مجدي خليل: الصراع بين الغرب والأسلام السياسى

الرسوم المسيئة للإسلام التى أثارت هذه الزوبعة العنيفة فى ما يسمى بالعالم الأسلامى، وخاصة العربى منه، تطرح تسأؤلا هل ما يحدث حاليا quot;مواجهة ثقافية مصطنعةquot; أم فى أطار جولة تتبلور بشكل تدرييجى من جولات الصراع بين الأسلام والغرب؟. والأجابة فى رأيى عن الشق الثانى من السؤال بالأيجاب، فالتاريخ يخبرنا عن موجات من العداء والصدام بين الغرب والإسلام السياسي، وبالتالي ما يحدث حاليا هو الجولة الخامسة من المواجهات الكبرى في صراع تاريخي طويل متبادل.

الجولة الأولي: جاءت من الإسلام السياسي عبر الغزوات الإسلامية الأولى أو ما يسمى بالفتوحات الإسلامية في التعريف الإسلامي، والفتوحات الإسلامية الأولى وصلت إلى الغرب وهددت أوروبا وتركت أثارها الواضحة في الأندلس.

الجولة الثانية: جاءت من أوروبا عبر الحروب التى سميت بالصليبية تحت شعارات دينية أيضا مثل سابقتها الإسلامية وخلفت ورائها ذكريات مريرة عند مسلمى الشرق.

الجولة الثالثة: جاءت من الإسلام السياسي عبر الخلافة العثمانية وما صحبها من موجة عدوانية واسعة عنيفة، وهددت بقاء أوروبا للمرة الثانية وتركت أثارها الواضحة من اسيا الصغرى إلى البلقان.

الجولة الرابعة: جاءت من أوروبا عبر الاستعمار الغربي لمعظم ما يسمى بالعالم الإسلامي والذى أستمر فى بعض الدول إلى ستينات القرن الماضى.
واضح أنها جولات تبادلية للاعتداء والعدوان والنتيجة متعادلة عدديا مع إختلاف فى مدى تأثيرها، فالإسلام السياسي ترك في أوروبا ودول الاتحاد السوفيتي السابق كيانات إسلامية عن طريق التحويل الأجبارى لسكانها الأصليين إلى الأسلام، والغرب ساعد اليهود، ولا يزال، على تحقيق حلمهم التاريخي بأحياء مملكتهم القديمة على أرض فلسطين.
وجب التنويه أن هناك فرقا بين الإسلام كدين، أي شعائر وعبادات وإيمان بالله وأركان خمس، وبين الإسلام السياسي، بمعنى استخدام الإسلام كأيديولوجية لخلق كيان سياسي إسلامي. وهو ما حدث تاريخياً باسم (الخلافة الإسلامية) ويحدث حاليا تحت ما يمكن تسميته (بالإسلامية الدولية) وهي مفهوم واسع جدا يشمل أسلمة كل شئ ويمثل الإرهاب ذراعه العنيف أو جانبه العسكري.وبمعنى اوضح هناك فرق بين الاسلام الدين والاسلام الدولة، فالاسلام الدين هوحق شخصى لمعتنقيه ولا غبار على ذلك والاسلام الدولة سياسى ومن ثم يرتكب الاخطاء التى ترتكبها الكيانات السياسية الاخرى.
والإسلام الدين لم يستمر سوى سنوات قليلة عقب ظهوره وأندمج بسرعة فى الأسلام الدولة مكونا ما يعرف بالأسلام السياسى والمستمر حتى الآن.إذن فالإسلام السياسى بتعريفه العلمى والوظيفى ظاهرة قديمة قدم الأسلام ذاته، فقط تغيرت المسميات عبر التاريخ.
وجب التنويه أيضاً أن الشيء الهام في هذا الصراع بين الإسلام السياسي والغرب هو صراع سياسي أساسا من جانب الغرب، وإن أتخذ شعارات دينية فى إحدى جولاته، وسياسى دينى من الجانب الأسلامى، لأن الأسلام أتحد جانبه السياسى مع الدينى منذ بداياته الأولى كما قلت، فكلمة الأسلام quot;دين ودولةquot; مرادف للأسلام السياسى وبالتالى كل من يؤمن بأن الأسلام دين ودولة هو مؤيد للأسلام السياسى. والدليل على ذلك أن المسيحية الشرقية أضيرت أيضاً من هجوم الفرنجة في صراعه التاريخي مع الأسلام السياسى. وقد ساعد الصليبيون في إضعاف المسيحية الشرقية وما فعلته الحروب الصليبية في القسطنطينية خير دليل على ذلك.وأيضا دفع مسيحيوا الشرق، وما زالوا يدفعون، ثمنا باهظا من أعتداءات الأسلام السياسى المستمرة عليهم وذلك نتيجة للجانب الدينى الذى يغلف صراع الأسلام السياسى وينفث هذا الغيظ والعداء الدينى ضد مسيحى الشرق.

الجولة الخامسة: جاء الدور على الإسلام السياسي ليبدأ جولته الخامسة والتي تجسدت بدايتها الحقيقية في أحداث 11 سبتمبر2001، ومن ثم فهذه الجولة ليست مصطنعة وإنما هي مدبرة مع سبق الإصرار والترصد، الفرق الوحيد أن الجولات السابقة كانت تقوم بها quot; دولة الخلاف الإسلامية quot; أما الجولة الأخيرة فقامت بها ما يسمى quot;بالإسلامية الدوليةquot; والإسلامية الدولية كما قلت مفهوم واسع وشامل وذراعها العنيف هو quot;الإرهاب المنظم وغير المنظمquot; ومن ثم فإنه عندما كانت هناك دولة مركزية تقود الإسلام السياسي عسكريا كان ذلك يسمى quot;بالخلافة الإسلاميةquot;. وفي حالة غياب الدولة الإسلامية المركزية فالبديل العسكري هو quot;الإرهابquot; (طبعا الإسلامية الدولية مفهوم أوسع بكثير من الإرهاب.)
والإسلامية الدولية لها مراكز تفريخ ونشر وليست مراكز قيادة، وتأتي السعودية كمركز رئيسي للتفريخ والنشر تليها مصر وباكستان. ويعيش الملايين من المسلمين فى أنحاء العالم كمتفرجين، لأن المواجهة هذه المرة جاءت من المتطرفين الإسلاميين فقط وليس من كل المسلمين.ويقدرالبعض فى الغرب هؤلاء المتطرفين بحوالي 10-15% من تعداد ما يسمى بالعالم الإسلامي وهنا نحن إزاء حوالي من 130-200 مليون متطرف. ويوما بعد يوم يكسب التطرف الأسلامى ارضا جديدة تنذر بأتساع رقعة المواجهة وتحويل الحرب الباردة إلى ساخنة.
يلاحظ أيضا أن أعتداءات الإسلام السياسى، سواء كانت عبرالخلافة الأسلامية أم الخلافة العثمانية أو الارهاب الدولى، عالمية لم تستثنى منطقة فى الشرق والغرب إلا وأعتدت عليها، فى حين أن أعتداءات الغرب تتسم بقدر من التركيز ناحية الشرق ودول العالم الثالث.
السؤال الآن، ما هي الدولة الإسلامية المؤهلة لقيادة ما يسمي بالعالم الإسلامي.

هناك ثلاثة أنواع من القيادة:
أولا: القيادة السياسية والعسكرية، وكما هو واضح لا توجد فيما يسمي بالعالم الإسلامي دولة واحدة مؤهلة لهذه القيادة لأسباب كثيرة، كما أنه في المقابل فإن الغرب لن يسمح لهذه الدولة بالظهور لأن معنى ذلك عودة الخلافة الإسلامية بما فيها من غزوات هددت أوروبا ذاتها أكثر من مرة.

ثانيا: القيادة الفكرية المتطرفة وتقديم النموذج المؤثرلحشد المتطرفين، وهناك عدة دول تسعى لذلك، سواء عن قصد أو غير قصد، وتأتي في مقدمتها السعودية ومصر إيران وباكستان.

ثالثا: نموذج الإصلاح الإسلامي، ويعني ببساطة كما حدث لليهودية والمسيحية وهو الفصل التام بين الدين والدولة في الدول الإسلامية، وحتى هذه اللحظة لا توجد دولة إسلامية واحدة تجرؤ على هذا الطرح في ظل إيمان الأغلبية الإسلامية الكاسحة بأن الإسلام دين ودولة. وما حدث في تركيا ليس أكثر من حالة خاصة مضطربة وغير مستقرة وغير قابلة للتعميم أو التكرار وهي نفسها في طريقها للتراجع.

ماذا عن السيناريوهات المستقبلية
السيناريو الأول: طرحه برنارد لويس أهم مؤرخ في العالم للخلافة العثمانية في كتابه quot;ما الخطأquot; الذي كتبه قبل 11 سبتمبر ونشر بعد 11 سبتمبر، وقال فيه أن الحضارة الإسلامية انتهت وأن العالم الإسلامي ضعيف فقير غارق في الجهل والتخلف وقال بوضوح quot;أن الإسلام لا يمكن أن يزدهر بدون فتوحاتquot;. أي أنه لا يمكن أن يكون هناك كيان إسلامي سياسي كبير بدون خلافة إسلامية.
السيناريو الثاني: وهو عودة نوع جديد من الخلافة الإسلامية وكان هذا حلم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وأن يتحقق ذلك عن طريق الإرهاب بأن يسيطروا على دولة تنطلق منها الخلافة. وكان الأمل أن يبدأوا بأفغانستان وينطلقوا منها بعد ذلك لأسقاط النظام السعودي وعودة الخلافة من هناك، وهذا الحلم تراجع أو تبخر بعد ضرب أفغانستان، ومن قبله حاول حسن الترابى إحياء الأممية الأسلامية أنطلاقا من السودان وفشل، وهناك من يحاول عودة الخلافة تدريجيا وبأساليب سياسية في البداية على أن تنقلب إلى عسكرية بعد وصولهم إلى الحكم.وأبرز الداعين إلى ذلك هم الأخوان المسلمين في مصر. وقد قالها المرشد العام الراحل مصطفى مشهورquot; لن نتخلى عن إستعادة الخلافة الأسلاميةquot; (الشرق الأوسط 9 أغسطس 2002)، ولكنى أعتقد أن محاولات عودة الخلافة لن تحظى بالنجاح.
السيناريو الثالث: طرحه صامويل هنتنجتون في كتابه (صدام الحضارات ) وقال فيهquot; في النهاية محمد سينتصرquot; ويقصد نبي الإسلام عبر تكاثر المسلمين وانتشار الإسلام، أي بالتكاثر والتحول أي بنشر خلايا إسلامية تتحول إلى كماشة حول العالم كله فيما بعد.
السيناريو الرابع: طرح هذا الرأي عقب أحداث 11 سبتمبر بأن هذه هى الجولة الأخيرة بين الإسلام السياسي والغرب وأنها ستؤدي إلى quot;نهاية ما يسمي بالعالم الإسلاميquot;، أي القضاء على الإسلام السياسي نهائيا خلال عدة عقود، لان الارهاب قادهذه الجولة وما يسمى بالعالم الاسلامى فى اضعف حالاته، وربما هذا ما جعل البعض يقول أنها أخطر محنة يتعرض لها العالم الإسلامي/

***

د.عبدالخالق حسين: المتطرفون أساءوا للإسلام أكثر من الرسوم المسيئة

من متابعتي لمظاهر احتجاج المسلمين في الأسبوعين الماضيين على نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد في صحيفة quot;يلاندز بوستنquot; الدنماركية قبل أربعة أشهر، وإعادة نشرها في صحف أخرى، يمكن تقسيمها إلى نوعين: الأول، احتجاج عقلاني هادئ، كما حصل في بعض مناطق العالم، حيث عبر الناس وبعض الحكومات الإسلامية، بأسلوب حضاري عن سخطهم واحتجاجهم على هذه الرسوم ونصحوا بعدم إعادة نشرها، والعمل على خلق جو من الثقة والتفاهم والحوار الحضاري بين مختلف الثقافات واحترام الأديان ومعتقدات الناس. والنوع الثاني من المحتجين، هم خليط من المتشددين الإسلاميين والمتطرفين من أتباع المنظمات الإرهابية مثل أنصار القاعدة، وحتى مجرمين من تجار المخدرات كما ظهر في مظاهرة لندن، والسياسيين المعادين للغرب مثل النظامين السوري والإيراني وحماس، حيث اختطف هؤلاء الإسلام واستغلوا مشاعر المسلمين لخدمة أغراضهم السياسية وتصفية حسابات مع الغرب باسم الإسلام والإسلام منهم بريء.
ولعل أشد هذه المظاهرات استهجاناً هي تلك التي اندلعت في دمشق وبيروت وطهران وغزة، حيث تم حرق السفارات الدنماركية والنرويجية وإلحاق أضرار بسفارات أخرى، وفي غزة تم الاعتداء على مكاتب الوحدة الأوربية التي هي في الأساس لمساعدة الشعب الفلسطيني، أما في طهران حيث قام الغوغاء من المخابرات الإيرانية بالاعتداء على مبان السفارتين الدنماركية والأمريكية. ومن المعروف أن هذا الثلاثي، إيران وسوريا وحماس، في تحالف مصيري ضد الغرب يتصف بالغباء المفرط سيجلب البلاء على شعوبهم كما جلب صدام حسين البلاء على الشعب العراقي.
وفيما يخص مظاهرات لندن أمام السفارة الدنماركية في الأسبوع الماضي، فقد أساء المتظاهرون لسمعة دينهم حيث صار الغربيون يرون في الإسلام صورة للإرهاب، كما أساءوا لجالياتهم الإسلامية وعملوا على دفع اليمين البريطاني المتطرف لتصعيد مشاعر الكراهية ضد المسلمين. لقد رفع المتظاهرون شعارات ولافتات استفزازية متعاطفة مع الإرهابيين مما استفز مشاعر ذوي ضحايا تفجيرات لندن يوم 7/7 من العام الماضي وأثار سخطهم واحتجاجهم على الحكومة في عدم معاقبة هؤلاء المسيئين للحرية وروح التسامح في هذا البلد. ومع ذلك لم تقم الشرطة البريطانية في وقتها باعتقال أي متظاهر، واكتفوا بحماية المظاهرة وتوثيقها بالفيديو لتدقيقها ومحاسبة المسيئين فيما بعد.
ولكن هذا لا يعني أن المسئولين البريطانيين مغفلون إلى حد يمكن اللعب عليهم. فقد يتظاهرون بالبرودة والتساهل إلى حد البلاهة أحياناً في مثل هذه الحالات، ولكنه تظاهر من نوع السهل الممتنع، أشبه بالممثل الذي يؤدي دور الأبله على المسرح ولكن في الوقت نفسه يعتبر هذا الدور من أصعب الأدوار في التمثيل. نعم، من السهل ارتكاب الجرائم في الغرب، ولكن لا يمكن للمجرمين أن يفلتوا من العقاب مهما طال الزمن، ففي نهاية المطاف لابد وأن يلقى القبض على المخالفين للقوانين وينالون العقاب المناسب.
وكنموذج من هذا النوع، قام أحد المتطرفين في مظاهرة لندن ويدعى (عمر خيام 22عاماً)بمظهر الانتحاري حيث ارتدى ما يشبه الأحزمة الناسفة مقلداً الانتحاريين الإرهابيين وذلك تحدياً لمشاعر الشعب البريطاني. وتبن فيما بعد، أن هذا الشاب كان محكوماً عليه بجريمة تعاطي تجارة المخدرات وحكم عليه بالسجن خمس سنوات ونصف في ديسمبر عام 2002، ثم أخلي سبيله في العام الماضي بكفالة parole بعد أن قضى نصف المدة في السجن مع تعهد بعدم القيام بأية مخالفة ضد القانون. وبعد تصرفه المستفز في المظاهرة استدعي من قبل البوليس حيث تم اكتشاف ماضيه وفضحه أمام الملأ، وأضطر (عمر) تقديم الاعتذار عما قام به من سلوك استفزازي مشين ضد مشاعر الشعب البريطاني. ولكن هذا الاعتذار لم يعفه من إعادته إلى السجن ليقضي ما تبقى من محكوميته كما تقتضي القوانين البريطانية وذلك لعدم إيفائه بالتعهد بعدم القيام بأية مخالفة ضد القانون.
كذلك نعرف أن الحكومة البريطانية تساهلت كثيراً مع دعاة العنف من أئمة المساجد في بريطانيا من أمثال أبو حمزة المصري، حيث ظهر إثناء محاكمته مؤخراً أنه كان يدعو للعنف وإثارة الكراهية ضد الشعب البريطاني منذ سنوات، والحكومة كانت على علم بذلك، ولكنها غضت النظر عنه، كما صرح ديفيد بلانكت، وزير الداخلية السابق، ولم يعتقلوه ليتجنبوا استفزاز المسلمين في بريطانيا. ولم يعتقلوه إلا بعد أن تمادى في غيه وصار خطراً على أمن البلاد، وأخيراً حكم عليه بالسجن سبع سنوات.
ومن المفيد هنا، التوكيد على أن الأغلبية الساحقة من الجاليات الإسلامية في الغرب هي مسالمة وترغب في العيش بسلام واحترام قوانين وثقافات البلدان المضيفة. ولكن هناك نفر من المتطرفين المسلمين المنتمين لمنظمات الإسلام السياسي، يستغلوا تساهل هذه الحكومات لإشعال الصراع بين المسلمين والشعوب المضيفة لأغراض سياسية. وقد اتضحت هذه السلوكيات الإرهابية في أعمال الشغب التي قام بها متطرفون من الجاليات الإسلامية في ضواحي باريس قبل شهرين. ونتيجة لهذه الأعمال العدوانية، اتخذ وزير الداخلية الفرنسي، قراراً بإنزال أشد العقوبات بحق كل مهاجر يسيء إلى أمن البلاد بما فيه ترحيله إلى بلده الأصلي. يبدو أن هذا التهديد قد أدى غرضه، حيث لم تخرج أية مظاهرة ضد هذه الرسومات في فرنسا. وقد أكد هذا للحكومة الفرنسية أنه من الممكن لجم المتطرفين بمجرد استخدام الحزم إزاءهم. فهؤلاء المتطرفون أساءوا للبلد لأنهم أمنوا العقاب وبذلك بدأت الحكومات الغربية تتفهم كيف تتعامل معهم.
ليس هذا فحسب، بل عندما أعلنت مجلة (شارلي إبدو) الباريسية، وهي مجلة ساخرة، عن نيتها إعادة نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة إلى النبي محمد، لم يتجرأ المتطرفون بالقيام بأي مظاهرة احتجاجية ضدها، بل اكتفى ممثلو المساجد فقط بتقديم شكوى إلى المحكمة لمنع الصحيفة من إعادة النشر، ولكنهم خسروا الدعوى. والجدير بالذكر، أن المجلة عادة تطبع مائة ألف نسخة من كل عدد، ولكن العدد الذي أعادت فيه نشر الرسوم هذه مع شرح، استنفذت كافة النسخ فطبعوا 300 ألف نسخة إضافية في نفس اليوم (الخميس الماضي) ومائة ألف نسخة أخرى في اليوم التالي، أي ما مجموعه نصف مليون نسخة لذلك العدد. والفضل في كل ذلك يعود إلى التطرف الإسلامي الذي ساعد على إثارة فضول الناس وحب الاستطلاع لمشاهدة هذه الرسوم وبالتالي الإساءة للإسلام وتشويه صورة المسلمين.
وكما كررنا مع غيرنا، أن الكاريكاتيرات المسيئة رسمها شخص واحد ونشرتها صحيفة دانماركية واحدة في البداية قبل أربعة أشهر، ثم أعيد نشرها من قبل عدد من الصحف في العالم بعد أن جلب المحتجون انتباه العالم لها. والسؤال هو: ما ذنب الشعب الدنيماركي وحكومته وسفاراته في الخارج ومؤسساته الإقتصادية لكي يتعرضوا للاعتداء ؟ وهل الشعب الدينماركي هو الذي أمر رسام الكاريكاتير أن يعمل ما عمل؟ وما ذنب المسيحيين في العالم ليدفعوا الثمن وخاصة مسيحيي البلدان العربية الذين وقع عليهم العدوان من قبل الغوغاء وخاصة في العراق وفي لبنان؟ وهل خلت بلاد المسلمين من رجال دين معتدلين ليوجهوا النصيحة إلى المسلمين ليوقفهم عند حدهم؟ الكل يصيح ليل نهار أن الإسلام دين التسامح ويدعو للوسطية، فأين هذا الكلام من التطبيق؟ أليس القرآن الكريم الذي جاء فيه (والله لا يحب المعتدين). فلماذا العدوان على الأبرياء؟ يجب على المسلمين أن يعرفوا أن العبرة بالأفعال وليس بالأقوال.
أجل، خرج الاحتجاج من سياقه ومن سيطرة المسلمين المعتدلين الذين اختاروا الصمت وتركوا سفهاءهم يقودون شعوبهم إلى المواجهة مع غير المسلمين. وبترتب على هذا السلوك مخاطرة وخيمة. فالعالم لا يمكن أن يسكت طويلاً إزاء هذه التصرفات العدوانية. لقد تم اختطاف الإسلام من قبل المتطرفين من أمثال النظامين الإيراني والسوري والمنظمات الإرهابية ومتعاطي تجارة المخدرات، وبذلك أعطوا صورة سيئة عن الإسلام والمسلمين، ليس في الغرب فحسب، بل وفي جميع أنحاء العالم، وبذلك فقد ألحق هؤلاء أشد الأضرار بالإسلام وقدموا أفضل الخدمات لأعداء الإسلام والمسلمين. لقد أساء المتطرفون الإسلاميون بالعدوان على الأبرياء، إلى الإسلام وشوهوا صورة المسلمين آلاف المرات ما سببته الرسوم المسيئة. وهذا ناتج عن جهل المسلمين، فكما تقول الحكمة (يفعل الجاهل بنفسه كما يفعل العدو بعدوه).