تم انتخاب quot; لولا دا سيلفا quot; كأول يساري و ناشط نقابي لرئاسة البرازيل، في أكتوبر 2002، مرشحا لائتلاف يضم quot; حزب العمال quot; و quot; الحزب الليبرالي quot; و quot; الحزب الشيوعي quot; و quot;حزب التعبئة الوطنية quot;، مع التنويه بأن هذه الخلفية أصبحت غير ملائمة لمتطلبات العولمة بكافة أبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. فما هو البرنامج الاقتصادي الذي انتخب على أساسه quot;لولاquot; في 2002 ؟ وماذا تحقق منه ؟ وكيف أعاد نفس النجاح الانتخابي، حيث حصل في الرئاسات الأخيرة على نسبة 61% من الأصوات!

لعب تردي الأحوال الاقتصادية والاجتماعية دوراً رئيسياً في انتخاب quot;لولاquot; لاول مرة في 2002، حيث لم تتجاوز نسبة النمو الاقتصادي السنوي خلال عقد التسعينات من القرن الماضي 2.9 %، أي أقل من نصف ما حققته جارتها التشيلي (6.8%)، التي تعتبر المرجعية في مجال الإصلاح الاقتصادي جنوب القارة الأمريكية. و أسس هذا لتفشي الفقر حيث كان يعيش 25% من البرازيليين على أقل من دولارين في اليوم، مقابل 18.4% فقط بالتشيلي بنهاية العقد الماضي (المصدر: تقرير التنمية العالمية للبنك الدولي لسنة 2000) . وانعكس هذا على العائلات الأكثر فقرا، حيث بلغت وفيات الأطفال دون 5 سنوات 40 من كل ألف بالبرازيل، مقابل 22 فقط بالأرجنتين و12 بالتشيلي . وربما اعتقد الناخب البرازيلي أن خلفية quot;لولا quot; كعامل سابق بقطاع المناجم ستؤهله أكثر من غيره للاهتمام بقضايا الفقراء، التي مثلث الركيزة الأساسية لبرنامجه الاقتصـادي.
ما أن وصل quot;لولاquot; إلى سدة الرئاسة حتى بدأ بتنفيذ ما وعد به، باعتماد برنامج واسع النطاق المسمى quot; بولسا فاسيليا quot;، و الذي يتم بموجبه دفع إعانة شهرية لمجموع 11 مليون أسرة فقيرة شرط أن تلتزم بمواصلة التحاق أبنائها بالمدرسة.

وإذا كانت النسبة العالية لإعادة انتخاب quot;لولاquot; للمرة الثانية وبنسبة عالية يؤشر لأهمية هذا البرنامج عند الناخب، فمن المهم التنبيه أيضاً للسلبيات التي ستجعل من نظام حكم quot;لولاquot; نظاماً غير قابل للدوام. ركزت معظم التحاليل الصحفية على فشل quot;لولاquot; في تطهير حزبه من الفساد الذي تفشى بصفة كبيرة خلال فترة حكمه الأولى، حيث كانت جهوده، خلال السنة الماضية، موجهة للرد على الاتهامات عوض التركيز على القضايا الهيكلية للاقتصاد البرازيلي.

تتمثل أهم هذه القضايا في ضعف النمو الاقتصادي الذي لم يتجاوز خلال فترة حكمه 2.5% في السنة، وهو أقل من نصف معدل الدول النامية واقـل بذلك مقارنة بالدول سريعة النمو مثـل الهنــد والصين. و نتج عنه ارتفــاع نسبــة البطالـة من 9.4% في 2001 إلى 11.5% سنة 2004م.

يأتي هذا الفشل المحوري كنتيجة طبيعية لفشل quot;لولاquot; في القيام بالإصلاحات الهيكلية ورفع العراقيل أمام الاستثمار، حيث بقيت البرازيل في عهده صاحبة أعلى أعباء ضريبية وأعلى نسبة فائدة على إقراض البنوك في المنطقة. و يتطلب تنفيذ مشروع اقتصادي في هذا البلد القيام بــ17 أجراء إداري، مقابل 9 فقط في التشيلي، و انتظار 152 يوما مقابل 27 يوما فقط في التشيلي، و قس على ذلك في مجال استيراد البضائع، التي تتطلب 56 يوما مقابل 24 في التشيلي، و نفس الشيء بالنسبة لتعقيدات سوق العمل و المجالات الأخرى التي تعني عملية الاستثمار. و فوتت كل هذه التعقيدات على الدولة فرص الاستثمار المحلي، فيما واصل الاستثمار الخارجي الانخفاض من 22.4 مليار دولار سنة 2001 ( قبل وصول quot;لولاquot; إلى الحكم ) إلى 16.6 مليار دولار في 2002 و 18.2 مليار دولا سنة 2004م.

ويعني الاستمرار في هذا الاتجاه أنه لا أمل في رفع نسبة النمو الاقتصادي، التي لن تتعدى 3.6% هذه السنة والسنوات المقبلة، مما سيبدد أي أمل في القضاء الفعلي على الفقر. فالصين، على سبيل المثال، لم تستطع إخراج ما يقارب 400 مليون مواطن من تحت خط الفقر إلا نتيجة نمـو اقتصادي سنوي يناهـز 9%، خلال العقود الثلاثة الماضية. و يعتبر عديد الاقتصاديين أن النمو الاقتصادي شرطاً لا فقط ضروريا بل كافياً للحد من الفقر.

ومما يزيد من متاعب الرئيس quot;لولاquot; في الفترة الجديدة انخفاض عدد نواب حزبه بالبرلمان من 91 في الفترة السابقة إلى 83 في الفترة الحالية، خصوصاً وأن خصومه ينتظرون عودة الكونجرس للانعقاد مجدداً في فبراير المقبل لمواصلة حملتهم ضد الفساد والفشل الاقتصادي. و لا مجال للتصدي لهذا الأخير إلا باعتماد إصلاحات جذرية وصعبة، خصوصاً في مجال قانون العمل والضمان الاجتماعي والإصلاحات المالية للدولة، وهي إصلاحات قد يتناقض تحقيقها مع المصالح الآنية للقاعدة الانتخابية للرئيس.
لعل أهم درس للدول العربية من تجربة quot;لولاquot; البرازيلية أهمية إعطاء دفع الاستثمار والتنمية الدور المركزي في السياسة الاقتصادية للدولة، وأن يتم تحديد البرامج الاجتماعية في هذا الإطار، و دون الاكتفاء بتوزيع الدخل.

باحث أكاديمي في اقتصاديات التنمية وخبيرا سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن.
[email protected]