في كل بيت عربي هناك انسان يصلي الآن كي يموت شارون.
امي تصلي. اخواتي. جارتنا. الجار المجاور لجارتنا. بائع البقالة. بائع الاحذية. كلهم يصلون كي يموت شارون.
بالنسبة لي شخصيا آخذ الأمر من زاويتين: زاوية انسانية تجعلني لا اتمنى الشر لأي انسان، فلا اصلي لموته او مرضه، ولو كان عدوا لي. وزاوية سياسية تؤمن ان حياة شارون او موته لن يغيرا من الامر شيئا.
فنحن العرب تعودنا ان نسير وراء شخص واحد. هو من يصنع سياستنا الداخلية والخارجية. فان مات هذا الشخص، اختلفت كل اوراقنا.
الوضع لا ينطبق على اسرائيل. فهذه الاخيرة هي مؤسسة سياسية اكثر انتظاما منا. وهي تسير على اهداف لا يمكن ان يحيد عنها اى رئيس وزراء، سوى في الاسلوب فقط، سواء اكان شارون ام شالوم.
من اجل ذلك ارى انه من الافضل ان نصرف دعواتنا لشيء آخر، يمكن ان نستفيد منه، غير الدعاء والصلاة كي يموت شارون.
الا ان قصة الدعاء هذه تدفعني الى التفكير بشيء كنت كثيرا ما اتحاشى التفكير فيه: اننا اكثر شعوب العالم لجوءا الى الدعاء، سواء للامور العظمية او الصغيرة.
ندعو وراء كل صلاة. وفي خطب الجمعة. وفي خطب الاعياد. في اي مناسبة ولا مناسبة. ثم لا ارى شيئا من دعائنا يتحقق!
في مساجدنا الثلاثة الكبرى، وكل مساجدنا الاخرى، ندعو كل ليلة لنصرة المسلمين. وفك اسر المأسورين. وقضاء دين المحتاجين.. وقائمة لا تنتهي من المطالب.
ثم يمضي يوم وراء يوم، وشهر وراء شهر، وعام وراء عام، والديون تتراكم، والهزائم تتوالى، والاسرى يزدادون عددا!
قد يقول البعض ان السبب في ذلك هو انتفاء الصدق في الدعاء. او لعله انتفاء النية الطيبة. او لعله امتحان من الله. او لعله ضعف ايماننا.
انا اقول بخلاف ذلك كله. اقول ان دعواتنا لا تعكس حالة ايمان او امتحان بقدر ما تعكس حالة استسلام. فنحن ندعو الله هربا من الهزيمة التي تسكننا. وهربا من المسؤولية، فنقنع انفسنا بأننا قد بذلنا الجهد بالدعاء الصادق الى الله، كما نقول دائما. ولا اعرف ان كان هناك دعاء صادق وآخر كاذب. كما اننا نكثر من الدعاء لاعتقادنا ان الله تعالى سيسقط علينا اكواما من الذهب ونحن نتعلق باستار الكعبة. وان الله سيدمر اعدائنا ونحن على المقاهي. وان الله سيفتح ابواب السجون من تلقاء نفسها كي يخرج الاسرى. وان الله سيلقي اليهود في البحر ويسلمنا القدس صاغ سليم، مكافأة لنا على صلواتنا.
ثم نختم كل دعائنا بالقول: حانت ساعة النصر، ولا نرى سوى الهزائم تتوالى علينا!
هذه الصورة العبثية لصلواتنا ودعواتنا، ضاهرة تستحق ان نقف عندها كثيرا، وان نفكر ونؤمن ايضا بأن الدعاء خلق ليترافق مع العمل. بل ان العمل والاجتهاد اهم من الدعاء.. وافضل، واضمن نتيجة.
لا الغي اهمية الابتهال والدعاء، لكنه بلا قيمة ان انتفى الجهد.
اخيرا اعود الى بداية الموضوع واقول ان اردنا الانتصار على شارون وكل آل شارون، فلنسعى الى عمل يحقق لنا القوة والنفوذ، لا الجلوس على سجاجيد الصلاة ندعو بالموت والثبور والآلم على الآخرين.