يستمر العدوان الأسرائيلي على لبنان ، على الرغم من صدور قرار مجلس الأمن الرقم 1701 . ومع دخول العدوان شهره الثاني، لا يمكن تجاهل الأيجابيات التي تضمّنها الخطاب الأخير للسيّد حسن نصرالله الأمين العام لquot;حزب اللهquot; مساء السبت الماضي عن دعم مواقف الحكومة اللبنانية من دون الذهاب ألى ما هو أهمّ من ذلك بكثير أي تسليم الحزب أوراقه للحكومة... بدل أن تكون أوراق الحزب أوراقاً سورية وأيرانية. ظهر في الخطابين الأخيرين للسيّد نصرالله ميل واضح ألى مراعاة الوضع اللبناني خصوصاً لجهة دعوة النازحين من الجنوب أو من غير الجنوب ألى أحترام المحيط الذي يوجدون فيه وعدم رفع أعلام quot;حزب اللهquot; حيث لا يجب رفعها ولا ضرورة لذلك. أنّه أعتراف بالتعددية اللبنانية والتنوّع السياسي في لبنان. مثل هذا التنوع يسمح لأصوات شيعية بتوجيه أنتقادات صريحة ألى quot;حزب اللهquot; وقول ما يجب قوله في الحزب الذي أستولى على قرار الحرب والسلم في البلد من دون أي أخذ في الأعتبار لمصالح لبنان واللبنانيين.

مثل هذا الأعتراف بالتنوّع اللبناني وبالتعددية السياسية يفرض على quot;حزب اللهquot; أعادة النظر بسياساته بدءاً بالتخلي عن هذه النظرة الفوقية لبقية اللبنانيين ولأجهزة الدولة اللبنانية خصوصاً الحكومة. فالحكومة هي التي تحمي quot;حزب اللهquot; وليس العكس وعلى الحزب السير على نهج الحكومة بدل العمل على عرقلة ما تقوم به على غير صعيد خصوصاً في الأمم المتحدة. ولعلّ أكثر ما على quot;حزب اللهquot; التنبّه أليه أنه كلما أستطاعت الحكومة التوصل ألى وقف النار سريعاً كلّما كان ذلك في مصلحة لبنان. ولكن، هل مصلحة لبنان همّ للحزب أم أن ما يهمّه تنفيذ ما يطلبه النظام الأيراني ومساعدة النظام السوري على الأنتقام من كلّ ما هو حضاري في لبنان؟ هل يعي الحزب أن التنازل للحكومة اللبنانية أنتصار للبنان، في حال كان هناك مجال لأنتصار لبناني، وأن أنتصار الحزب لا يمكن أن يكون ألاّ على حساب لبنان أي في مصلحة العدو الأسرائيلي؟

بصراحة كاملة، أنّ الوقت لا يعمل لمصلحة لبنان. والدليل على ذلك أن أسرائيل تتابع عملية التدمير المبرمجة والمدروسة للبنية التحتية اللبنانية فيما العالم يتفرّج عليها. والخوف كلّ الخوف أن تصبح الحرب لتي تشنّها أسرائيل على لبنان حرباً منسية على غرار الحرب التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني. ومصدر هذا الخوف أن التركيز العالمي أنتقل فجأة قبل أيّام ألى العملية الأرهابية التي أحبطتها السلطات البريطانية والتي أستهدفت تفجير نحو عشر طائرات فوق المحيط الأطلسي. للمرة الأولى منذ الثاني عشر من تمّوز- يوليو الماضي، غاب لبنان عن صدارة الأنباء في الصحف ومحطات التلفزيون العالمية. وقد عاد أليها بفضل القرار 1701 ، ولكنّ لا يزال يخشى أن تصير حربه حرباً أخرى منسيّة كما حرب أسرائيل على الشعب الفلسطيني والحرب الأهلية الدائرة في العراق بين المتطرفين من هذا المذهب أو ذاك.

أحسن الأمين العام لـquot;حزب اللهquot; عندما أخذ الحساسيات اللبنانية في الأعتبار، لكن خطابيه الأخيرين تضمنّا نقصاً أساسياً. يتمثّل هذا النقص، أو لنقل الحلقة المفقودة في الخطابين، في أستمرار الرغبة في المواجهة من جهة وعدم وجود نية حقيقية وصادقة في مساعدة الحكومة اللبنانية من جهة أخرى. أن الرغبة في المواجهة حتى آخر لبناني تدلّ على أن أجندة الحزب غير لبنانية، ذلك أنّ ليس طبيعياً ألاّ يسعى حزب لبناني ألى وقف للنار أو على الأصح ألى المساعدة في التوصّل ألى وقف للنار يأخذ في الأعتبار موازين القوى على الأرض على الرغم من أدراكه أنّ كلّما مر يوم تتراكم الخسائر التي تلحق بالبلد والمواطنين.بالطبع، ليس مطلوباً في أيّ شكل أن يتخلّى لبنان عن حبة من ترابه ولكن هل تساءل quot;حزب اللهquot; عن كلفة المواجهة وأستمرارها، وهي كلفة تضاف ألى ما تحمّله لبنان في السنوات الأخيرة في ضوء أصرار الحزب على الأحتفاظ بسلاحه على الرغم من أنسحاب أسرائيل من الشريط المحتلّ؟

أمّا بالنسبة ألى مساعدة الحكومة، فالأكيد أن الأعلان عن الموافقة على نشر الجيش في الجنوب لا تقدّم ولا تؤخر. أن الموضوع المطروح يتجاوز مسألة أنتشار الجيش ألى ما هو أهم من ذلك بكثير. وبكلام أوضح، على السيّد حسن نصرالله أيضاح ما أذا كان الجيش في الجنوب سيكون الطرف الوحيد الذي يمتلك حق أمتلاك السلاح على الأرض اللبنانية كما نصّت على ذلك النقاط السبع للحكومة التي أعلن دعمه لها.

في غياب مثل هذا الأيضاح، لا قيمة تذكر للأعلان عن القبول بانتشار الجيش الذي سيتحوّل عندئذ ألى شرطي سير يراقب تحرّكات عناصرquot;حزب اللهquot; في المنطقة. كذلك لا قيمة لأي رغبة في دعم الحكومة اللبنانية والنقاط السبع التي أقرّتها من دون موقف واضح من السلاح الحزبي، ذلك أنّ في أساس هذه النقاط أن تكون الدولة اللبنانية بقوّاتها النظامية الطرف الوحيد الذي يحق له حمل السلاح وأتخاذ قرار الحرب والسلم تالياً.

ما يفترض أن يكون مفهوماً لدى الجميع، بما في ذلك quot;حزب اللهquot; أن أسرائيل تدمّر لبنان والعالم يقف مكتوفاً وكأنه يقول أن تدخله مرتبط بأستيعاب quot;حزب اللهquot; والذين يقفون خلفه النتائج الحقيقية التي ترتّبت على المواجهة العسكرية، وهي بكل تأكيد كارثة على لبنان. أليس مستغرباً أن يكون مجلس الأمن أمتنع حتى الآن ، أي بعد مرور شهر كامل على بدء العدوان الأسرائيلي عن أصدار نداء، نعم مجرّد نداء، يدعو ألى وقف النار، بل أن اقرار 1701 يمكن أن يمهّد لوقف النار ليس ألاّ؟ أنّ لمثل هذا الموقف الدولي معنى واحداً يتلخّص بأنّ العالم يرفض العودة ألى الوضع الذي كان سائداً في لبنان قبل الثاني عشر من الشهر الماضي. أنّه قرار دولي تنفّذه أسرائيل بوحشية لا مثيل لها فيما في لبنان من لا يزال يتحدّث عن أنتصارات. مرّة أخرى، أن الأنتصار على لبنان ليس بديلاً من الأنتصار على أسرائيل! هذا ما يفترض أن يكون مفهوماً لدى المعنيين بالشأن اللبناني، خصوصاً لدى أولئك الذين يتحدّثون عن الصمود. لا يمكن ألاّ ألأعتراف ببسالة مقاتلي quot;حزب اللهquot;. لكنّ هذه البسالة لا تلغي أن ثمة واقعاً لا مفرّ من التعاطي معه. أنّه يتلخص بأنّ لبنان يحتاج ألى وقف سريع لأطلاق النار تفادياً لمزيد من الأنهيارات الداخلية التي لا تصب ألاّ في مصلحة أسرائيل.في النهاية، يظل السؤال الأساسي: هل قرار quot;حزب اللهquot; ملكه؟ هل قرار نزع السلاح أو على الأقل أخلاء منطقة جنوب الليطاني من أي سلاح غير سلاح السلطة الشرعية اللبنانية قرار لبناني أو أقليمي؟