كانت ليلة شقراء، تلك التي أضاء فضاءها الأدبي الشاعر الرائد الصديق محمد العلي، أمسية جاءت فاتحة العقد، وناهدة الجيد في استهلال quot;بيت الشعرquot; في نادي الرياض الأدبي!والمراقب للشأن الثقافي يدرك أننا quot;إزاء عهد ثقافي جديدquot; كما قال ذلك الصديق الشهم أبو الشيماء محمد سعيد الطيب... إذ حضر الأمسية صديق المثقفين الأستاذ أبو مازن إياد مدني، ومعه وكيل الوزارة للشؤون الثقافية أبو حسان عبد العزيز السبيل... حضرا بوصفهما مستمعين جيدين.. كما اتخذا مكانهما بين الجمهور، مؤكدين أنه لا فرق بين أدبي ومثقف إلا بالإبداع المتألق والتقوى الأدبية.
في تلك الليلة بلل الشاعر النادر محمد العلي فضاء الحضور quot;بمائه الشعريquot;.. كيف لا وهو صاحب النص المشهور الموسوم بـquot;لا ماء في الماءquot;!، وما فات على quot;الماءquot; لم يفت على quot;كلماته المائيةquot;! الأمر الذي يشجع على إنجاز دراسة حول quot;علاقة محمد العلي بالماءquot;!
جاء محمد العلي من الدمام، ليقول بأنه الشاعر الذي راد الشعر عندما كان أصحاب المواهب يغطون في سبات تقليدي عميق.
في تلك الليلة قرأ العلي quot;رائحة البوحquot; وشرح quot;العصافير الهاجعةquot; وبيّن أن quot;الينابيع ما استكملت عريهاquot;!
في تلك الليلة حضر الشعر ونخبة من الغاوين، والمتورطين فيه، ولم يفقد هدهد المراقبة إلا عضوي مجلس إدارة النادي الصديق علي العميم والأخ سعد الحميدين...
وإذا كان للقلم فرصة لاستكمال تلك الأمسية، فلابد من الإشارة إلى جودة الدكتور الصديق سعد البازعي في إدارة الأمسية، فقد أضفى عليها جوّاً من الدفء، تجلى في مرونته وبساطته وعذوبة تعامله مع السائلين والمستمعين والحضور، الذين جاءوا، ليس لشرب الشاي، وتأييد الخطوات، بل لتأكيد أحقية الإدارة الجديدة، ودعم توجهها، بعد أن تولى الحرس القديم، الذي لم يحضر منهم أحد في تلك الليلة الجديدة...
في ذلك المساء كان صاحب الحبر الأصفر أول السائلين، وقد كان السؤال تنشيط لفكرة قالها لي الصديق الشاعر محمد العلي، بحضور الفيلسوف الأدبي عبد الرحمن المعمر، قالها قبل عشر سنوات، وكانت مقولته كالتالي: (إن قصيدة النثر ولدت على يد الماغوط وماتت على يده أيضاً)...
غير أن أبا عادل العلي، آمن ببعض المقولة، وكفر ببعضها الآخر، إذ أكد أن قصيدة النثر ولدت على يد الماغوط، ولكنها لم تمت، بل مات والدها قبل أيام... وأنا هنا أتهم الصديق العلي إما بالنسيان، الذي أدركه وهو الذي يحب النسيان باعتباره- كما يقول شيخنا أودنيس- ذاكرة للتجدد، أو كما يقول أهل الحجاز quot;كَبَرْبَرْ-من كبر السنquot;! أو اتهمه بمجاملة الحضور الذين كان بينهم الكثير من شعراء قصيدة النثر، لذا اتخذ من لغة quot;التسوية والاعتدالquot; مخرجاً لامتصاص ردة فعلهم!!!
هنا أجزم بأن أبا عادل قد تفوه بموت قصيدة النثر على يد الماغوط، قال بهذا قبل أن تظهر quot;موضة موت المؤلف وموت النقد الأدبي، وموت النظرية.. وموت الأموات، وموت الدجاج المصاب بحمى الوادي المتجدد.. قال ذلك بحضور رجال لديهم الاستعداد للإدلاء بالشهادة وقتما يشاء شيخنا الجليل، وشاعرنا النبيل محمد العلي.
والواقع أن سؤالي الذي طرحته كان سيضمه قبر النسيان، لولا أنني وجدته عنواناً عريضاً تصدّر الصفحة الثقافية بجريدة عكاظ في 21/3/1427هـ حيث جاء على الشكل التالي (العلي: قصيدة النثر لم تمت مع الماغوط)!
من هنا أراد القلم أن ينتقم لفكرته، ويفتح الباب على جانبيه لجدل أدبي، يتخذ من فقه الأدب، وتفسير الشعر، وحديث الثقافة ميداناً له، خاصة وأن شاعرنا العلي أكد أنه قصائده النثرية الجديدة لم يحضرها معه في تلك الليلة بل أبقاها في شقته ببيروت، قائلاً بأنه يخاف لو أحضرها معه إلى هنا، سوف يلزمه الرقيب بأن يلبسها عباءة الاحتشام ويسترها بستائر الإلتزام، حين ذلك رد أحد الحاضرين بقوله: quot;لا تخف، فهذا وزير الثقافة والإعلام معنا وسيسمح بدخولها كاشفة الوجه!quot; الأمر الذي جعل وزيرنا المحبوب اللطيف يصرخ قائلاً: (أنا صاحب العباءة)!
في تلك الأمسية قال شاعرنا العملاق محمد العلي بأنه ليس أبا للحداثة، لأن الحداثة مثل اللقيطة لها أم وليس لها أي أب، وأحبط الحضور عندما أكد بأننا لم نصل إلى الحداثة، لأن شروطها الثقافية غير متوفرة إلا إذا إعتبرنا quot;والكلام للحبر الأصفر وليس لشاعرنا الأخضرquot; مقولة (الزنجية الشقراء) جملة حداثية متجاوزة لشرنقة الوعي!!!
هنيئاً لنا بهذه المرحلة الجديدة من عهد الأدب والثقافة، والشعر والعباءة... والله الهادي إلى سواء السبيل.

[email protected]