) ويمكن بهذه الطريقة أن نمارس السحر الأسود فنخرج من القبعات السوداء أرانب بيضاء.
وهكذا أصبحت عند شحرور كلمة (ولا يضربن بأرجلهن) تعني (الستربتيز) أي (التعري المتدرج). وكلمة (ضرب) التي تعرض لها الكاتب حاول أن يفكها بمفتاح اللغة وهو يشبه الدخول إلى مغارة علي بابا والأربعين حرامي.
وفي حرب الخليج الثانية حاول الفقهاء المجتمعون في مكة وبغداد أن يوظفوا الحقيقة كل إلى جانبه مدعومة بكل الحجج العقلية والنقلية. والذي حل النزاع كانت أمريكا بصواريخ البلطة بدون نصوص وبدون الفقهاء بكل نصوصهم ومدارسهم.
إن كلمة (اضربوهن) لا يمكن حلها بهذا المنهج؛ أعني توليد المعاني من الألفاظ كما قال الغزالي "فمن طلب المعاني من الألفاظ ضاع وهلك وكان مثله كمن يطلب المغرب وهو يستدبره. ومن قرر المعاني أولاً ثم اتبع الألفاظ المعاني فقد نجا"(8). وهي نفس النتيجة التي خلص لها ابن خلدون حين تضطرب الألفاظ والمعاني أن يودع أحدنا عالم الألفاظ والانطلاق خفافا إلى عالم النور والمعنى وقنص المعنى ثم إلباسه بحلة التقوى من اللفظ المناسب.
فهذا هو مفتاح الوصول إلى حل هذه الإشكالية؟
وهناك من تصور ثبات النص أو بكلمة أصح ثبات التصور ولو أدى إلى قلب العالم إلى صورة كاريكاتور.
وهناك من رأى أن (الضرب) أحيانا لذيذ في الممارسة الجنسية وما يرافقه من المص والعض، وهو من بقايا إنسان الغابة الذي كان يخطف المرأة ويستولي عليها ويمارس معها الجنس مترافقاً بالعنف من عض وضرب وسواه.
وأحياناً لا تتمتع بعض النساء المصابات بالانفعالات المازوخية ولا تصل إلى ذروة النشوة الجنسية بدون هياج جنسي من الضرب، وفي مؤسسة بيآتي (Beate) في مدينة كيل في ألمانيا تفننوا في اختراع أدوات التعذيب أثناء اللعبة الجنسية من السلاسل والضرب بالأحزمة الجلدية أو التزحيف على الأرض على الركب مع أفلام لاتنتهي للإثارة.
وفي كتاب (أصول الدافع الجنسي) لـ (كولن ويلسون) روايات عجيبة عن الانحرافات الجنسية من المازوخية والسادية والفتشية أي عشق ثياب المرأة وانتهاء بالنكروفيليا أي الهيام بالجثث فلا تطيب اللذة الجنسية إلا مع الأموات في قصص أعجب من الخيال.
ولو صح لأحد أن يضرب أحدا لكان للمرأة أن تضرب الرجل لنعومتها وعدم أذاها بالضرب أما ضربة الرجل فقد تكون قاتلة، وموسى عليه السلام وكز الرجل فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان.
مع هذا فإن هذا الشرح الطبي النفسي لا يقترب من حل إشكالية كلمة (فاضربوهن) من آية سورة النساء 34، فهل يمكن الدخول بمفتاح آخر لحل هذه الإشكالية؟
والجواب سوف يقنع الأقلية ويغضب الأكثرية ويثير (حراس العقيدة) لمكافحة هذا الفكر الخارج عن (منهج السلف الصالح) وفقه (أهل السنة والجماعة). أن القرآن يحوي ثلاث قطاعات واضحة وأقلها التشريعات ولا تتجاوز 200 آية حسب إحصائيات الشيخ الدهلوي(9) مقابل 200 مشهدا ليوم القيامة أحصاها سيد قطب في كتابه (مشاهد القيامة في القرآن).
إن التشريع مرتبط بالعدل، والعدل كم تراكمي لا يعرف التوقف أو الحدود وكما قال (ابن قيم الجوزية) فحيث العدل فثم شرع الله. وكتب (ابن رشد) في محاولة لربط (الحكمة) و(الحكم) فوضع (فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال). وبذلك استوت الشريعة على أرجل من المنطق. ومنذ أيام حمورابي مشت رحلة التشريع في حركة تصحيح وإضافة وحذف بدون توقف ووصل العالم حاليا إلى إنجازات مذهلة في (كم) العدل وألغت أوربا حكم الإعدام فاستفاد منه أوجلان الزعيم الكردي فقد كان شرطا لدراسة طلب تركيا للانضمام للوحدة الأوربية. فكان أنفع من كل مظاهرات الأكراد أن ينجو من الشنق بعد أن لاح حبل الإعدام فتدلي فكان قاب قوسين أو أدنى.
والإسلام غير حريص على القتل من أجل القتل بل شرع القتل والضرب في وقت ما تحقيقا للعدل. ووصف عمر ر المرأة في وقته على صورة ينقلها لنا (عبد الحليم أبو شقة) في موسوعته القيمة عن (تحرير المرأة في عصر الرسالة)(10): "لم نكن نعد النساء شيئا فإذا أراد أحدنا قضاء حاجته منها شدها من رجلها فقضى حاجته وتركها". ولا يمكن تصور هذا الأشياء ما لم نرجع في الزمن فتنقلب أفكارنا ومشاعرنا لأنها حصيلة تفاعلات العصر.
ولن نستطيع تصور أن الرسول ص في وقتنا الحالي وهو يقوم يمذبحة جماعية للأسرى من يهود بني قريظة بعد معركة الخندق مهما كانت الظروف ولكن في زمانهم كانت حكم الله من فوق سبعة أرقعة.
ولا يمكن تخيل الرسول ص وهو يعرس بصفية بنت أخطب بعد أن قتل زوجها وأباها ويتزوجها في نفس الليلة. ولكن ظروف العصر كانت عادية وربما كانت من مزايا الرجل القوي الموثوق. فهذه يجب النظر إليها ليس أنها مثل قوانين تمدد المعادن بالحرارة بل مواضعات اجتماعية تتغير مع الظروف. فهذه أوضاع تاريخية ويجب فهمها في ضوء علاقاتها التاريخية، وما يسمى الديموقراطية هي إنجاز إنساني قابل للنمو ومحاولة إسقاط ذلك على الشورى لا يخدم الديموقراطية ولا الشورى. فهو اختزال وضغط للمفهوم ووضعه في غير مكانه، فالشورى لا تعني الديموقراطية. ونحن لم نشم لا ديموقراطية ولا شورى في كل تاريخنا، وما يسمى الديموقراطية هي إنجاز بشري عصري وهي مؤسسة محددة المعالم مثل جسم الطفل الممتاز بأجهزة وشخصية وكود وراثي، وهي كم يتطور بآلية الحذف والإضافة من حيث التمثيل الصحيح والمشاركة في القرار.
والشورى كانت يومها قفزة نوعية بالجنس البشري لولا الاغتيال الأموي من خلال تمرد مسلح ضد الخليفة الشرعي. فوقعت السلطة بيد الطغاة من بني مروان والعباسيين والحجاج وأبو مسلم الخراساني والعباس الجزار. وأمريكا وأوربا اليوم فيها قدر من الديمقراطية ولكنها ليست النموذج المثالي. ولكنها بالنسبة للعالم العربي مثل السيد والعبد أينما توجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم. فلا يستويان مثلا.
. وهكذا فكلمة (اضربوهن) تشبه ملك اليمين في القرآن وسيلحق بهما القتال لأن هناك علاقة جدلية تاريخية بين العبودية والحرب. فالحرب هي التي أفرزت الرق. وعندما ينتهي الرق تنتهي الحرب. وكما يقول توينبي أن الرق كان سينتهي تلقائياً بدون قرار أمريكي وحرب أهلية بتطور الآلة. فالآلة الصناعية كانت ستلغي الآلة العضلية تلقائياً.
وبين العبودية والحرب تأتي مشكلة ضرب المرأة لأنها لون من العنف الحربي.
وعندما نقرأ النص القرآني من سورة المؤمنون عن ملك اليمين نعرف ـ إذا حدقنا جيدا في النص والتاريخ ـ أنه نص ألغاه التاريخ ولم يعد للآية سوى قيمة تاريخية.
ناقشت رجلاً يوماً في مونتريال حول هذا الموضوع فقال: لا سوف يرجع التاريخ مرة أخرى فيصبح فيه رق حتى نطبق النص ويرجع حكم ملك اليمين فنتمتع بما ملكت أيماننا من فتياتنا المؤمنات.
قلت له: ولكن هذا الانقلاب ضد محاور التاريخ التقدمي. قال: تطبيق النص أهم من التاريخ.
وفي يوم سئل مجنون عن نهر لماذا وضع الجسر فوقه؟ أجاب: حتى يمر النهر من تحته.
نحن نعيش في مصح أمراض عقلية ونقرأ القرآن بعيون الموتى. ونمر فوق النصوص كما تمر حشرة العث في الكتب فوق الأسطر فلا يفقهون إلا قليلا.
هذا فلا يعني شرحي الحقيقة الحقيقية النهائية ولكنها ضربة معول في سد يأجوج ومأجوج..
هل تعلمون ما هو أعظم سد في العالم ؟؟
إنه سد الذرائع.؟؟

هوامش ومراجع
(1) جاء البحث في مجلة الفيصل العدد 314 ص 22

(2) الآية 34 من سورة النساء ـ تأمل النص واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن وقارن هذه الآية مع نشوز الرجال : وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إصلاحا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا. إننا بحاجة إلى قلب نوعي لمفاهيمنا في إطار مثلث النصوص والواقع والتاريخ

(3) الآية 5 من سورة التحريم ـ تأمل النص (مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات)

(4) راجع المقدمة ص 346 ـ 347

(5) المقدمة صفحة 536

(6) راجع كتاب آفاق بلا حدود ـ بحث في هندسة النفس الإنسانيةـ للدكتور محمد التكريتي ـ ص 40 عن عيوب اللغة: التعميم مثل كل شيء ارتفع سعره. والتعميم يقلل من الدقة التي ندرك بها العالم ـ والحذف: سيارته تعطلت؟ أي نوع من السيارات؟ ما هو العطل؟ ـ أما التشويه: هذا الكتاب جيد؟ كيف كان الكتاب جيدا؟ بأي مقياس؟ وهل هناك معنى حقيقي لكلمة جيد؟ ـ راجع ايضاً مقالتي عن إدراك العالم المشوش والمشوه في جريدة عكاظ

(7) راجع كتاب القرآن والكتاب لمحمد شحرور وقد أثار ضجة كبرى حين صدوره ولولا موضوع لباس المرأة وفكرة الشقوق والجيوب ربما ما التفت إليه أحد. وصاحب الكتاب بذل جهدا غير عادي فيه واجتهد مستخدماً الآلة اللغوية للكشف عن المعاني مستعينا بعالم لغوي هو دك الباب

(8) راجع كتاب المستصفى في أصول الفقه لحجة الإسلام أبو حامد الغزالي ـ الجزء الثاني ـ ص 24

(9) وردت في كتاب مستقل للشيخ الهندي عبد الرحمن الدهلوي آيات الأحكام

(10) اشتغل الرجل على كتابه المكون من ستة مجلدات جمع فيها كل ما يتعلق بالمرأة المسلمة ومن مصادر صحيحة من القرآن والسنة وكان يزروني العديد من المرات أثتاء وجودي في ألمانيا فيكتب ما شاء له حتى اكتمل العمل في مدة تزيد عن 15 عاما.