في سياق الأحداث المتسارعة التي تشهدها الدول الأجنبية في الآونة الأخيرة، نرى ونسمع في كل مرة عن جريمة ما، ولا سيما حين تتضخم الوقائع ويكون مرتكبها شخصاً مهاجراً بحق بلدٍ فتح له ذراعيه. عندها تهتز وسائل الإعلام العالمية، ويستيقظ ضمير الإنسانية جمعاء. وفي هذا الإطار، يقع على عاتقنا نحن، بوصفنا من المشرفين العامين على شؤون الجاليات في مختلف أنحاء العالم، وعلى كل مشرف بحسب قوميته ودينه، واجبٌ مضاعف وثقيل.
إنه واجب ترسيخ ثقافة التعارف والقبول المتبادل، وتعزيز القيم الإنسانية، وبذل الجهود من أجل مزيد من السلام، ومواجهة الإرهاب الكامن الذي قد ينفجر فجأة إن لم نكن يقظين.
وهنا أبعث رسالة واضحة إلى شباب العالم، وبشكل خاص إلى الشباب الكورد في كل مكان، آملاً أن تصل إلى من يجب أن يسمعها. الآن هو وقت الإصغاء، والتجدد، والتقدم نحو عالمٍ مختلف.
وفي صلب هذا الموضوع، أتوجه إلى جميع شعوب العالم، ولا سيما شباب الجاليات، أولئك الذين اضطروا في أي ظرف كان إلى مغادرة أوطانهم والاستقرار في دولٍ أخرى، وأقول لهم:
"لقد جئتم إلى هذه البلدان بحثاً عن حلم وبداية جديدة. وعندما اخترتم بلداً ما ليكون ملاذاً آمناً لكم، فعليكم أن تدركوا حجم المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقكم. حافظوا على الاسم الطيب والسمعة الحسنة وكرامة شعبكم، من خلال سلوككم وحياتكم اليومية.
كونوا مواطنين صالحين في البلدان التي تحتضنكم، وكونوا ممتنين للفرص التي تُمنح لكم. ومن واجبكم احترام قوانين هذه الدول وأنظمتها ودساتيرها، وصون هويتكم ومستقبلكم والاسم الذي بُذلت جهودٌ كبيرة لبنائه.
لا تنسوا أن هذه الدول التي تعيشون فيها اليوم، قبل عقود قليلة، كانت كبلداننا تعاني من المآسي والحروب الأهلية والصراعات الطويلة، بل إن بعضها كان مدمراً بالكامل، لكنها نهضت في نهاية المطاف.
وذلك لأن شعوبها احترمت القانون والنظام، وتقبلت بعضها بعضاً، وأحبت أرضها وأوطانها. وبهذه الروح أعادت بناء نفسها، وأصبحت نموذجاً يُحتذى، ثم صارت ملاذاً آمناً لنا ولغيرنا من أجل حياة مستقرة.
إذا أردتم بناء أوطانكم، فابتعدوا عن التطرف والإرهاب والمخدرات، واحرصوا على عدم إيذاء الآخرين، فهذه ليست من قيمنا، ولا من قيم أي أمة من أمم الشرق الأوسط، وبالأخص الأمة الكوردية.
ومن هنا أتقدم بالشكر إلى دول العالم على الفرص التي منحتها لشبابنا، كجزء من شعوب الشرق الأوسط، ومن بينهم الكورد، وعلى فتح أبوابها أمام التعلم والاندماج، وتقديمها الأرض والطبيعة والمأوى والحماية."
وأخصِّص جزءاً من رسالتي إلى المشرفين على شؤون الجاليات في دول الشرق الأوسط، التي تضم اليوم أكبر وأوسع جالياتها في أوروبا وأميركا وأستراليا، حيث يشكل الكورد فيها رقماً مهماً وفاعلاً، يتميز بالهدوء والاستقرار وقلة المشكلات.
وأرى أن من الضروري الإسراع في إنشاء لجنة عالمية أو منظمة دولية تُعنى بالإشراف على شؤون الجاليات القومية، بما يسهم في تنظيم الخطاب والفكر والرؤى، والوقاية من أي أحداث غير مرغوب فيها، عبر إصدار إرشادات حديثة، وتوحيد الأهداف، وبناء قواعد بيانات دقيقة، وتحديد الجاليات المسالمة والمستقرة، وعزل التيارات المتطرفة والإرهابية التي قد تُسيء إلى سمعة أي أمة في المستقبل.
ويمكن أن تُطوَّر هذه المنظمة على غرار منظمة الأمم المتحدة، لتكون قوية وفاعلة، وتمثل لوبيّاً إيجابياً لكل الأمم التي تعيش خارج أوطانها وتسعى إلى حياة كريمة وشريفة، وهو ما يمنح صورة أجمل عن مواطنينا في الخارج.
وفي الختام، أتوجه إلى الجالية الكوردية في جميع أنحاء العالم دون تمييز، لأؤكد أن علينا أن ندرك أننا نختلف عن كثير من أمم العالم، لأن الفرد الكوردي عُرف دائماً بكونه إنساناً مسالماً، معتدلاً، مناهضاً للإرهاب، محباً لأرضه ووطنه.
ابتعدوا جميعاً عن العنف، واحترموا قوانين ودساتير الدول التي تعيشون فيها، وتقبلوا العيش المشترك، كما هو الحال في إقليم كوردستان/العراق، حيث تعيش كل الأديان والأفكار المختلفة والقوميات معاً تحت علمٍ واحد وأرضٍ ووطنٍ واحد. وكونوا هناك كذلك.
وكما يؤكد الرئيس مسعود بارزاني دائماً: "إذا أردت أن تدافع عن وطنك، فهنا يكون ذلك".
لذلك تعلّموا، لأنكم لا تستطيعون تحرير أنفسكم وبناء أوطانكم إلا من خلال العلم.
إنها رسالة عصرية كاملة وعميقة القيمة، تحث الشباب على التوجه نحو العلم، ومن الواضح للجميع أن من يسلك طريق المعرفة ينتظره مستقبل مشرق، وستجني الأوطان والأمم ثمار جهوده في المستقبل، حيث يخدمون ويناضلون من أجلها بعزة وكرامة.






















التعليقات