1
مجد دعاة العروبة المستعربون من الذين لم يكونوا يتقنون العربية بصورة صحيحة النعرات القومية، وشددوا على سيادة امة العرب كشرط أساسي لنهضة الأمة العربية، لغرض معروف في نفوسهم وذلك في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لأنهم كانوا بصدد تبديل مواقعهم ومراكزهم المنهارة اثر سقوط الدولة العثمانية التي كانوا من ابرز الدعاة لها، وبقيت في البداية في نطاق تفكير بعض المفكرين المسيحيين العرب. ثم خرجت كظاهرة جديدة استغلها بعض مدع العروبة من المستعربين، كساطع الحصري وسامي شوكت وفق مبدأ (سيادة امة العرب) كسلم لتسلق المناصب والمواقع في الدولة الجديدة التي تأسست في العراق على يد فيصل الأول اثر سقوط حكمه في سوريا على يد الفرنسيين، وربطوا الإسلام بالعروبة بطريقة ملتوية لا حبا في الإسلام والعروبة، ولكن تمجيدا للذات. ويعتبر ساطع الحصري أول من وضع لبنات الطائفية السياسية في العراق بتأسيسه لنوع من (المكافحة الثقافية) للطائفة الشيعية، وأبدى ذلك صراحة عندما منع تأسيس كلية للتربية في مدينة الحلة عام 1928 بحجة أن المدرسين الشيعة سيكونون نسبة عالية في هيئة التدريس فيها.
وقد بين بدون حياء في مذكراته التي نشرت العام 1968 علاقته الشاذة مع الشعب العراقي. وسبب ذلك في الحقيقة كونه كان يجهل تماما كمستعرب طبيعة المجتمعات العربية، وخاصة المجتمع العراقي الذي تأسس بعد هجرة الاتحاديات العربية من الجزيرة العربية قبل استقراره في ارض الرافدين، حيث كانت العشائر العربية هي الرافد الأساسي البشري لأرض الرافدين اشر تعرضها في كل فترة زمنية للكوارث والأوبئة والأمراض، والدور الرئيسي للمماليك العثمانيين ممن حكموا العراق في تشجيع استيطان العشائر العربية التي تتبع تلك الاتحاديات، كاتحاد المنتفك، والخزاعل وغيرها. وقد سار على نهجه من سموا بعد ذلك بـ(الحصريين) الذين احتقروا كل من هم من غير العرب، ووجهوا كرههم بطريقة مبرمجة للشعب الكوردي في العراق الذين اعتبرهم بعد ذلك ميشيل عفلق (أعداء للوحدة العربية ويجب إبادتهم هم والبربر).
وقد استغل ميشيل عفلق هذه الموجة الجديدة، كمنفذ لنشر أفكاره السوداوية عن أصالة الأمة، وعراقة منبتها، وأسس وحدتها مستقيا أفكاره من معلمه الأول الدكتاتور الإيطالي بنيتو موسوليني والتي ضمنها كتابه الذي نقله حرفيا من أفكار موسوليني، وأطلق عليه عنوان (الجذور الفكرية لحزب البعث). وورد في هرطقاته التي كان يلقيها على شكل خطب في داخل حزب البعث وجمعت بعد ذلك في كتاب سمي (في سبيل البعث) عبارة (البعثي الجيد هو العربي الجيد). وتمادى في خياله المريض أكثر وهو يردد بأن (مصير الإنسانية مرتبط بمصير العرب)، وإن (تقدم الإنسانية مرتبط بتقدم الأمة العربية وتحررها)، ولم يفسر لنا كيف يكون ذلك والأمة العربية تعيش حالة سبات عميق بين جدران سميكة أنشاها حكام وسلاطين جمهوريين كان همهم الوحيد تهريب مليارات الدولارات للبنوك الأجنبية، وإحكام القبضة الحديدية على الشعوب المستعبدة من قبل أحزابهم الشمولية ن وتسخير كل موارد الدول لهم ولتابعيهم ورجال مخابراتهم، ويقع على رأس القائمة حزب البعث (بطل) المقابر الجماعية.
2
وبتأسيس بعض الدول العربية بعد سقوط الدولة العثمانية نبتت جذور للفكر الفاشي الشمولي ولكن بصورة غير واضحة المعالم وكان معظمها على نسق ما كان يحدث في الأوطان التي استقى الفاشيون العرب تلكم الأفكار السوداوية منها كـ (الكتائب) التي كانت نقل حرفي لـ (الفالانج) في اسبانيا التي أسسها الدكتاتور فرانكو، وسار بعد ذلك الحكام العروبيون على هذا النسق هم وأحزابهم الشمولية بتشكيل أحزاب وقوات وتنظيمات شبابية على نمط الفاشيين الأوائل، ووضعوا نصب أعينهم تلقين الطلبة والشباب ثقافة العنف والحرب الدائمة، بديلا عن الثقافة العلمية المطلوبة آنذاك بعد خروج البلدان العربية من ربق الاستعمار العثماني المقيت الذي استعمل مع الدول العربية سياسة التتريك وطمس الهوية العربية وسياسة التجهيل. واظهر القادة الجدد من مدع القومية صنوفا من البطش والقهر والاستعلاء على شعوبهم المبتلية بهم. وجمعوا حولهم الأعوان والمحاسيب، وهيمنوا على الدولة برمتها.
وكانت أصعب فترة تمر بها الدول العربية وشعوبها في ثلاثينات القرن الماضي اثر صعود المد القومي الفاشي في أوربا على يد الأحزاب القومية الفاشية في كل من ايطاليا موسوليني وألمانيا هتلر، حيث أعجب البعض من الضباط العرب مدعومين بأفكار بعض السياسيين بالأفكار النازية والفاشية وساروا في طريق تطبيق تلك الأفكار والعمل على عسكرة المجتمعات العربية على النمط النازي – فتوة الشباب في العراق – ونجح الضباط العراقيون من ذوي الميول القومية الفاشية والذين أطلق عليهم آنذاك بـ (المربع الذهبي) – العقيد صلاح الدين الصباغ ورفاقه - بدعم من سياسي عراقي هو رشيد عالي الكيلاني، وبمساندة من مفتي فلسطين الحاج محمد أمين الحسيني (1897 – 1974 م) الذي أجج نار النعرة القومية بالتوافق مع كتلة الضباط القوميين العراقيين ونادي المثنى والحزب القومي العربي، وكانت النتيجة أن قادوا العراق لحرب خاسرة ضد بريطانيا وأعيد على أثرها احتلال العراق بصورة مباشرة من جديد بعد حصوله على الاستقلال الشكلي في العام 1924 زمن حكومة مؤسس الدولة العراقية الحديثة الملك فيصل الأول.
وجرت نفس العناصر القومية التي كانت تتواجد داخل مفاصل الدول العربية الحديثة التكوين الشعوب العربية إلى الحرب العربية – الإسرائيلية في العام 1948 بعد القرار الدولي المجحف لتقسيم دولة فلسطين الصادر في عام 1947، بدل أن تعمل على تأسيس دولة فلسطينية قوية على الجزء العربي منها والذي حدده قرار التقسيم الظالم. وضيعت بذلك القرار الارتجالي فرصة ثمينة بتشكيل الدولة الفلسطينية التي لو تم تأسيسها في ذلك الحين لكانت تبز الدولة اليهودية في هذا الوقت. بل على العكس جرى التثقيف من بعد ذلك التاريخ المحزن لثقافة عنف في المنطقة العربية قادها ضباط برتب صغيرة وفق شعارات ديماغوجية أحرقت الأخضر واليابس وضيعت ما تبقى من أراض عربية لفلسطين وغيرها كما فعل جمال عبد الناصر في حروبه العبثية التي جرت الويلات على العرب والفلسطينيين اجمع، وضيعت الكثير من الأراضي العربية التي لا زال للآن بعضها محتلا من قبل إسرائيل.
3
وقد كان للسياسة الأمريكية أيام الحرب الباردة الدور الرئيسي كحاضنة للحكومات الشمولية التي جاءت كلها بانقلابات عسكرية كانت الدبابة والبندقية هي الفيصل الحكم فيها، ليهيمن العسكر على مقاليد السلطة في دول تأخرت عن العالم المتمدن سنينا عديدة، وأصبحت تعتاش حتى في غذائها على دول العالم، بعد أن كانت بعض دولها تمثل سلة غذاء في المنطقة. وتاه مواطنوها بين الشعارات الديماغوجية عن الوحدة والحرية والاشتراكية التي لا وجود لتلك الشعارات الطنانة الجوفاء إلا على الورق، وضمن توجيهات رجال الأمن والمخابرات الذين زرعوا الرعب داخل نفوس المواطنين، ورسخوا في نفوسهم حب القائد الضرورة.
ولم تألوا وسائل الإعلام الرسمية عن بث ونشر شعاراتها السلطوية والتحذير من (دسائس المستعمرين) و (التهيأ) للمعركة الفاصلة مع (العدو الصهيوني) الذي اجلَ كل شئ من اجل محاربته. فقد عطل دور الجماهير، وسنت قوانين الطواريء، وأجلت مشاريع التنمية لأجل غير مسمى، وفتحت السجون والمعتقلات، من اجل ذلك العدو الذي يعيش في خيال رجال امن ومخابرات السلطات الشمولية التي تعلق دائما وراء كراسيها الآية القرآنية (وإذا حكمتم بين الناس فاحكموا بالعدل).
وأصبح معيار الوطنية الوحيد هو الولاء المطلق للحزب والثورة وللقائد الضرورة، ومرت عهود من الخوف والقلق اثر موجات غير محدودة من العنف والانتقام باسم حماية (الوطن والثورة)، ووزعت التهم بدون حساب فـ (من لم يكن منا فهو ضدنا) وهي نفس المقولة التي تبناها الأخوين ألن وفوستر دالاس معلمي سياسة الحرب الباردة، والتي أصبحت الأساس الرئيس لضرب كل معارض لسلطة رجال القرية القادمين على دباباتهم للقصر الجمهوري.وأصبحت مقولة (اقتلْ قبل أن تقتلْ) شعار رجال السلطة الوحيد الذي يستطيعون بواسطته البقاء على قيد الحياة. وأستبدل خنجر الشرف النازي الذي كان يحمله النازيون الألمان كشعار لعضويتهم إلى السيف العربي الذي يتباهى به العروبيون، ليكون التثقيف التربوي والحزبي وفق (السيف اصدق أنباء من الكتب).
4
وجرت سياسة الحرب الباردة والعداء للشيوعية إدارة المخابرات المركزية الأمريكية CIA لمغامرات سياسية لم تحسب حسابا لها ولم تتصور إنها ستهاجم يوما ما ممن جندتهم لخدمتها وهي في عقر دارها كما حدث في 11 سبتمبر 2001، يوم عقدت اتفاقا غير مكتوب بينها وبين أعداء الشيوعية التقليديين من القوى الإسلامية المتطرفة، وخاصة الحركة الوهابية، وزودتها بالسلاح والعتاد وفتحت لها المعسكرات وجهزتها بكل ما يلزم لحرب العصابات بغية دحر (العدو) الشيوعي الرابض على الأراضي الأفغانية. لذا فقد فوجيء العالم ببروز ظاهرة الإرهاب الجديدة التي كانت نتاج سياسة الحرب الباردة، والوليد الشرعي لإدارة المخابرات الأمريكية CIA التي كان الأب الشرعي لكل الحركات الاسلاموية المتواجدة على الساحة العالمية الآن.
ووجدت الأنظمة الشمولية خاصة في المنطقة العربية أن بقاءها يتزامن تماما مع وجود قوى الإرهاب الاسلاموي، فسارعت لعقد تحالف غير شريف مع قوى الإرهاب، وهيأت ما يلزم لإدامته، واستمرار يته عملا بالمبدأ النازي (حرب على الخارج حرب على الداخل)، لكي يظل المواطن في خوف دائم من الإرهاب الجديد الذي استخدم الدين والقرآن والسنة النبوية حجة له في قطع رقاب الناس والكبس على أنفاسهم.
لذا فإن من السابق لأوانه التفاؤل بزوال موجة الإرهاب التي تصاعدت بقوة وشراسة في المنطقة بعد سقوط النظام الدكتاتوري في العراق، واغتنام قوى الإرهاب الاسلاموي المتحالفة مع مدعي العروبة وبقايا رجال البعث الفراغ الأمني في العراق لتنشيط تنظيماتهم الإرهابية بحرية تامة داخل الأراضي العراقية، وليأسسوا لنظرية ما يسمى بـ(مقاومة المحتل) بينما هم يقتلون العراقيين ويهدموا دور عبادتهم – شيعة ومسيحيين – ويوقفوا عجلة إعمار العراق الذي خربوه بأيديهم.
ويطرح السؤال : ما العمل ؟ نفسه بقوة وسط تصاعد الإرهاب الاسلاموي في العراق والدول المجاورة (المملكة السعودية والكويت وقطر ومصر)، ويهدد بتنامي قوى إرهابية جديدة على نمط مادعوه بـ (مجاهدي الفلوجة) الذين أعيد تصدير بعضهم لبلدانهم الأصلية، كما حدث في احد تفجيرات مدينة جدة السعودية، وحادثة إطلاق النار في حولي في الكويت. ولاحتواء موجة الإرهاب الجديدة الشرسة يتوجب على بعض العقلاء من بلدان المنطقة من غير (الجمهوريات الثورية الو راثية) العمل بصدق وتعاضد مع القوى الليبرالية للوقوف بوجه الهجمة الإرهابية التي تحاول جر المنطقة لويلات لا حصر لها، وإيقاف عجلة التقدم والبناء، وذلك بإشاعة أجواء من الحرية والمشاركة الشعبية، وإعطاء جزء مهم من المجتمع العربي دوره في عملية البناء ألا وهو المرآة العربية المهمش دورها، وإعادة النظر بالكثير من المفاهيم والأسس والمناهج التربوية لقطع الطريق على الإرهاب القادم من خلف الحدود. وسن قوانين تحرم عمل الحركات والقوى الإرهابية ومنع تداول كتبها ورفع شعاراتها وملاحقة رجالها وقادتها، ووضع العقوبات القانونية ضد المروجين لأفكارها كما فعلت الدول الأوربية مع الأحزاب النازية. ويدخل حزب البعث الفاشي ضمن تلكم الأحزاب والحركات، لا بل لنقل أخطرها، والذي يستوجب التعاون التام بين الحكومات المتضررة من إرهابه سابقا ولاحقا وبين القوى الليبرالية لإصدار قرار من الأمم المتحدة باعتبار حزب البعث والحركات القومية الاسلاموية الإرهابية، قوى فاشية يستوجب على العالم المتحضر ملاحقتها والتعاون على تقديم رجالها لمحاكم خاصة ووأد أفكارها وملاحقة الكم الهائل من الأموال التي تسير به عملها وتنظيماتها في داخل الدول العربية وخارجها.
التعليقات