لم تستطع الحكومة اليمنية حماية السياح الأجانب في اليمن، ولم تتخل القبائل اليمنية عن هذه العادة السيئة التي أصبحت جزءا من ممارستها اليومية، وأخشى أن تصبح جزءا من مكوناتها الثقافية. ولا أظن أن الضغط على الحكومة لتحقيق مطالب هو الدافع الرئيسي أو الوحيد لهذه القبائل في ممارستها لهذا العدوان. لأن هناك من الوسائل لتحقيق المطالب ما هو أكثر مفعولا ونجاعة، وأقل تأثيرا على سمعة اليمنيين، لتحقيق مطالبهم. كأن يختطفوا أحد المقربين من قادة السلطة، أو الاتصال بوسائل الإعلام، أو الاعتصام في إحدى الساحات الهامة في قلب العاصمة اليمنية. إذن لا بد من وجود أسباب أخرى وراء عمليات اختطاف الأجانب في اليمن، ومن الصعب على غير أبناء اليمن تفسير هذه الظاهرة، فلكل مجتمع ثقافته وأسلوب حياته وطريقة تفكيره وتفسيره وفهمه للأمور. فاليهود يظنون أنهم شعب الله المختار، كما يظن بعض العرب أنهم خير الأمم، وبعض القبائل الأفريقية تفاخر بقدرتها على أكل لحوم أعدائها، وتعيب عليهم عدم قدرتهم على فعل المثل. أي أن لكل مجتمع مقاييسه ومعاييره وممارسته التي يظن أنها الأفضل، فكما لا تصح المعايير الشرقية أو العربية الإسلامية لفهم المجتمعات الغربية، كذلك لا تصح المقاييس الحديثة لفهم ظاهرة الاختطاف في المجتمع القبلي اليمني الغارق في بحر من العزلة والأمية التي لا يقارب نسبتها في اليمن نسبة الأمية في أي بلد آخر، والغارق أيضا في لجة الفقر والجهل والتخلف، وقد شاهدت بأم عيني أساتذة يمنيين جمعتني الظروف بهم في أحد الفنادق الكبيرة في بيروت وهم يرمون ملاعق الطعام، ويأكلون بأصابعهم الخمسة على مرأى من جميع الحاضرين. وللمجتمع اليمني عادات ومفاهيم لا يمكن فهمها وتفهمها، كعادة حمل الخناجر حتى بين إخوانهم وأقاربهم وأبناء قبيلتهم، وهي تعبر في رأيهم عن الرجولة واكتمال الشخصية، بينما لا تعبر من وجهة نظرنا إلا عن سلاح قاتل لا يستطيع اليمني أن يسير بدونه، مما يعني خوفه من الآخرين حتى لو كانوا من أقربائه، وعدم ثقته بهم، وخشيتهم من اعتدائهم عليه. أي أنه مجتمع غير مسالم وغير متحاب في علاقة أبنائه بعضهم ببعض، ولعل ذلك مرده إلى الثارات، وعادات الغزو التي كانت متبعة بين القبائل اليمنية، والتي وإن اختفت مظاهرها على الأرض إلا أن بعضهم كما يبدو ما زال يخشاها ويظنها رغبة ما زالت مستقرة في بعض النفوس.
كما أننا لا نستطيع أن نفهم ونتفهم عادة أخرى مسيطرة على المجتمع اليمني، وهي عادة (التخزين) أي مضغ (القات) والقات نوع من أنواع المخدرات، والتي يقضي المجتمع اليمني جل وقته في تعاطيها، وبكل فئاته، الجاهلة والمتعلمة، نساء ورجالا وشيوخا ومراهقين. وينفق أكثر أمواله في سبيلها، رغم أنه مجتمع فقير جدا، وهي لديهم بأهمية الأكل والشرب واللباس، وربما أكثر من ذلك، ولها عندهم طقس خاص، ووقت تعاطيها أكثر أهمية من كل الأوقات الأخرى، ولا يجوز تضييعه.
ولذلك من الصعب فهم ظاهرة اختطاف الأجانب في اليمن، فهي، ربما كما يقول قائل تعطي القبلي اليمني شعورا بالقوة أو الرجولة أو البطولة، أو ربما تعبر عن رغبة دفينة مستقرة في العقل الباطن في استعادة عادات الغزو وطقوسها في الأسر والسبي. أو لعلها تحقق للخاطف بعدا نفسيا، أو لعل القبلي اليمني يشعر باللذة والمتعة في ممارسة هكذا أعمال. وربما تكون هذه الظاهرة (اختطاف الأجانب) محاولة أو رغبة أو طريقة للاتصال بالعالم الخارجي الذي يمثله هؤلاء الأجانب واستكشافه، خاصة وأن لونهم مختلف ولغتهم مختلفة، وبلادهم مجهولة بالنسبة للخاطفين. أو لعلهم يريدون رؤية هذا الأجنبي عن كثب، وتفحصه واكتشاف ما إذا كان في جسده من أعضاء زائدة أو ناقصة، والتأكد إن كان يختلف أو لا يختلف عن البشري الذي يعرفونه في شيء. ففي بعض المجتمعات كان يسود اعتقاد- وربما ما زال سائدا- مفاده أن أبناء الأعراق أو الديانات الأخرى المختلفة عن أعراقهم أو دياناتهم لهم ذيل صغير في مؤخرتهم، أو لهم عين واحدة أو أذن واحدة، أو أصابع أكثر أو أقل.
وربما أيضا يكون لهؤلاء الخاطفين- الذين لا يقيمون وزنا للرأي العام العالمي ولا يرون أن سمعتهم تضرر من هكذا أعمال- مطالب معينة لدى الدولة اليمنية، ويرون أن الأجنبي أقل كلفة، فلا قبيلة تحميه، ولا من يأخذ بثأره، أي أن اختطافه واستخدامه كرهينة لا يسبب مشاكل مع القبائل الأخرى، فهو كافر أو ذمي، فإن قتل فلا يؤخذ رجل برجل، أي لا تطبق شريعة العين بالعين والسن بالسن، وديته نصف دية الرجل المسلم، كما قال جماعة (أبين) الإرهابية عندما اختطفوا سابقا عددا من الأجانب لأسباب سياسية، وقتلوا بعضا منهم. إنها مسألة غير مفهومة! فهل من يفسر لنا هذه الظاهرة؟
التعليقات