ليس غريبا أن يحزن الكويتيون على فراق الشيخ جابر الأحمد أمير الكويت السابق، الرجل الذي عايشوه بكل حب وتقدير طيلة السنوات الماضية من خلال العديد من المناصب القيادية التي تقلدها في البلاد وتدرج فيها حتى أصبح حاكما لها قرابة 28 عاما. وتشهد له الكويت بالكثير من الإنجازات التي حققها على كافة الأصعدة وبالأخص تلك المشاريع الاقتصادية الجبارة، والخطط التنموية الفعالة التي تلمس الكويتيون فوائدها وجدواها من حين لآخر، وليس ادعاءا إذا قلنا أن الشيخ جابر الأحمد هو مهندس نهضة الكويت، الذي كان لأفقه الواسع ونظرته الشاملة البعيدة أكبر الأثر في ما وصلنا إليه الآن من خير ونعيم.

هذا الرجل ذو النظرة الثاقبة المتزنة، أدرك منذ أمد بعيد بأن خير من يعينه في تحمل مسؤولية إدارة البلاد وحكمها بعد أن استقرت مقاليد الحكم بيده قبل أكثر من 28 عاما هو الشيخ سعد العبداللة الذي اختاره ليكون وليا لعهده، ورئيسا لحكومته، ولم يكن هذا الاختيار إلا بسبب ما يتحلى به الشيخ سعد من صفات وسمات تؤهله لتبوء هذا المنصب الرفيع. وكان الشيخ سعد عند حسن الظن، لم يهدأ ولم يرتاح، مارس مهامه بجد واجتهاد ونشاط، وكان يواصل العمل ليل نهار، واضعا نصب عينية تلك الثقة الغالية التي أولاها إياه أمير البلاد، مستشعرا عمق المسؤولية التي تقع على عاتقة، موقنا بأن أهل الكويت وأهلها أمانة في عنقه.

كان الشيخ سعد قريبا جدا جدا من أهل الكويت.. وكانوا يحبونه ويقدرونه،كيف لا وهو ابن مؤسس النظام الديموقراطي وواضع الدستور في الكويت ، كما وأن صفاته الشخصية وطيبته المتناهية جعلت الناس تحبه وتجله وتقدره، وحتى في لحظات الاختلاف في مطحنة العمل السياسي كان للشيخ سعد كلمته ومكانته التي لا تتأثر ولا تتعكر، وحتى الذين اختلفوا معه كانوا يدركون أن هذا الاختلاف لن يفسد للود قضية.

عاش الشيخ سعد العبداللة سنوات عمره منغمسا بالعمل اليومي الصعب عبر العديد من المناصب القيادية التي تبوءها في الدولة، ومن يعرفونه جيدا يدركون مدى جديته وحسمه وحزمه، ويشعرون بإصراره على تحمل الملفات الصعبة والسعي لحلها والانتهاء منها، وكان ينشغل بكل شيء يتعلق بالوطن، حتى أدق التفاصيل كان يهتم بمعرفتها كي لا تفوته فائته.

لم يكن الشيخ سعد منشغلا بالهم الكويتي فحسب، فيشهد التاريخ له بمواقفه البيضاء اتجاه قضايا الأمة الإسلامية والعربية، وبالأخص القضية الفلسطينية التي كان دائما وسيطا هاما في حل أزماتها ومشاكلها حتى الشائك منها.. كما أن اهتماماته ومساعيه شملت الكثير من الدول التي كانت بحاجة إلى العون والمساعدة والعطاء.
إن هذا الحب الكبير الذي يكنه أهل الكويت لهذا الرجل الكبير، هو الذي جعلهم يشفقون عليه من تحمل المسؤوليه الكبيرة للبلد، وهو الذي أجهد نفسه من أجلها طوال السنوات الماضية، حتى وحين ازداد المرض عليه كان مواصلا للعطاء مقداما على مواجهة التحديات، ولم يكشف عن سر مرضه لأهل الكويت الذين أحبوه كي لا يحزنهم أو يقلقهم، خاصة وقد ابتلاه الله عز وجل بمرض عضال جعله غير قادر على مواصلة عطائه وعمله.. وكما قال رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - ( إن الله إذا أحب عبدا ابتلاه ).

إن الحب الكبير الذي يكنه الكويتيون للشيخ سعد العبداللة لا يمكن أن تبدله الأيام أو تغيره الأحداث أو أن تنساه الذاكرة.. وسيظل هو كما كان دائما.. القامة الكبيرة ذو الهامة العالية.
إن سر الشيخ سعد العبداللة يكمن في تلك الذكريات العطرة التي يحملها جميع الكويتيون له في عقولهم.. وتلك المكانة المميزة التي يكمن بها في قلوبهم.. نسأل الله العلي القدير أن يشفيه ويرضيه.. وان يثيبه عن الكويت وأهلها خير الثواب.

إن للشيخ سعد العبداللة تجربة ثرية وحياة مليئة بالأحداث والمواقف، كنا نتمنى لو أنها وثقت وسجلت كي تستفيد منها الأجيال المتعاقبة، ولتبقى شهادة حية من رجل عايش أسوء الظروف والأزمات التي مرت بها الأمة العربية.

لكنها مشكلة كبيرة حيث أن عموم القادة الخليجيين والعرب يعفون عن تسجيل مذكراتهم أو توثيق حياتهم بما فيها من أحداث ومواقف وخفايا وأسرار وانتصارات وانكسارات.

[email protected]