العنوان ليس لنا، بل هو عنوان افتتاحية صحيفة الفيجارو الفرنسية القريبة من الحزب الحاكم. كان هذا المقال المنشور في الحادي عشر الجاري تعليقا على كشف المخطط الدموي الشرير للإرهابيين الإسلاميين في بريطانيا، والصحيفة تقصد بquot;الأخرىquot; أي غير حرب لبنان التي كانت مدار الاهتمام الدولي منذ شهر. إن ما تؤكد عليه الصحيفة هو ما كتبناه وغيرنا في عشرات المقالات خلال الأعوام الأخيرة من أنها حرب الأصولية الإسلامية المتطرفة، التي تعادي العالم والحضارة البشرية، وخصوصا الغرب وحريته المضمونة. هذه الحرب مستمرة ولا حدود لها، ولا قارة دون أخرى ضحية لها.
إن ادعاء البعض بأن حرب لبنان كانت وراء المخطط الجهنمي البربري يريدنا نسيان أن هذا الإرهاب مستمر منذ أكثر من عقدين، وأنه طال دولا عربية ومسلمة، بل وحتى مكة، ناهيكم عن دول الغرب. إن الأصولية الإسلامية تختطف القضايا السياسية الملتهبة، التي تشغل الجماهير العربية لتوظيفها في تبرير جرائمها الشنيعة، التي لا علاقة لها بقيم دينية أو إنسانية. بالأمس تذرعوا بحرب العراق، وقبله بحرب أفغانستان، متناسين أن الأخيرة نشبت بسبب العدوان الإجرامي في 11 سبتمبر، ومن قبل وبعد بعنوان فلسطين. وقبل هذه الأحداث، كان الإرهاب الإيراني يقترف التفجيرات في فرنسا بحجة موقفها من حرب العراق وإيران. وفي التسعينيات كانت الجماعة الإسلامية الجزائرية المسلحة تقتل وتفجر القطارات الأرضية في باريس بحجة الانتقام من الماضي الاستعماري لفرنسا. وماذا عن الدار البيضاء والقاهرة واستنبول ومكة نفسها؟؟!! وماذا عن تفجير السفن الحربية الأمريكية في التسعينيات؟
إن الإرهاب الإسلامي هو وليد التطرف الإسلامي، وهذا بدوره من مواليد الإسلام السياسي الذي يسخر الدين واسم الله للسيطرة والهيمنة على الشعوب. إن الإرهاب الإسلامي هو، وكما شرح الدكتور عبد الخالق وسواه، من نتاج التعليم الديني المتزمت والمتطرف. إنه إيديولوجيا متكاملة ومغلقة تبث الكراهية وتقوم على نشر الرعب والقتل الجماعي للمدنيين سعيا وراء سراب الجمهورية الإسلامية العظمى. إن كل إيديولوجيا مغلقة تؤمن بكونها تحتكر الحقيقة وتصد عن سماع أي رأي آخر، وتعتبر المخالف خصما وعدوا. لذلك لا عجب أن ينتقل بعض مدمني الماركسية وحتى أقصى اليسار إلى كوادر نشيطة في تنظيمات وأحزاب إسلامية، وربما صعدوا لمواقف قيادية. حدث هذا في مصر، ولنا أمثلة من العراق وغيرهما. وعلى هذا فنحن نتفق مع الفيجارو في أنه يجب التعامل بلا هوادة مع الإرهابيين ودعاة الإرهاب، ويجب أن تنسق البلدان المعرضة باستمرار للإرهاب جهودها وأن تعتبر مكافحة الإرهاب في أي بلد واجبا دوليا حيويا ودائما.
نعم، الأصولية الإسلامية المتطرفة هي فاشية القرن الحادي والعشرين، وليس بوش أول من وصفها بذلك بل سبقه لذلك نخبة من خيرة الكتاب العراقيين والعرب. إن الفاشية الأوروبية واليابانية كانت تقوم على الكراهية واحتقار حياة البشر في السعي للتوسع والفتح المستمرين. وهنا وجه المقارنة مع حرب التطرف والإرهاب الإسلاميين. وبدلا من عقد الاجتماعات من جانب عدد من الجمعيات الغربية الإسلامية احتجاجا على وصف بوش، فقد كان واجبا تنظيم اجتماعات ومظاهرات احتجاجا واستنكارا للمخطط الإرهابي والمخططين له والمكلفين بالتنفيذ. وهذه نقطة هامة أكد عليها الأستاذ عبد الرحمن الراشد في الشرق الأوسط ليوم 13 آب الجاري، قائلا نعم، إنها لفاشية إسلامية. إن هذا لا يعني أن المسلمين فاشيون، بل هناك شرائح منهم دمويون فاشيون، نهجهم القتل الجماعي ونشر الرعب في كل مكان.
أما لماذا لا تعقد التنظيمات الإسلامية في الغرب والعالم الإسلامي مظاهرة استنكار واحدة ضد جرائم الإرهابيين الإسلاميين، فذلك، ومع الأسف، لأن عددا كبيرا من رجال الدين والمسلمين يتعاطفون سرا مع كل عملية إرهابية في الغرب وإن تجنبوا التصريح العلني بذلك في الدول الغربية خشية الملاحقة القانونية وفقدان المعونات السخية. ونحن نذكر مظاهرات فرح لجرائم 11 سبتمبر في بعض الضواحي الفرنسية ذات الأكثرية المسلمة وهو ما تعمدت الحكومة والصحافة تجاهله [ باستثناء صحيفة واحدة ] وذلك خشية ردود الفعل الشعبية. أما في أراضي السلطة الفلسطينية فقد قامت مظاهرات سرعان ما سارعت قيادة عرفات لوصفها بتحرك أقلية ليس إلا.
أجل، هي حرب تمس مصير الشعوب والحضارة، ونحن في العراق نعاني من هذه الحرب الإرهابية منذ سقوط الفاشية البعثية، هذه الحرب التي يبررونها باسم quot;المقاومةquot;. ولا ننسى أن شيخ الأزهر نفسه كان قد اعتبر quot;المقاومةquot; في العراق مشروعة، ناهيكم عن القرضاوي ومن لف لفه من غلاة الدعاة. وكما تقول الفيجارو من أن التصدي لحرب الإرهاب والأصولية الإسلاميين واجب دولي، فإن على كل الدول الغربية وغير الغربية اعتبار التصدي اليوم لحرب الإرهاب القاعدي والصدامي في العراق واجبا من الدرجة الأولى، لأن كل ضربة قاصمة للإرهاب عندنا تخدم الأمن الدولي.
إن الأصولية الإسلامية المتطرفة لا تقتصر على مذهب دون غيره بل هناك تنظيمات إرهابية من بين الشيعة أيضا كما اليوم عصابات جيش المهدي في العراق. ورغم الخلافات المذهبية الكبيرة بين هذه التنظيمات في إيران والعراق مع الإرهابيين التكفيريين القاعديين فإنهم يتحدون مؤقتا لتدمير العراق ووقف كل تقدم نحو الأفضل، سواء خدمة لأحلام التوسع الإسلامي أو لتصفية حسابات دول إقليمية، وخصوصا إيران،
مع المجتمع الدولي.
الحقيقة الأخرى هي أن هذه الجرائم قد حطت من سمعة المسلمين كلهم في العالم، وهي تغذي التيارات العنصرية في الغرب، وتضع الجاليات المسلمة في وضع شديد الحرج. ومن هنا واجب التنديد الجماعي من جانب النخب المسلمة في الغرب لكل الجرائم الإرهابية التي يقوم بها الإرهابيون الإسلاميون وعدم الصمت عنها. ذلك هو لصالح المسلمين في العالم ولإنقاذ الدين من اختطاف الأصوليين الدمويين.
- آخر تحديث :
التعليقات