ماهو الإطار العام الذي توفق إليه العرب، في مجمل بحثهم عن التأصيل والحداثة والهوية واليقظة والنهضة أو حتى مرحلة الثورة؟ وماهي الخصائص التي يمكن الوقوف عليها في سبيل تمييز القسمات والمفاصل الرئيسة التي تطبع الميول والاتجاهات والأهداف والمواقف، هذا باعتبار التجربة التي رافقت تطلعات النخبة العربية نحو التغيير والتحول.حيث مرحلة النهضة التي ترافقت مع الضعف والوهن الذي لازم الدولة العثمانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حتى لحظة سقوطها ونهايتها عام 1924.أو خلال نشوء الدولة العربية الوطنية التي برزت للعيان وفقا للدعم الصادر عن القوى الكبرى التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الأولى.

نقل المعرفة
بين شامل وعام، ومجتزأ وخاص، عاش العرب اللحظة الحرجة، تلك التي فرضت عليهم التعيين في صلب التوزع بين العلاقات الاجتماعية التي ميزت مدار التوجهات والتفاعلات والقيم والعادات والتقاليد، وبين زحف المؤسسة التي جاءت عليهم فارضة بقسماتها وتفاصيلها على حين غرة.حتى أن وزيرا عربيا من دون وزارة، كتب في مذكراته ممتعضا عن عدم استطاعته من تعيين ساعي مكتب بسيط، بعد أن أعلن المستشار البريطاني والذي يمثل دولته المنتدبة، بعدم إمكانية تعيين هذا العامل البسيط لاعتبارات تتعلق بالميزانية والملاك الإداري.ويبقى سؤال التوزيع للقوى الاجتماعية باقيا راسخا شديد الحضور في المجال العربي، هذا الرغم من مرور السنوات، وفرضية تعاقب الأجيال وتبدل الأحوال. فالعام والشامل يبقى حاضرا ينبئ عن السعة والتفاؤل والاختراق الهائل للآفاق، فيما يكشف الواقع الخاص عن التباطوء والتراخي والتراجع، حتى ضج السؤال المستنكر حول هذا التقاطع الفج الذي ينتهك العقول ويعتصر الأفئدة الحيرى، والمنشغلة بموضوع المستقبل، هذا الذي يتم التلويح به من قبل مختلف القوى والأطراف، من دون أن يحظى بالحضور العميق والفاعل، بل أن طريق الاستخدام الفج لهذا الشعار الواسع(( المستقبل )) غدا وكأنه العكاز الذي يتم الاتكاء عليه من قبل الجميع، في سبيل تمرير الصفقات وإعداد الولائم الخاصة والتي تعد وفقا لأهواء الصفوة ومصالحها وميولها ورغباتها.

الأداء والخواء

ثمة تناحر وتقاطع يكون له الحضور الفاضح في المجال العربي، لاسيما على صعيد العلاقة القائمة المفاهيم التي تحدد مسار الفكر الذي يقوم بإنتاجه النخبة المثقفة، وحالة الوعي التي تميز مفاصل الرأي العام، حتى ليكون التساؤل الأهم وقد تركز عند طبيعة المضمون الذي يقوم عليه مفهوم الوعي الاجتماعي، باعتباره الراصد للمجمل من الفعاليات والاتجاهات التي يقوم عليها وعي العامة ومشغلاتها وتطلعاتها الأساسية.هذا بحساب البحث عن التكيف الذي يتم من خلاله تحديد مسار الوجهة الاجتماعية انطلاقا من الوعي بالمفاهيم المطروحة وطريقة تداولها ومستوى تفعيلها ودار التصور السائد حولها، وفي هذا تحديدا يبرز دور النخبة المثقفة، حيث تتبدى أهمية الدور المناط بها انطلاقا من : ((التحديد- التطوير ndash; التفعيل)).
يحضر السؤال عن التربية العربية قويا فاردا تفاصيله على المجمل من العلاقات السائدة، لاسيما وأن الحديث الراهن بات يتكرر وبإفراط شديد حول الربط بين الجدوى والغاية والهدف الذي تقوم عليه العملية التربوية برمتها، باعتبار علاقتها بإعداد الكوادر القادرة على الولوج في سوق العمل، أو المساهمة في خلق الفكر المعبر عن الواقع. لكن التواصل الأبرز يبقى حاضرا في الربط الحاصل بين التعليم كممارسة مباشرة، ومستويات التفكير المتعلقة بتوجيه المستهدفين للعملية التربوية والعمل على دمجهم في المجتمع، حتى استوت الغاية الرئيسة في السعي نحو البحث عن تحديد مسار الخريجين ومدى القدرة الاستيعابية على استقبالهم بوصفهم قوة عاملة، ينبغي دمجهم في المجال الاجتماعي، لاسيما وأن الواقع بات يفصح عن بروز المزيد من ملامح الخلل والاضطراب، بإزاء الأعداد الكبيرة من الخريجين الذين، راحوا يعيشون الإحباط، في ظل الفقد والعطالة التي راحوا يتعرضون لها، حتى باتت عملية الحصول على الشهادة العليا بمثابة العبء والثقل المرير.
تتيح ثلاثية (( التحديد ndash; التطوير- التفعيل)) إمكانية توسيع المجال أمام تشخيص حالة العملية التربوية في المجال العربي، هذا الذي يقوم على المزيد من التوصيفات الجاهزة، مثل ؛ الهدر، التراجع، الانفصال، التلقين، غياب المحتوى العميق، سيادة النقل وانعدام التحليل، والقائمة تطول، حتى ليكون السؤال عن السر الكامن وراء استمرار عملية التعليم، بحساب الوقوف على المدخلات والمخرجات، تلك التي لا تتوان من فتح الكوة على تشخيصات تقوم على مسألة نقل المعرفة، تلك الإشكالية القصوى القائمة في صميم الموضوع.والتي تتخذ البعدين الرئيسين ؛ التاريخي والاجتماعي، حيث التجليات الكبرى المرافقة والمتمثلة في حضورية النموذج المتفوق الذي تم عنه النقل المباشر، باعتبار تفوق الغرب التقاني والمعرفي، أو حالة الالتباس في المضمون الاجتماعي، والذي يتبدى في السطوة والهيمنة التي تمارسها البعض من القوى الاجتماعية، والتي لم تكف عن ممارسة سطوتها في مواجهة التعليم الحديث إبان بواكير التجربة، خصوصا في بداية القرن العشرين، بل أن التضافر للمجمل من القوى راح يشير إلى حالة التفاقم، والتي راحت تتمثل في تعميق وتكريس مجال التجهيل، حتى أن الإخفاق والتعطيل للطاقات صار ملمحا أساسيا في المجمل من تجربة التعليم العربي.